محطات ومشاهد من أرشيف المقاومة الوطنية على أرض سيناء… المحطة الأولى
المحطة الأولى
لماذا سيناء ؟؟؟
بقلم: سهام عزالدين جبريل
تعتبر سيناء بموقعها وأهميتها الجيوإستراتيجية الواقعة على الحدود الشرقية لمصر بمثابة بوابة الأمن القومى المصرى ومركز التحدى الحضارى لها ، كما يعتبر أبناء سيناء عنصر أساسى من مكونات منظومة الأمن القومى المصرى ، حيث يشكلون ذلك الحائط البشرى المنيع الممتد والضارب في جذور التاريخ الوطنى والذى يمثل جزء أصيل من النسيج الاجتماعى المصرى ، حيث هم شركاء في ملحمة المواجهة والمقاومة والتحدى والصمود على مر التاريخ ،،،
فهم الامناء على حماية بوابتها الشرقية منذ فجر التاريخ وعبر عصور المتعاقبة ، ويترجم ذلك ، تلك الأحداث التاريخية الهامة فى التاريخ المصرى القديم والحديث ، حيث لعبت سيناء دوراً هاماً فى ذلك التاريخ فهي حصن مصر المنيع وطريق الغزوات منها ما جاءت من أسيا إلى أفريقيا أو التى تحركت من مصر إلى فلسطين والشام ، ومع قدوم حملات الإستعمار التي استهدفت مصر خاصة بعد الحملة الفرنسية والإنجليزية ، ثم حفر قناة السويس التي أبرزت الموقع الهام لمصر ولمنطقة القناة وشبه جزيرة سيناء ،
حيث جاء الاحتلال البريطاني لمصر والذى تعمد المستعمر تقطيع الاواصر وفصل الجذور فيها ، وتفتيت خريطة الدولة المصرية الممتدة ، واتجه إلى سياسة فرق تسد داخل نسيج المجتمع المصرى ، فكانت سياسته الاستعمارية تجاه منطقة شرق القناة بترسيخ فكرة عزل سيناء عن مصر ، والذى طبقها بإجراءات إداريه خاصة وإقامة نقاط للجمارك والجوازات عبر قناة السويس ويسر حركة السكان المقيمين فيها شرقاً بإتجاه فلسطين ، وحرصت الحكومة البريطانية على تعيين محافظ شبه جزيرة سيناء من ضباطها الإنجليز ، حيث إستمر هذا الوضع حتى عام 1946م ، كما أنه وبعد إنتهاء الحكم البريطانى وضعت سيناء تحت الحكم العسكري ولم تنتبه الحكومات المتعاقبة لأهمية تنمية هذه المنطقه إلا بعد الإنسحاب الاسرائيلى فى عام 1982م وعودة السيادة المصرية ، حيث عاشت سيناء وسكانها في عزلة إجبارية فرضتها عليها الحالة الإستعمارية وتوراثتها الحكومات الوطنية حتى بعد الإستقلال !!! والتي يمكن ان نلخصها في العناصر الأتيه :
أولا : أبناء سيناء وسنوات مظلمة من الإستهداف والاحتلال البغيض :
عاشت سيناء أرضا وبشرا حقبات عديده من العزلة والحرمان حيث كانت القوانين والظروف اقوى من إرادة أهل سيناء الذين فرضت عليهم عزلة إجبارية ، دونا وعن باقى محافظات مصر وكان ذلك بتخطيط إستعمارى متقن لدرجة أقنعت حكام مصر حتى وبعد زوال الإستعمار فأصبح هذا هي العادة وذلك هو التقليد فى مفهوم الحكومات المصرية المتعاقبة لإدارة سيناء والتعامل مع أهلها وكان هذا هو المخطط الإستعمارى الإنجليزى ، الذى لم يدركة البعض والذى جاء متمشيا بل ومنفذا للمخطط الصهيونى الإستيطانى الذى كان يعمل على عزل سيناء عن بقية الوطن الام مصر ، حتى يسهل بعد ذلك إحتلالها والسيطرة عليها فى اية وقت أرادوا .
