دبلوماسية التنمية والإتجاه نحو قارتنا السمراء
بقلم / سهام عزالدين جبريل
مما لاشك فيه أن إستضافة مصر لمنتدى أفريقيا في الفترة من 20-21 فبراير 2016 في شرم الشيخ في مصر، والذى نظمتة كل من وزارة الإستثمار، وزارة الخارجية ، وزارة الصناعة والتجارة الخارجية ، ووزارة التعاون الدولي، بالتعاون مع كل من الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية وهيئة الإستثمار الإقليمية التابعة لمنظمة الكوميسا ، وتحت مظلة لجنة الإتحاد الأفريقي ، والتي تأتى فى إطار السعى لبدء مرحلة جديدة من الإتجاه نحو أفريقيا من خلال دبلوماسية التنمية كمدخل عملى وأكثر تطوراً وتوازناً لدعم العلاقات التجارية والإستثمارية بين مصر ودول القارة فالإقتصاد لابد أن يتصدر الأداة الدبلوماسية ويكون أحد أسلحتها الإيجابية والمفتاح السحرى نحو تطبيق أليات جديدة أكثر فاعلية والتي يمكن أن تكون من خلال إقامة شراكة وتعاون بين الحكومات ومجتمعات الأعمال الإفريقية وطرح الرؤى المستقبلية وإستثمار الفرص والإمكانيات المتاحة التى تزخر بها القارة ، وخاصة فى ظل الإهتمام الكبير للقيادة السياسية والشعب المصرى بأكمله لتعزيز الدور المصرى فى إفريقيا على كافة الأصعدة ولكن مدخلنا إقتصاديا تنمويا وتعود مصر بقوة إلى ساحتها الأفريقية ، ولتكن مصر هي المظلة التي ، تحتضن أبناء القارة وتسهم في الدفع بكل قوة لتنمية محيطها الأفريقي والدعوة الى مشاركة القطاع الخاص والإستثمار في أفريقيا ، مما يسهم في تطوير العلاقات والشراكات الجديدة ، وتسليط الضوء على فرص الإستثمار في إفريقيا ،
حيث يهدف المنتدى في الأساس إلى دفع مشاركة القطاع الخاص والإستثمار في أفريقيا، للمساعدة في تطوير العلاقات والشراكات الجديدة ، وتسليط الضوء على فرص الاستثمار في القارة السمراء تمتلك 60٪ من الأراضى الصالحة للزراعة بالعالم ،
فمازالت قارتنا ذاخرة بكل الخير والنماء ومازالت ثرواتها تجود بكل ماهو خير يمكن ان يسهم في تنمية الإنسان والمكان ، ومازال التكالب من القوى الدولية والإقليمية على بسط نفوذها على القارة بأدوات جديدة تحمل في طياتها هدف الإستغلال والحصول على الموارد التى تجود بها الأرض الأفريقية ، كما أن هناك بعض الظروف الإقتصادية المواتية والمحفزة لتفعيل الدور المصرى فى القارة منها :
*أنه قد تزايد دور القطاع الخاص المصرى مع سياسات الإصلاح الإقتصادى التى بدأت خطواتها الجادة منذ أوائل التسعينيات ، وإرتباط مصر باتفاقيات للتعاون الاقتصادى والتبادل التجارى مع كثير من الدول الأفريقية ، وإنضمام مصر منذ عام 1998م ، إلى” السوق المشتركة لدول شرقي وجنوبي إفريقيا (كوميسا – COMESA) والتي تشكلت في نوفمبر 1993م ، حيث جاء إنضمام مصر متأخرا نوعا ما ، لكنه جاء من إدراك بأهمية هذه التكتلات ودورها الفاعل في التنمية والتعاون بين التكتلات الإقتصادية داخل القارة وخارجها ، حيث يتيح ذلك مزايا نسبية من حيث الوصول إلى أسواق الدول الأعضاء ، ومعظمها ذات أهمية أمنية وإستراتيجية كبرى بالنسبة لمصر، كذلك فإن تطبيق القواعد الجديدة للجات ومنظمة التجارة العالمية سوف يتيح لمصر قدرة أكبر من حيث النفاذ إلى الأسواق الأفريقية وإن كان سيفرض فى نفس الوقت تحديات أكبر من حيث حدة المنافسة فى هذه الأسواق ، ومن هنا لابد أن يكون الإتجاه الصحيح والمبنى على إستراتيجية عملية لتفعيل التعاون الإفريقى وإستثمار وتطوير كافة الأدوات الناعمة للتواصل من جديد بين كافة دول أفريقيا،
وبالنظر إلى ظروف البيئة الداخلية والخارجية المحيطة بالدور المصرى فى أفريقيا والتحديات التي تواجهها الدولة المصرية في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية وظهور منافسين إقليميين بجانب تنافس القوى الدولية التقليدية ، يمكن تحديد أهم محددات تفعيل هذا الدور، حيث أن بعضها ذو أثر إيجابى يدفع فى إتجاه زيادة فاعلية هذا الدور فى حين أن بعضها الآخر له تأثيرات سلبية من شأنها عرقلة الدور المصرى فى القارة وبالنسبة لهذه الظروف والمحددات ، يلاحظ إجمالا ما يلى:
أولا – أن هناك إدراكا واضحا معلنا من جانب القيادة السياسية المصرية بالنسبة للأهمية الكبيرة للقارة الأفريقية وبعدها في مجال الامن القومى خاصة الامن المائى ، والذى يأتي إنطلاقاً من وعى هذه القيادة بوجود مصالح مصرية أفريقية مشتركة وأهمية أفريقيا بالنسبة للمصالح المصرية الحيوية والإستراتيجية .
