مشاهد المقاومة الوطنية على أرض سيناء – المحطة الثانية
- العريش مدينة الصمود والتحدى (1)
بقلم / سهام عزالدين جبريل
لاشك أن الحديث عن نكسة 5 يونيو67 من أصعب ما يواجه الإنسان خاصة من كانت طفولته شاهدا لأحداثها ومن عاش عمره عاشقا لوطنة مرتبطا بأرضه منتميا لفخر قواتنا المسلحة الباسلة على طول لدية يقين وثقة هذه الأحاديث لأنه متصل مباشرة بيوم 5 يونيو سنة 1967 فهذا التاريخ ترك ندبة عميقة فى الوجدان والضمير المصرى بل العربى وكلما هممت بالحديث عن هذه النكسة أستشعر طعم مر فى حلقي ، ولكننى أجد من واجبى أن اقدم عرضا يمثل أمانة في عنقى كمصرية من أبناء الوطن العزيز الغالى من سيناء هذه البقعة الغالية من أرض الوطن ، راصدة بعينى ومترجمة بقلمى لما حدث فى سيناء الحبيبة ، شهدت خلال مسيرة حياتى فيها أحداث عظيمة على أرضها، أدركت فيها أنا وأبناء جيلى تلك القيمة العظيمة والأهمية الاستراتيجية لسيناء الأرض والتاريخ والانسان والتي تمثل بوابة مصر الشرقية ، وصمام الأمن القومى للمنطقة ،،،
إنه الحديث عن حرب 1967م أو حرب الأيام الستة ، او كما يسميها الإسرائيليون ” شيشات هياميم ” هي الحرب الثالثة فيما يسمى “حروب فلسطين” ، أي سلسلة الحروب بين إسرائيل والدول العربية المجاورة لها. اندلعت الحرب في 5 يونيو 1967 بين إسرائيل من جهة وكل من مصر، الأردن، وسوريا من جهة أخرى بتعاون مع قوات عراقية التي كانت مرابطة في الأردن. كانت ذروة الأزمة في مايو 1967، حيث سبقتها العديد من العوامل التي ساعدت على تصاعد وتيرتها وإنفلات زمامها ،،،
وكانت قد سبقت هذه الأزمة إرتفاع في درجات سخونة غيرعادية في أجواء المنطقة والتي تتباعت بسرعة ، بدأ من تحويل إسرائيل لمياه نهر الاردن وحشد إسرائيل لقواتها على الحدود السورية والتي تبعها إعلان مصر لتدخلها لمساندة سوريا وما تلاها من أحداث ، ويمكن القول إن الأحداث تصاعدت بوتيرة متسارعة في الجانبين حيث تم سحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء في 15مايو 1967م ، حيث تلاها إغلاق مضايق تيران في 22مايو 1967م ،
ففي الأيام الأيام الأولى لشهر يونيو 67م بدأت الإستعدادات العسكرية والمدنية في سيناء للمواجهة ، حيث شهدت أرض سيناء تكثيف في الحشود العسكرية في شبه جزيرة سيناء وتحركات الجيش المصرى شرقا قطاع غزة والذى كان تحت الإدارة المصرية ، حيث صحب ذلك تحركات مدنية من قبل المواطنين ، فكان أهالى سيناء متأهبين وعلى أعلى درجة من الإستعداد والتعاون مع القوات المسلحة التي تحركت إلى الحدود الشرقية لمصر وأقام الشباب معسكرات التدريب على حمل السلاح ، وبرامج الدفاع المدنى والإسعافات والتمريض ، وانعقدت عدة مؤتمرات وملتقيات مع محافظ سيناء حينها اللواء / عبد المنعم القرمانى والتى أعلن فيها الأهالى أنهم جزء أصيل من الامن القومى المصرى وان كل أهل سيناء يمثلون الحائط البشرى المنيع والذى يحمى ويحافظ على كل ذرة تراب من أرض سيناء وأن كل فرد في سيناء يعتبر نفسه جنديا في القوات المسلحة ، وأنهم يمثلون ذلك الحائط البشرى المنيع الذى يحمى ظهر الجيش في تقدمة نحو تحرير فلسطين السليبة !!!