كما أن أيدلوجية التشكيك فى وطنية أبناء سيناء وولائهم كانت هدفا ومخطط لسياسة إستعماريه متوارثه مع بداية القرن ال19 حيث بدأ المخطط الصهيونى العالمى عندما جاءت لجنة هرتزل إلى سيناء لمعاينة المنطقة وعرض تأجيرها من الحكومة المصرية بحجة إنشاء مستعمرات لجمع شتات اليهود حيث قوبل هذا العرض برفض شديد من الحكومة المصرية ، كما أن بريطانيا نفسها كان لديها اطماع فى سيناء والتى كان هدفها إقامة منطقة عازله بين مصر وفلسطين اليهودية ليمنحها وضعا إستراتيجيا قويا فى شرق البحر المتوسط والبحر الأحمر ويمكنها من إقامة قاعدة إستراتيجيه كما يمكنها حفر قناة عند اللزوم تكون موازية لقناة السويس تصل البحر المتوسط بالبحر الأحمر يمكن ان تقيم فيها اكبر ميناء فى المنطقة لاحباط اية محاوله مصريه ضد قناة السويس ، وظل هذ الفكر الاستعمارى الذى يدير سيناء ويتعامل مع ابنائها فيشكك فى وطنيتهم ومصريتهم حيث ان احد محافظى سيناء من الانجليز كان يسمى مستر جارفس عام 1939م صرح فى احدى المؤتمرات فى لندن بأن سيناء اسيوية وان سكانها من الاسيوين وظلت هذه الفكرة الخبيثه التى تروج بان سكان سيناء ليسوا مصريين وان اصولهم من قبائل الشام وجزيرة العرب وبقايا الحامية التركيه وكان ذلك لخدمة اهداف استعمارية ولخلق الفجوة بين مواطنى سيناء وبين باقى المواطنين فى محافظات مصر.
فقد منع المستعمرون فى تلك الحقبه المواطنين من المحافظات المصرية دخول سيناء الا بتصاريح تستخرج من الادارة المدنية الانجليزية وكذلك دخول ابناء سيناء الى مصر ايضا بتصريح ، وظل هذا الوضع حتى بعد إنتهاء الاداره البريطانية لسيناء عام 1946م وتولى محافظ مصرى لسيناء غير انه استمرت سياسة العزله لسيناء واستمر تطبيق نفس القوانين التى فرضها المستعمر للتعامل مع سيناء ارضا وبشرا وظلت سيناء وسكانها محرمون من العديد من الخدمات التى تقدمها الدولة لمواطنيها وخضعت سيناء كمحافظه لإدارة حرس الحدود وذلك نتيجه ظروف المنطقة وتصاعد الصراع العربى الإسرائيلى الذى كان له أقسى تأثير فى سيناء وعليها حيث سنوات طويله من العزلة ثم سنوات إحتلال بغيض .
ثانيا : أبناء سيناء الحائط البشرى المنيع :
ويشهد التاريخ ويسجل الزمن وطنية أهل سيناء الصادقة لبلدهم مصر وأنهم كانوا ومنذ القدم بمثابة الحائط البشرى المنيع والخط الأول للدفاع عنها بدمائهم الذكية وأرواحهم الطاهرة ، وذلك بداية من غزو وطرد الهكسوس حتى الحملات الصليبية والفرنسية والحروب الحديثة التي وقعت في دائرة الصراع العربى الإسرائيلى حيث شهدت ملاحم البطولة وذكريات التحدى والصمود حائطا صلبا منيعا أمام كل العواصف التي إستهدفت أمن الوطن ومهدداته على أبواب حدوده الشرقية .
