سيناء بين دعاوى التهجيرــــ وتراجع جهود التعمير
بقلم سهام عزالدين جبريل
للأسف تتعالى بعض الدعاوى بين الحين والأخر حول تهجير اهالى سيناء من مدن محافظة شمال سيناء ويتبنى البعض هذه الدعاوى تحت مسمى محاربة الإرهاب، ويبرر البعض ذلك بأن هذا لتجفيف منابع الإرهاب ، ولفترة زمنية مؤقتة وكما يدعى البعض أنها قد لاتستمر اكثر من ثلاثة أشهر، وذلك بناء على ما طالب به بعضا من اعضاء البرلمان فى بعض جلساته من غير نواب سيناء ،
وغرابة تلك المطالبة بتهجير اهالى سيناء واخلاء مدينة العريش كما تم سابقا فى مدن رفح والشيخ زويد والقرى والتوابع والتجمعات بهم ، وكل ذلك تحت دعاوى ومبررات مغلوطة من غير العالمين بخطورة وتداعيات مثل هذه المطالبات التى تحمل كثير من التداعيات غاية الخطورة والتى لايقدرها ولا يحسب حساباتها الا المعايش لواقع سيناء وجغرافيتها وطبيعة اهلها ،،،
ويستجلب البعض تجربة مصر فى تهجيرمدن القناة بعد نكسة يونيو 1967م ، والتى كانت إضطرارية نتيجة أن هذه المحافظات الثلاث تقع على خط القتال وأمام جبهة المواجهة مع العدو الإسرائيلى الذى كان رابضا على طول الضفة الشرقية للقناة مما احدث حالة شلل تام لهذه المدن وتهديد مباشر لأهلهانتيجة القصف المتواصل خلال سنوات الإستنزاف وحتى عبور اكتوبر73 ،
حيث اصيبت هذه المنطقة حينها بشلل فى ادارتها حتى أن قناة السويس اغلقت تماما نظرا لخطورة الوضع الذى كان قائما ، ولست هنا اسرد قصص ومأسى الهجرة لاهلنا فى مدن القناة ، للمحافظات المجاورة ومعاناة الأهالى وقتها والعبء الذى اضيف على المحافظات التى استقبلت المهجرين وبنيتها التحتية ، وذلك التباين الثقافى والاجتماعى بين طبيعة سكان مدن القناة وسكان باقى المحافظات فى الدلتا والصعيد ، ومانجم عنة من مشاكل اجتماعية خطيرة ، فهناك توابع كثيرة لزلزال الهجرة التى احدثت خلل خطير وارتباك فوق الطاقة داخل محافظات مصر ولولا ان المصريون حينها كانوا على قلب رجل واحد ، وعلى يقظة عالية لإستعاب اهاليهم من المهجرين ،،،
فالجرح كان يئن له الجميع والمصاب جلل وإحتضان أبناء الوطن كان واجب وطنى على الجميع وتقاسم الرزق كان سمة كل ابناء الشعب المصرى، بل أكثر من ذلك فقد تم فتح مدن سكنية بكاملها لإسكان المهجرين مثل : الهايكستب ، ومديرية التحرير وغيرها …الخ
مع الأخذ فى الإعتبار أن أكثر من نصف سكان سيناء لم يهاجروا وظلوا فى بيوتهم محافظين على بيوتهم واراضيهم وتحملوا من أجل الحفاظ على الارض والوطن وعدم تفريغ سيناء وترك اراضيها لقمة سائغة للعدو المحتل لتحويلها الى مستعمرات يصعب تفكيكها كما حدث فى الضفة والجولان ، وكان هذا كله بمباركة المخابرات الحربية التى تمثل خط الاتصال الوثيق بين ابناء سيناء واجهزة الدولة والتى كانت تدعم توجاهتهم وتؤازرهم فى ذلك .
ولو اننا نظرنا اليوم الى تجربة التهجير المريرة وبعد مرور قرابة النصف قرن من احداثها ، اليوم وامكانية تكرارها فى ظل الأ وضاع الحالية الداخلية والمتغيرات الإقليمية والدولية ،ومع الفارق فى الأوضاع والظروف الكائنة حينها والقائمة حاليا ،
نجد أن ذلك خطأ كبيرا فى حق الدولة المصرية بكل أركانها الاساسية المكونة لها فالوطن والمواطنين من سكان سيناء ، هم جزء من الامن القومى وهم احد مكوناته الرئيسية ، وركن أصيل فيه ، ووجودهم على ارضهم ضررورة وطنية وحفاظا عليها وحفظا لها ،
أما تفريغ سيناء وتهجير اهلها معناه أنك تترك مساحات واسعة تفتح شهية العدو المجاور لك ،والمتحفز لإلتهام تلك المساحات التى ستصبح مفرغة من مدن حدود مصر الشرقية ،،،
ولايوجد مبرر لهذه الفكرة او المقترح الذى يطرحة البعض من تهجير أهالى سيناء بدعوى محاربة ظاهرة الإرهاب التى تشهدها المنطقة ،
والصحيح هو حتمية تواجد سكان الاقليم ودعم استقرارهم أمر ضرورى حتى يكونون حائط سد منيع لمواجهة ظاهرة الإرهاب ، وايضا دحرالأطماع الإقليمية ، والذى يحتاج الى عمل متواصل ومستديم حيث أن الجهد الأمنى المبذول يحتاج أجلا طويلا ولا يمكن أن يكون الحل بترحيل المواطنين من أماكنهم.
وفى الحقيقة أن مايتم من مطالبات لبعض من نواب البرلمان تمثل خطأ استراتيجى خطير ، وخاصة أن من يقترحون ذلك فى إعتقادى أنهم لايعرفون شيئا عن قيمة سيناء واهمية موقعها الإستراتيجى وموقعها الحاكم والهام للدولة المصرية من منطلق الاهمية الإستراتيجية لهذه المنطقة ومن منطلق الامن القومى ،
وحيث أن تهجير اهالى سيناء يعنى تفريغ سيناء من البشر والذى يمثل خطورة على أمن مصر القومى والذى يمثل فيه السكان ركن اصيل من مكوناته الأساسية ، فالتجارب التاريخية تؤكد أنه عند أي إعتداء ، فخطورة ترك الأرض وتفريغها من السكان الأصليون خطأ حيث أنهم يمثلون حائط سد منيع وعقبة في وجه الإحتلال او اى أطماع لدول الجوار ، وشوكة تعيق اية ممارسات إستيطانية ،
ولذا فإن حل تلك القضية ، ينطلق من تأمين سيناء من اية إخطار متوقعة ،
يكون بدفع عجلة التنمية على أرضها والسعة الحثيث لتعميرها من خلال جذب سكان اضافة الى سكانها للإستقرار بها ، فهذه هي الإستراتيجية الدفاعية عن تراب الوطن وعمقة الإستراتيجى ،،،
فلنعمق النظر ونطيل الفكر فى تغيير النظرة التقليدية عن سيناء ارضا وبشرا ولنضع حلول اكثر ايجابية وافضل عمليا ونتجه الى إنتهاج فكر التنمية والتعمير …
أرجو أن نسعى لتغير ذلك الفكر السائد عن سيناء ، وعن كيفية تأمينها ، ويجب ان ننتبة الى خطورة هذه الدعاوى الغير مسئولة ونعى خطر تفريغ سيناء وتداعياته على الأمن القومي المصرى . وفى رأى أن تجفيف منابع الإرهاب يحتاج إلى إستراتيجية وخطة واضحة تشمل كافة المؤسسات يشارك فيه المجتمع بأكمله ، يتبع منهجية واقعية تجمع مابين الشق التنموى الموازى للشق الامنى ، بحيث تتضافر كافة الجهود للعبورمن هذه المرحلة الحرجة التى تمر بها المنطقة بأسرها ، وليس الحل بدعاوى التهجير تحت مببررات مقاومة الإرهاب ، لأنة وبالتأكيد هذا مطلب كل وطنى داخل سيناء او خارجها مخلص يسعى لدحره والقضاء عليه .
—————————————— خالص تحياتى / سهام عزالدين جبريل