وتكونت فرق شعبية ، لإستقبال وحدات الجيوش القادمة بالقطار في محطة العريش ، والقادمة أيضا من الدول العربية والتي كان أخرها إستقبال فرقة الجيش الكويتى في صباح الخامس من يونية 67م ،
كما شاركت فرق الحماية المدنية التي كونها الأهالى في حفر الخنادق ، وتخزين المياه ، وتأمين مخازن الغذاء ، والمصالح الحكومية والبنوك والأماكن العامة ، وتم توزيع الأدوار على الجميع بكل دقة وعناية ، وكانت فرق الشباب تجوب شوارع المدينة وتقوم بتقديم التوعية لكافة افراد المجتمع وكذلك تنظم دورات الاسعافات الأولية في الأحياء لتدريب السيدات والفتيات ، وكانت الروح المعنوية تتجلى في أعلى درجاتها بين كافة أفراد المواطنين في سيناء ، كما تم عمل كافة الإحتياطات الإحترازية للتأمين وتوفير كافة الإحتياجات التي يتطلبها السكان في حالة الطوارئ ،،، كان اليقين الثابت لدى الجميع أن النصر قادم وأن الهزيمة الموشكة للكيان الإسرائيلي هو المؤكد ،
وشهدت محطة قطار العريش في فجر الخامس من يونية 1967 إستقبال فرقة الجيش الكويتى بمعداتها وأسلحتها ،،،
كما كان الترتيب يومها لفتح مستشفى الهلال الأحمر بالعريش في الساعة التاسعة من صباح نفس اليوم ، والذى لم يتم حتى يومنا هذا ،،،
غير أنه وفي تمام الثامنة من هذا الصباح ، صباح الخامس من يونية 1967 كانت مفاجأة العدوان الإسرائيلي على مصر والدول المجاورة والتي بدأت بشن هجوما على القوات المصرية في سيناء وبدأت عملياتها بقصف جوى للمطارات ، حيث قامت القوة الجوية الاسرائيلية بضرب المطارات المصرية ومنها مطار العريش الذى تلقى ضربة قاسمة أدى الى تحطيم الطائرات المتواجدة على أرض المطار ، وبذلك تم تحطيم الغطاء الجوى للقوات المسلحة المصري المتواجدة على الخطوط الأمامية للجبهة ،،،
وإنطلقت حينها جموع الفرق الشعبية لتولى أدوارها في حراسة الأماكن والمرافق ، كما إتجه أفراد الحماية المدنية إلى قسم العريش لتسلم بعض الأسلحة الخفيفة لتأمين الطرق والمنشأت ، وإرتفعت أصوات الإذاعات المصرية والعربية التي تبشر بتقدم القوات إلى العمق الإسرائيلي ، وحفلت الإذعات المصرية والعربية ، بالبيانات العسكرية والأغانى الوطنية ، والتي تبشر بالنصر والمؤكد بتحطيم العدوالإسرائيلى !!!
ورغم ذلك فقد إستمر القصف العنيف لمطار العريش وإزدادات حدة الضربات الأتيه من المواقع الأمامية حيث إرتاب الأهالى خيفة مما يحدث وبدأ الشك يصارع اليقين ، الذى أصاب الجميع بالتوجس ، ومع إقتراب مساء ذلك اليوم ترددت أنباء عن إقتراب قوات العدو نحو مدينة العريش كما ترددت أنباء عبر بعض الإذاعات الأجنبية ، عن إختراق القوات الإسرائيلية للطريق الأوسط لسيناء متجه إلى قناة السويس وفور سماع هذه الأخبار إنطلق الأهالى بعمل ترتيبات سريعة حيث تم توزيع الأدوار على الجميع فتم تنظيم مجموعات فدائية لمواجهة قوات العدو ومواجهة أي أختراق لمداخل مدينة العريش ، كما تم تنظيم مجموعة لتجميع جنود وضباط القوات المسلحة المتراجعين من الخطوط الأمامية ، وتأمين الآماكن العسكرية ، وكما تم تشكيل مجموعة إنضمت الى الفرقة العسكرية المكلفة بحماية المدينة واستمرت عمليات المواجهة حتى حل الظلام ، حيث كون الأهالى حصن منيع لحماية المدينة
خلال أيام الخامس والسادس والسابع من يونية ، واستمرت المقاومة لمنع سيطرة العدو على مداخل مدينة العريش التي ظل أهلها يقاومون ببسالة ، وفى مساء يوم الأربعاء السابع من يونية وبعد مقاومة عنيفة وتساقط الشهداء من الاهالى إستطاع العدو التمركز في مداخل مدينة العريش ، وتواردت الأنباء عن وصول قوات العدو وإحتلالها للضفة الشرقية لقناة السويس ، ورغم ذلك فلم تهن عزيمة أهالى مدينة العريش الباسلة ، بل إستمروا في المقاومة وإنضموا إلى المقاومة مع مع مجموعة من ضباط الجيش ، الذين أصروا على عدم