السبسى يٌغضب الجزائر ويحرج حكومته
فجر الرئيس التونسى الباجى قايد السبسى مفاجأة من العيار الثقيل بأعترافه أمس بأنه سمح لطائرات أمريكية دون طيار باستغلال الأجواء التونسية لمهمات خاصة فى ليبيا مبررا ذلك بالتعاون فى مجال مكافحة الإرهاب وحماية حدود بلاده من تسلل المتطرفين، وقصف معسكرات داعش قبل أن يتسللوا لتونس.
تصريحات الرئيس التونسى التى تعتبر أعتراف رسمى ولأول مره فجرت قنبلة داخلية تلقتها القوى السياسية لتهاجم نظام السبسى، وقنبلة خارجية تلقتها الجزائر التى تعتبر الملف الليبى بالنسبة لها أمن قومى وترفض بشكل واضح أى تدخل أمريكى فى هذا الشأن.
والطائرات الأمريكية كما كشف الرئيس التونسى فى لقاء له مع تلفزيون الحوار التونسى أمس، انطلقت من قواعد عسكرية تونسية تخدم مصلحة تونس، مؤكدا أنه هو من منح الولايات المتحدة تصريحا بهذا الخصوص، وأن مهمتها الأساسية هى جمع معلومات استخباراتية عن المسلحين، تحصل تونس على نسخ منها.
وأكد أن تونس تشهد منذ أكثر من عام إعادة هيكلة لقطاعها الأمنى بهدف تحسين إمكانياتها فى مكافحة الإرهاب وتعزيز الرقابة على الحدود مع جارتها ليبيا التى يوجد بها المعقل الرئيسى لتنظيم “داعش” فى شمال إفريقيا، مضيفا أن وجود قوات أجنبية “وتنفيذها فى هذا الجزء من العالم أمر بالغ الحساسية، وغالبا ما يقابل بانتقادات شعبية”.
وكشف عن وجود 70 عسكريا أمريكيا فى تونس يؤدون مهمات تدريبية، مؤكدا أن “من مصلحة تونس التعاون مع الولايات المتحدة فى الحرب ضد الإرهاب”، مجددا نفيه لوجود قاعدة عسكرية أمريكية فى بلاده.
السبسى وضع حكومته فى مأزق سياسى بعد اعترافه بوجود “مارينز” على أراضيه وينفذ مهمات خاصة فى ليبيا فى تعاون لم يكن مكشوف عنه سابقا، بعدما ظلت حكومة يوسف الشاهد تنفى كل التسريبات التى روجت عن بداية الاستغلال الأمريكى لقاعدة عسكرية تونسيه.
حيث طالبت بعض القوى السياسية التونسية البرلمان بضرورة التحرك لإستجواب وزيرى الدفاع والخارجية لإستجلاء حقيقة الأمر، وطالب حزب تيار المحبة فى بيان له أنه كلف عضو مجلس نواب الشعب ورئيسة مكتبه السياسى بتقديم استجوابين عاجلين إلى كل من وزيرى الدفاع الوطنى والشؤون الخارجية للكشف عن بنود الاتفاقية بين تونس وواشنطن.
ودعا حزب الهاشمى الحامدى إلى تحقيق برلمانى عاجل حول المعلومات بشأن سماح تونس للولايات المتحدة الأمريكية باستخدام قاعدة عسكرية تونسية لطائراتها دون طيار لعدة أشهر، معتبرا أن هذه الخطوة تهدد استقلال تونس وسيادتها وعلاقاتها بمحيطها والأمن الإقليمى فى المنطقة.
وقال بشير النفزى النائب عن حزب حراك تونس الإرادة، أن وزارة الدفاع التونسية نفت بداية أن تكون هنالك أية عمليات عسكرية أمريكية تنطلق من التراب التونسى، ثم تغيرت صيغة النفى بالحديث عن غياب قواعد أمريكية فى تونس، وهذا لم يطرحه أحد رغم وجود نقاش حول إنشاء قاعدة بعد مذكرة التفاهم التونسية الأمريكية، متابعا اليوم، يتم الإعلان عن حصول وزارة الدفاع على طائرات دون طيار وطائرات تجسس من الجيش الأمريكي.
وقالت صحيفة المحور التونسية أن تصريحات الرئيس التونسى أكدت بما لايدع مجال للشك أن الطلعات الجوية التى تم تنفيذها قبل أيام فى الأراضى الليبية وسط تكتم رسمى ونفى حكومى متلازمين قد سيّرها أمريكيون، خاصة فى ظل تقاريرا رسمية تونسية كشفت عن عدم قدرة الجيش التونسى على تسيير الطائرات دون طيار، لافتقاده إلى التجربة والكفاءة المطلوبتين.
وأشارت الصحيفة إلى أن الحكومة التونسية مواطنيها وجيرانها الجزائريين، حين أوهمتهم بأن الأنباء التى روجت عن عمليات عسكرية أمريكية انطلاقا من الأراضى التونسية صوب الجارة ليبيا، وهى مجرد إشاعات مغرضة هدفها النيل من علاقاتها الخارجية الوثيقة مع الجزائر .
ومن المرجح أن يؤدى إعلان السبسى عن التعاون العسكرى مع واشنطن إلى أزمة مع الجزائر خاصة بعد أن سبق وقدم وزير الخارجية التونسى خميس الجهيناوى توضيحات إلى نظيره الجزائرى رمطان لعمامرة بشأن ما تردد عن تسيير ضباط من البنتاغون لعمليات عسكرية نحو الأراضى الليبية عبر تونس، ووصف الجهيناوى الأخبار بالكاذبة التى لا يمكنها أن تتجسد على الأرض.
وأعتبرت وسائل الإعلام التونسية أن إعلان السبسى عن العمليات الأمريكية بهذا الشكل يمثل مراوغة سياسية للجزائر التى أظهرت رفضا علنيا وصريحا لإقامة أية قاعدة عسكرية فى الجوار، واشترطت على الجارة الشرقية عدم اللعب بملف الأمن القومى والتعاون المشبوه مع الولايات المتحدة الأمريكية مقابل مساعدات مالية للإقتصاد التونسى المنهار.
وقال السبسى إن الجزائر غير معنية بمنطقة طيران الطائرات الأمريكية دون طيار، “وقد قمنا استباقا بإبلاغ الطرف الجزائرى، وليس لدينا أى لبس فى العلاقات مع الجزائر ونحن نتعاون منذ فترة فى مجال مكافحة الإرهاب” .
وتحدثت تسريبات إعلامية فى وقت سابق عن شروع البنتاغون فى استغلال قاعدة عسكرية فى تونس، لتسيير طائرات دون طيار ومنها من توجهت إلى سرت الليبية فى مهمة عسكرية ضد تنظيم داعش، ورجّح مراقبون أن تكون واشنطن قد استخدمت القاعدة العسكرية فى تونس وفقا للاتفاق العسكرى الموقع فى 2015 بين تونس وواشنطن، الذى يمنح تونس صفة الشريك العسكرى خارج حلف الناتو.
ولعب محسن مرزوق أمين عام حزب نداء تونس السابق والمستشار الرئاسى بقصر قرطاج، دورا محوريا فى هذا الاتفاق، وتعرض لهجوم سياسى وإعلامى من دوائر تونسية غاضبة على صفقة مرزوق المعروف بعدائه للجزائر وصداقته مع الرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزي.