أشار الكاتب الكبير محمد سلماوى فى مقاله الشيق بجريدة “الأهرام” عن الأستاذ محمد حسنين هيكل إلى خطاب أرسله إليه هيكل عام ٢٠٠٦ للاعتذار عن ترشيح اتحاد الكتاب له لجائزة أمير أستورياس ولى عهد أسبانيا، وهى أكبر جائزة أسبانية ومن أرفع الجوائز العالمية، وقد فاز بها من قبل نيلسون مانديلا وكاتب أمريكا اللاتينية الأكبر ماريو بارجاس يوسا الحاصل على جائزة نوبل، وغيرهما.
وقال محمد سلماوى فى مقاله الذى كان يحمل عنوان “يوم الخروج”، أن هيكل شرح فى هذا الخطاب رأيه بوضوح فى مسألة الجوائز وموقف الصحفى منها كما يراه من وجهه نظره، ومن هذا المنطلق فالخطاب يعتبر وثيقة هامة ممهورة بتوقيع الأستاذ تعرض لموقف التزم به طوال حياته وشرحه فى الوثيقة بشكل لا لَبْس فيه.
وكان مجلس اتحاد كتاب مصر قد قرر عام ٢٠٠٦ ترشيح هيكل لجائزة أمير أستورياس فى فرع الاتصالات والعلوم الاجتماعية لما للجائزة من قيمة كبيرة بين الجوائز العالمية، وباعتبار أن مكانة هيكل الدولية المرموقة ستزيد من فرصه فى الفوز بالجائزة التى لم يحصل عليها كاتب عربى من قبل.
وأرسل محمد سلماوى رئيس الاتحاد آنذاك رسالة إلى الأستاذ هيكل يخطره فيها بهذا الترشيح، لكن الأستاذ رد عليه برسالة رقيقة شكر فيها الاتحاد واعتذر عن الترشح للجائزة إيمانا منه بأنه لا يجوز تكريم الصحفى إلا من قرائه، وقال إن تكريم القراء له فى مصر وخارجها يفوق كل الجوائز ويعطيه ما “يكفيه من الشعور بالاعتزاز والعرفان”، وقد أعطى هيكل بذلك درسا للأجيال الشابة فى ترفع الصحفى وعزته.
وهذا هو النص الكامل للخطاب الذى حصل عليه “اليوم السابع” كوثيقة تاريخية توضح جانبا هاما من شخصية الراحل الكبير:
عزيزى الأستاذ محمد سلماوى
سعدت كثيرا بخطابك الرقيق الذى أبلغتنى فيه بالأصالة عن نفسك ونيابة عن اتحاد كتاب مصر، بأنكم وافقتم بالإجماع على ترشيحى لجائزة أمير أستورياس ولى عهد اسبانيا فى مجال الاتصالات والعلوم السياسية.
وبقدر ما سعدت لترشيحكم ممتنا به وفخورا، فإننى أجد عاملا آخر له الغلبة عندى وهو يدعونى أن أكتب إليكم راجيا كرمكم بالتفكير فى مرشح آخر غيرى، ذلك أننى منذ بواكير انتسابى لمهنة الصحافة اقتنعت وأعلنت أننى لست مرشحا لأى وسام أو أى جائزة من أى جهة دولية أو محلية، وكان ذلك الموقف تعبيرا عن تصور أعتقد فيه – خطأ أو صوابا – مؤداه أنه ليس من حقى أن أقبل تكريما من غير قارئى.
ومع أننى أعرف أن الجوائز والأوسمة ضمن وسائل المجتمعات لإظهار حفاوتها بشخصية أدت دورا فى الحياة العامة، إلا أننى ومن منظور شخصى مباشر، اعتقد جازما بأفضلية ان يظل صحفى فى مثل ظروفى خارج ساحة الأوسمة والجوائز، ولعله يساعدنى على ذلك أن هذه المهنة التى أتشرف بالانتساب اليها وفرت لى من فضل قرائها فى مصر وفى العالم الخارجى ما يكفى ليشعرنى دائما بالاعتزاز والعرفان.
إننى أبلغتك رأيى فى محادثتنا التليفونية صباح اليوم، واتبعه الآن بهذه الكلمات بناء على اقتراحك لاستيفاء السجل وتوضيح الأمور.
وأنت تعلم مدى تقديرى لك صديقا وزميلا ونجما ساطعا من نجوم جيل من كبار الصحفيين له أخلص دعائى وأصدق أمانى، بظن أن مستقبل المهنة فى يده مع هذه اللحظة الدقيقة من حياة الوطن وهموم الصحافة.
ومع أصدق الود، أرجوك قبول موفور الاحترام.
محمد حسنين هيكل