ترك سيناء وحركوا أماكنها الى المناطق والربوات والتلال العالية حول مدينة العريش بالتنسيق مع مجموعات المقاومة المتواجدين لحماية مدينة العريش ، ووضع الأهالى العراقيل والدشم لإعاقة تقدم قوات العدو وإختراقة للمدينة واشتبكت القوات الشعبية مع قوات العدو المتمركزة بالقرب من جامع المحطة على مشارف مدينة العريش ، والتلال الرملية المحيطة بها ، كما شهد يوم الخميس معارك دامية انتقلت مشارف المدينة واخترقت الدبابات الإسرائيلية المدينة ووجدت مقاومة شديدة فيها فشهدت “معركة ميدان التحرير” بالمدينة مقاومة شديدة ، كما شهدت “منطقة تبت بحرى” بالقرب من الميدان ضربات لإعاقة الدبابات الإسرائيلية المجنزرة ، دارت فيها المعركة القاسمة ،
وفى الحقيقة أن معركة إقتحام مدينة العريش تمثل مأساة شهدها أطفال جيلى فبرغم أنها كانت مأساء درامية وعملية إجرامية مكتملة الأركان من قبل عدو حاول بكل الطرق إسقاط مدينتي الوديعة إلأ أنه لم يستطع أحتلالها إلا بعد أن حل الظلام ويكتمل سواد ليله ، وقد شهد ميدان المالح على مشارف المدينة بطولات كثيرة مثل المعركة التى دارت رحاها بين الشباب وبين قول دبابات إسرائيلى وعدد من المصفحات كانت فى طريقها إلى دخول البلدة للأستيلاء عليها… حيث أستطاع ضابط مصرى أن يزحف بمدفعة من الخطوط الأمامية إلى وسط المدينة ووقف فوق منطقة تسمى( تبة بحرى) وخلفة مجموعة من أهالى العريش كانوا من الرجال والنساء والشباب… أستطاع هذا الضابط الشاب أن يعطل ويضرب قول الدبابات كلة ومن الجهة المقابلة كان شباب المقاومة بمدافع (الأر-بى- جى) يلتحمون مع العدو .
كانت المعركة عنيفة وكان الأسرائيليون يستعملون الميكرفون فى توجية نداءأت إلى الضابط :(سلم نفسك أيها الضابط المصرى تسلم) لكن الضابط رفض التسليم وظل يقاوم ويضرب بعنف.
فى هذا الميدان سقط الكثير من الشهداء لكن الضابط لم يسلم والأهالى لم تسلم ولجأ العدو إلى الخدعة أرسل طائرة هليكوبتر لتضرب الضابط من أعلى ولجأوا إلى نسف البيوت المحيطة لكشفة ووقع الضابط شهيدآ لكن بعد أن أحنت بطولتة رؤوس الأعداء…ويختنق الصوت لم يستطيعوا وقف المقاومة إلا بخدعة وساعدهم على ذلك حلول الظلام .
ولا انسى هنا ذلك المشهد الذى كان يصفه أبناء مدينة العريش ، عن ضراوة الحرب التى دارت رحاها خلال الليل ، حيث إنتشرت المقاومة داخل أحياء المدينة واستمر القصف لمدينة العريش وأحيائها على مدى عدة أيام متتالية ، فقد عاش الأهالى أيام عصيبة من اصعب الأيام التي شهدتها مدينة العريش من حصار كامل وضرب بكافة انواع الذخيرة من مدافع الهاون وصواريخ وقنابل نابالم ادت إلى إستشهاد العديد من الاهالي الذين تهدمت عليهم بيوتهم ، ولكن إستمرت أعمال المقامومة لمدينة العريش التي كانت عصية على قوات الإحتلال ، وبرغم نفاذ الذخيرة المتواجدة بين المتطوعين من أبناء المدينة إلا أن المقاومة الشرسة استمرت وإتخذت أدوات وأساليب متعددة للمواجهة بين السكان والعدو الإسرائيلي ، والتي عبرت عن الرفض التام لتقبل فكرة السيطرة والإحتلال لمدينة العريش الباسلة ودور أبنائها الوطنى ، حيث نستكمل هذه السلسلة من خلال سلسة مقالات من أرشيف المقاومة الوطنية على أرض سيناء ، ومحطاتها حيث نستكمل هذه السلسلة من خلال سلسة مقالات التي تعرض محطات ومشاهد من أرشيف المقاومة الوطنية لأهلنا على أرض سيناء حيث ننطلق لنعرض محطات من رحلة كفاح مشرف وتاريخ وطنى طويل ممتد عبر التاريخ ضارب في جذورة ، سجلته ذاكرة سيناء ارضا وبشرا ولكن سقطت معالمة من سجلات التاريخ ولم يتم توثيقة حتى يومنا هذا ، معذرة المحطات طويلة ولكن كلها ذاخرة بمعالم تضئ لنا الطريق للوصول الى سيناء ، وهذه هي المحطة الثانية ، من أرشيف المقاومة الوطنية على أرض سيناء ،
فمازال للحديث بقية .
تحياتى / سهام عزالدين جبريل