كان العاهل السعودى، الملك خالد بن عبدالعزيز، بطبيعته رجلًا قليل الكلام، لكنه لم يستطع إخفاء أساه من نزول الرئيس محمد أنور السادات إلى مطار «بن جوريون» بـ«تل أبيب» يوم 19 نوفمبر 1977، كاسرًا بذلك حالة الحرب مع إسرائيل، والمقاطعة العربية لها منذ تأسيسها باحتلال فلسطين عام 1948.
عبّر الملك خالد عن أساه وفقًا لمحمد حسنين هيكل فى كتابه «خريف الغضب» بقوله: «يومها كنت ذاهبًا لأغسل الكعبة الشريفة فى وقفة عرفات، ودخلت البيت العتيق، ولم أتعود فى بيت الله أن أدعو على أحد، وإنما تعودت أن أدعو لكثيرين، وبالرغم منى فى ذلك اليوم فقد وجدتنى أبتهل إلى الله بأن تسقط الطائرة التى تقل السادات إلى القدس وتتحطم قبل أن يصل إليها، وحتى لا يفضح المسلمين والعرب بذهابه هناك، ولقد راعنى أن أدعو على مسلم داخل الكعبة، لكن الرجل لم يترك لى خيارًا».
كانت حالة الملك خالد تعبيرًا عن شعور عربى سائد وقتئذ، ويعبر عنه محمود رياض، أمين عام الجامعة العربية وقتئذ، فى الجزء الأول من مذكراته الصادرة عن «دار المستقبل العربى – القاهرة»: «بالنسبة للعواصم العربية ساد الشعور بالمفاجأة والذهول، وعدم تصديق ما يرونه بعيونهم على شاشات التليفزيون، حيث إن ما يشاهدونه كان أمرًا غير متصور على الإطلاق، ومن ثم فقد كان الشعور الطاغى فى النهاية هو الحزن والألم العميقين، والإحساس بأن إسرائيل تحقق فى النهاية ما رفض العالم العربى بكل نظمه وحكوماته وشعوبه إعطاءها طوال ثلاثين سنة، كانت مصر خلالها تقود العالم العربى فى صمود فى وجه الغزوات الصهيونية، وتعلن رسميًا وبكل وسائل الإعلام عن إصرارها على مقاطعة إسرائيل، وتمسكها بالحقوق الفلسطينية والعربية فى مواجهة الأطماع التوسعية».
فى هذه الأجواء العربية ألقى السادات خطابه أمام الكنيست الإسرائيلى يوم 20 نوفمبر 1977، ثم عاد إلى القاهرة، ليلقى خطابه فى مثل هذا اليوم «26 نوفمبر 1977» أمام الاجتماع المشترك لمجلس الشعب واللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى حول الزيارة، وشن هجومًا ضاريًا فى الخطاب ضد الحكام العرب الذين رفضوا الزيارة، سبقته حالة سجلها السفير البريطانى فى القاهرة، ويلى موريس، فى مذكرة أرسلها إلى حكومته. فحسب جريدة «الشرق الأوسط» الصادرة من لندن يوم 22 إبريل 2008 كتب السفير لحكومته: أطلق رئيس مجلس الشعب سيد مرعى رد فعل فى المجلس يوم 19 نوفمبر حينما قال: «إنه وبينما حمل المصريون وطأة الكفاح العربى وقدموا التضحيات عبر ثلاثين سنة، أثرى العرب الآخرون»، وأضاف السفير البريطانى: «لعب الرئيس السادات نفسه بنفس الوتيرة فى حديثه لمجلس الشعب يوم 26 نوفمبر، والذى بدأ يشعر بمجد مصر».
شن السادات فى الخطاب هجومًا ضاريًا ضد الاتحاد السوفيتى، وما أسماهم بـ«الدول التابعة له، والتى تأخذ الأوامر من موسكو»، بسبب «الهيستيريا» التى أصابتهم من زيارته لإسرائيل، والتى حققت نتائج مبهرة، حسب وصفه، وخص فى الهجوم سوريا، ومنظمة التحرير الفلسطينية، والعراق، والجزائر، واليمن الجنوبية، وليبيا، كما خص حزب البعث الحاكم فى سوريا، والعراق بهجوم عنيف، مستدعيًا مواقف تاريخية قائلًا: «هو طول عمره البعث كده»، مشيرًا إلى العداء بين «بعث العراق» و«بعث سوريا»، وأن «هجوم العراق علينا مقصود به سوريا، العراق تقصد سوريا، لكن لازم بتاخدنا لفة»، وقال إنه سوف يتحمل الإخوة الفلسطينيين مرة أخرى، لكنه فرّق بين منظمة التحرير الفلسطينية التى تهاجمه، والفلسطينيين الذين استقبلوه بحفاوة فى القدس أثناء الزيارة، وحملوه أمانات كبيرة.
وقال إنه لم يترتب على زيارته للقدس أى تفريط فى حق قانونى أو تاريخى للأمة العربية، ونفى أن يكون هدفه التوصل إلى اتفاق منفرد مع إسرائيل، وذهب فى تفاؤله بالزيارة إلى القول: «هناك كثير من جماعات الضغط تعمل لحساب إسرائيل، تعمل فى دول أخرى «يقصد الولايات المتحدة» تم تجميدها كلية، بل إن بعضها تحول إلى قوة ضاغطة على إسرائيل نفسها، وسوف يلمس الجميع أبعاد هذا التغيير فى الأسابيع القليلة القادمة»، وأن عددًا كبيرًا من المسؤولين الإسرائيليين اقتنعوا بأن العرب لن يقبلوا أى تسوية ما لم تتضمن تحرير الأراضى العربية المحتلة منذ يونيو 1967، وإقامة دولة فلسطينية.