ثانيا- أن هناك جهوداً ومساعى كبيرة مباشرة وغير مباشرة, تحشدها مصر لتفعيل الدور المصرى في أفريقيا وان هناك أدوات سياسية جديدة بدأت تظهر في فكر السياسة الخارجية تجاه أفريقيا ، كما أن هناك وفى نفس الوقت تعدد وتنوع فى الأجهزة والمؤسسات والجهات المصرية المعنية بأفريقيا ، وأيضا تنوع مجالات العمل المصرى فى الساحة الأفريقية ما بين مجالات سياسية وإقتصادية وفنية وثقافية وإعلامية ودينية وتعليمية وغيرها ، يمكن إستثمارها وتوحيد الجهود فيما بينها .
غير أنه من الملاحظ غياب التنسيق الهام بين الأجهزة المصرية العاملة فى أفريقيا فى إطار استراتيجية واضحة المعالم ، وهو ما يشكل أحد العوامل المهمة فى عرقلة أية جهود لتفعيل الدور المصرى فى أفريقيا ، فإلى جانب وزارة الخارجية نجد وزارات الرى والزراعة والتموين والتجارة الخارجية والتعليم العالى والثقافة والاعلام والإقتصاد والدفاع والداخلية ، ونجد أيضا الأزهر الشريف والكنيسة المصرية وجمعيات رجال الأعمال… الخ ، ولكن من الواضح أن كل وزارة وكل جهاز يعمل وفق تصوراته ، ومن شأن ذلك تضارب التصورات وتشتيت الموارد ، وبالتالى كثير من هذه الجهود يذهب سدى ، ولابد من تداركه بسرعة وتصحيح مساراته حتى تؤتى هذه الجهود ثمارها المرجوة .
ثالثا – كما أن هناك بعض العوامل المتعلقة بالهوية وتلك الفجوة التي تلقى بتأثيراتها السلبية على الدور المصرى فى أفريقيا حيث تأثر الإدراك المصرى بالهوية الأفريقية بالصورة السلبية التى رسمتها الدعاية الاستعمارية للأفريقي والعكس صحيح ، والتي أنشأت تلك الفجوة بين افريقيا شمالها وجنوبها ، فمازالت القوى الإستعمارية القديمة تؤصل هذا الإدراك بتعاملها مع أفريقيا جنوب الصحراء وأفريقيا الساحل شمالا ، ومن شأن هذه الصورة أن تنفر من إنتماء المصري للهوية الأفريقية ، ولا يشذ عن هذا الإدراك إلا قلة قليلة من العلماء والباحثين في الشأن الأفريقي من الجماعة الأكاديمية المصرية ذات الإهتمام الإفريقي والاحتكاك بأفريقيا والمدركين لأهمية الجذور الأفريقية المكونة للهوية المميزة للشخصية المصرية .
وحتى في الحالة التي بدأت تتحسن فيها صورة أفريقيا في الإدراك المصرى (حالة جنوب أفريقيا) فإنها ترتبط بشكل أو بآخر بدولة متقدمة إقتصادياً إلى حد ما. ويسيطر البيض على مقدراتها الاقتصادية ، ولعل المتتبع لما تنتجه أدوات الأعلام المصرية يدرك ذلك دون عناء كبير, حيث هناك تجاهل شبه تام لما يجري في أفريقيا، أو رفض كامل للإنتماء للهوية الأفريقية، فالأفريقي ينظر إليه باعتباره (آخر) أو باعتباره في مرتبة أدني ، وأن يعيش حالة التخلف الإرادى ، وهذا خطأ لابد من تداركة وتصحيح هذه المفاهيم التي أرستها الدول الإستعمارية والتي مازالت تمارسها وتروج لها بعض الدول المنافسة للدور المصرى والدور العربى في القارة .