ثالثا : بطولات أبناء وسنوات المقاومة والصمود :
وإذا ذهبنا لعرض بعض من بطولاتهم المشرفة لوجدنا الكثير التي يحفظها أرشيف سيناء أرض الصمود والتحدى والمسجلة عن ظهر قلب في ذاكرة سيناء والتي إمتدت على مدى سنوات التاريخ ومراحلة المتعاقبة ، ولو إخترنا جزء من أحد تلك المراحل لوجدنا تلك الصور المشرقة فيه والتي تمثل نموذجا من العديد من المواقف والآحداث ، ففى مؤتمر”الحسنة “الذي عقد فى مدينة الحسنة بوسط سيناء عام 1968 وبحضور وكالات الأنباء وممثلي الصحافة العالمية بترتيب من إسرائيل عندما ارادت إيهام العالم الخارجي بأن أبناء سيناء يرفضون تبعتهم لمصر ومن ثم إعلان ذلك على لسان مشايخ سيناء الذين سايروا إسرائيل على ذلك حتى تم عقد المؤتمر، ففاجأوا الإسرائيليين أنفسهم برفضهم لمشروع تدويل سيناء وعزلها عن مصر, مؤكدين بأن سيناء كانت وما تزال وستظل جزءا غاليا من ارض مصر، مما أدى الى قيام السلطات الإسرائيلية بإجراءات قمعية عنيفة ضد السكان وإعتقال120 من المشايخ والمواطنين والفدائيين المصريين من أبناء سيناء وترحيل العشرات منهم خارجها وهذا المؤتمر ما هو الإ حلقة من حلقات عديدة تجلت خلالها بطولات أهل سيناء وما قدموا إلي بلدهم مصر من تضحيات وبطولات وإلي أي مدي جسدت هذه التضحيات نموذج الإنتماء الحقيقي لتراب الوطن ، وهناك أيضا إضراب أغسطس عام1967والذى كان أول عمل منظم ضد الاحتلال الإسرائيلي ، تلاه القيام بعمليات فدائية ضد معسكرات وقوات الإحتلال بسيناء، شملت مقر الحاكم العسكري ومطار العريش والمستعمرات والمستوطنات الإسرائيلية التي أقيمت بالعريش والشيخ زويد ورفح وجنوب سيناء حيث تم تنفيذ أكثر من700 عملية فدائية ألحقت خسائر كبيرة بالعدو، وقدم أبناء سيناء أغلي وأعز مايملكون لوطنهم وبعيداً عن الشعارات والمزايدات الإعلامية ، ظهر صور الإنتماء الحقيقي لأهل سيناء سواء في حرب الاستنزاف أو في نصر اكتوبر 73م وما قبلهما في نكسة 5 يونيو1967م ،،،
وقد شارك أبناء سيناء فى حرب اكتوبر من وراء خطوط العدو حيث كانوا بمثابة الأقمار الصناعية وعيون مصر الساهرة على أرض سيناء المحتلة لرصد تحركات العدو من وإلى جبهة القتال حيث كونوا مجموعات لمتابعة خطوط سير العدو وإبلاغ المعلومات إلى الجبهة المصرية اولا بأول من أهم هذه المعلومات الإبلاغ عن تحرك طابور طويل من الدبابات وسط سيناء قادم من ميناء العريش وفي أقل من 5 دقائق قامت الطائرات المصرية بدك هذا العدد الهائل من دبابات العدو مما أذهلت المفاجأة القيادة الإسرائيلية وكان السؤال والبحث عن كيف عرف الجيش المصري بهذا التحرك لحظة خروجه من ميناء العريش حيث بدأت إسرائيل البحث عن ترددات أجهزة الإرسال التى تعمل في سيناء وبالفعل إكتشفت إسرائيل هذه الأجهزة حيث رصدت ترددات بثها وحددت أماكنها, ومن ثم ألقت القبض علي 64 شخصا من أهالى سيناء ونقلتهم إلي تل أبيب حيث وضعوا في سجونها تحت أصعب وأقسي وأبشع صنوف التعذيب والإذلال والقهر وعاملتهم معاملة جواسيس ، لنقلهم معلومات عسكرية عن الجيش الإسرائيلي لمصر. في زمن الحرب ، وأصدرت المحاكم الإسرائيلية أحكاما لأكثر من 150 سنة علي أبناء سيناء ، وبعد ذلك طلب الرئيس السادات من القيادة الإسرائيلية الإفراج عن هؤلاء الأبطال إيمانا واعترافا بقيمة وعظمة الدور الوطني المخلص الذي قدموه لوطنهم مصر وإستقبلت مصر أولادها استقبال المنتصرين وأقاموا لهم الزينات ورفعوا الأعلام في أروع وأعظم استقبال ، يليق ببطولاتهم المشهودة وتضحياتهم النبيلة .
وقد إستهدفت سيناء أرضا وبشرا وسجلت حبات رمالها معاناة أبناء سيناء خلال هذه الفترة كانت قاسيه جدا وصمود أبناء سيناء وتحملهم ومقاومتهم سلطات الإحتلال بما يملكون من وطنية عالية وصمود وتحدى أمام عدو إستخدم كافة الأساليب من الترهيب والترغيب لكسر عزة وإباء أهالى سيناء والتي لم يفلح فيها ، فمارس العدو أساليب نسف المنازل ، ترحيل الاهالى من منازلهم ، منع الاهالى من زراعة اراضيهم ومنعهم من الذهاب او السكنى على شاطئ البحر. اعتقال رجال وشباب العائلات وتركهم سنوات فى السجون لتشتيت الاسر ، وعدم لم شمل الاسر بهدف إجبارهم على الهجرة مع ممارسات القمع ودخول المنازل العشوائى ، وحظر التجول دون مبرر ، ومنع الطلبه من الذهاب إلى مدارسهم إرهاب المدرسين من أهالى سيناء ومراقبة مناهج التدريس منع دخول أى كتب بالمنهج المصرى محاولة تطبيق دراسة اللغة العبرية فى المدارس وجلب مدرسين من مدن الضفة الغربية وخريجى معهد بيرزيت وبعض المعاهد للتدريس للتلاميذ والطلبه بهدف إختراق الثقافة المصرية وخلق نوع من الخلط بين ثقافة أهالى فلسطين وأبناء سيناء ومفرداتهم التراثية والثقافية مثل (اللهجة.الفلكلور.العادات…الخ )
ثالثا : الإحتلال الإسرائيلي لسيناء ومحاولة إختراق الثقافة المصرية :
بعد أن حلت نكسة يونيو 1967م وسقطت سيناء في براثن الإحتلال الإسرائيلى لها ، مارست سلطات الإحتلال أقسى أنواع الإضطهاد والتعذيب لسكان سيناء ومحاولة التأثير على القيم والثقافة المحلية للسكان والتي تتميز بملامحها المصرية الأصيلة ، وقد تعددت محاولات إختراق الثقافة المصرية : لأبناء سيناء بالعديد من الأدوات :
محاولة بعض الجماعات التى تدعو إلى التبشير وجلب أطباء من مدن القطاع والضفه للعمل فى المنطقة بإعتبارهم أفضل من الأطباء ابناء العريش .
رابعا : أساليب مواجهة ابناء سيناء لسلطات الاحتلال :
أ -تمثل صمود وتحدى ابناء سيناء لهذا الغزو العسكرى الفكرى الثقافى.
ب-تشكيل منظمة سيناء لمقاومة سلطات الإحتلال من الأهالى منذ يوم 5 يونيه 1967م لحماية وتأمين إقامة وتسكين أفراد ضباط وجنود القوات المسلحه وتوصيلهم عبر الصحراء إلى غرب القناة .
د -تكوين مجموع من القيادات الطبيعية فئة (الصامدين) بعدم التعامل مع سلطات الإحتلال وعدم تولى أى وظائف أو تشغيل أى منشأه حكومية .
هـ-تم تكوين مجموعات من المدرسين لفتح بعض المدارس لتعليم الأبناء بالمنهج المصرى .
و- إقتصرت التعاملات المدنية على إدارت التعليم والصحة والشئون الإجتماعية ، وذلك بهدف تقديم الخدمه للأهالى .
ز-تمسك الأهالى ببيوتهم وأراضيهم وتعمدوا عدم الهجره منها حفاظا عليها من سطوة سيطرة قوات الإحتلال .
ح-قامت العديد من أساليب المقاومة سواء بوضع المتاريس فى الشوارع والمظاهرات والإضرابات الشعبية .
ط-مواجهة جماعات التبشير من خلال رجال الدين والقيادات الطبيعيه .
ك- هناك شعبه فى الموساد الإسرائيلى متخصصه فى تشويه صورة أبناء سيناء بكل الأساليب الممكنه (تصريح أحد قادة المخابرات المصرية) .
ل-خضع أبناء سيناء لسنوات عديده فى إمتحان فى الإيمان والوطنية والإنتماء ولم يفرطوا فى ذرة تراب من أراضيهم ودافعوا عنها برغم كل المحاولات لإزهاقهم وإجبارهم على الرحيل والهجرة،
هذه المحطة الأولى من رحلة كفاح مشرف وتاريخ وطنى طويل ممتد عبر التاريخ ضارب في جذورة ، سجلته ذاكرة سيناء ارضا وبشرا ولكن سقطت معالمة من سجلات التاريخ ولم يتم توثيقة حتى يومنا هذا ،،، وللحديث بقية .
خالص تحياتى / سهام عزالدين جبريل