وأمام هذه العوامل الإدراكية ، والتي تشكل تحديا أمام تفعيل الدور المصرى فى أفريقيا ، ذلك أنه مهما كان صدق الإدراك الرسمى على مستوى صانع القرار المصرى بأهمية تعزيز الدور المصرى فى القارة ، فإنه فى المقابل يكاد يكون هناك تجاهل كامل على مستوى القائمين بتنفيذ السياسة الخارجية في أفريقيا ، ومن خلال كافة ادواتها ومستوياتها فعلى المستوى الثقافي والشعبي للهوية الأفريقية لمصر من جهة ، وبالتالى عدم الإدراك لأهمية تعزيز الدور المصرى في أفريقيا من جهة أخرى، ومن شأن ذلك أن يؤدى إلى تقاعس وتقصير من جانب القائمين على تنفيذ السياسة المصرية فى القارة ، ولذلك كان من الطبيعي أن نجد تقاعساً من جانب رجال الأعمال المصريين عن التجارة والإستثمار في أفريقيا ، وأن نجد تصوراً من بعض الجهات التنفيذية في الدولة يصل إلى حد الإهمال والتجاهل التام لأوضاع الدول الأفريقية ، بل قد إتجهت عديد من الوزرات المختلفة العاملة لخدمة الدور المصرى في القارة الافريقية إلى تقليص العديد من أدواتهاالهامة مثل المكاتب والملحقيات الإعلامية ، والثقافية والتعليمية ، والراصد لطبيعة المجتمعات المتنوعة والمتواجدة داخل دول القارة ، وهناك من لا يعرف الكثير من المعلومات الهامة عن افريقيا في مجالات عدة مثل طبيعة التكتلات الاقتصادية وتوزيعها الجغرافى على مستوى القارة وألية تكوين أعضائها ، ولو بحد أدنى عدد الدول الأعضاء فى الكوميسا بإعتبار ان مصر عضوة فيها ، وتلك مازالت في دراستها الرسمية تكتب أسماء لدول أفريقية تغيرت منذ ما يزيد على ربع قرن مثال : (داهومي– فولتا العليا مثلا) وتزعم أنها تمارس معها علاقات تجارية ، وكثير لايدرك مدى التقدم الذى احرزتة العديد من دول القارة ، ومكانتها الإقليمية وأهميتها الإسترتيجية ، وهناك من لايدرك أن في أفريقيا دول منافسة لمصر ولها حضور في المجتمع الدولى ، وتنافس على مقاعد دولية !!! فكيف والحال على هذا النحو يمكن تحقيق إنطلاقة في تفعيل الدور المصرى فى أفريقيا؟؟؟
خامسا- أن الظروف والمشكلات الاقتصادية فى مصر، وخاصة ضعف القدرات التصديرية للاقتصاد المصرى وتركز الصادرات السلعية فى البترول والقطن والمنسوجات وبعض السلع الصناعية المحدودة بالإضافة إلى صعوبات النقل وارتفاع تكاليفه ومشكلات التمويل وندرة الصرف الأجنبى فى كثير من الدول الأفريقية وصعوبات التسويق ، سواء من حيث عدم توافر بيانات يعتمد عليها بالنسبة لحاجة الأسواق الأفريقية من السلع وأذواق المستهلكين ومدى القدرة التنافسية للسلع المصرية من حيث الجودة والسعر…الخ ،
سادسا – أنه لابد من إدراك أن هناك دول منافسة وأخرى معادية لمصر ولها مصالحها الحيوية وأهدافها تجاه افريقيا ، ولن يسعدها حضور مصر الأفريقي ، ومنها دول سعت منذ فترة لأخذ مكانة مصر السابقة في أفريقيا ووضع العراقيل امام اتجاه مصر الطبيعى والضرورى كجزء أصيل من كيان القارة الأفريقية ، كما أن هذه الدول لديها الإمكانات العالية لجذب الإهتمام الأفريقي ولديها أدواتها الفاعلة والجاذبة أيضا وفي مجالات حيوية تلبى إحتياجات العديد من دول القارة !!!ّ
هذه الظروف والمشكلات والتحديات وغيرها يمكن أن تؤثر تأثيراً سلبيا على فاعلية الدور المصرى فى أفريقيا والتي لابد أن توضع في فكر صانع القرار وأدواته التنفيذية لسرعة تصحيح مساراتها ، وتدارك الأخطاء السابقة ، وهى أيضا عوامل محفزة وداعية لضرورة وحتمية التنسيق المشترك لوضع إستراتيجية محددة وواضحة للتحرك تجاه أفريقيا وصناعة دور إيجابى يترجم أدواته العلمية والعملية على أرض الواقع ، حتى لاتضيع جهود مصر الصادقة نحو إحتضان قارتها الافريقية وتعاونها الجاد من خلال مفهوم جديد يحمل معطيات قد تكون أكثر فعالية وأكثر واقعية من منطلق أدوات دبلوماسية التنمية والإتجاه بكل قوة نحو قارتنا السمراء.
———————–
خالص تحياتى / سهام عزالدين جبريل