مقالات
تعظيم سلام للجنود أبطال سيناء
لا أملك كلمات كافية لأعبر بها عن امتنانى وتقديرى واحترامى للجنود والضباط الذين يخوضون حربا صعبة فى سيناء ضد قوى الظلام والتطرف والإرهاب. فى العاشرة والنصف من صباح أمس الخميس، ذهبت إلى مستشفى المعادى للقوات المسلحة، ضمن مجموعة من رؤساء التحرير والإعلاميين لزيارة المصابين من الضباط والجنود، الذين يتلقون العلاج فى هذا المستشفى.
فى أول غرفة دخلتها كان بها جنديان، أولهما تم بتر رجليه الاثنتين والثانى تم بتر ذراعه.. كان معى الشاعر والكاتب الكبير جمال بخيت. لم أتمالك نفسى، وبكيت، ولم أملك إلا أن أقبل رأس كل منهما تقديرا وعرفانا. جمال بخيت قال لهم: «نحن ندين لكم بالكثير، بفضلكم نسير فى الشوارع وننام فى بيوتنا آمنين، نحن نفخر بالسير على التراب الذى تسيرون عليه».
غالبية الإصابات تمت أثناء وجود الجنود فى مركباتهم ومدرعاتهم، عبر زرع عبوات ناسفة فى الطرق، خصوصا فى مثلث «رفح ــ الشيخ زويد ــ العريش».
أعمارهم جميعا بين ١٨ و٢٥ عاما. وضباط برتب ملازم أول وملازم بين ٢٢ و٢٧ عاما.
جمعيهم كانوا مبتسمين. وعندما تقول لأحدهم شكرا.. أنت بطل ونحن ندين لك بالكثير، يرد قائلا: «أستغفر الله هذا واجبى ولم أفعل أكثر منه».
تحدثت مع مصاب برتبة ملازم قال لى إن المشكلة الجوهرية فى سيناء تتمثل فى أن الإرهابيين يستخدمون الأهالى دروعا بشرية، والجنود أهداف ثابتة طوال الوقت للإرهابيين. أنا كجندى أو ضابط أقف فى مكان محدد أو أمر عبر الطرق والأسواق. ويمر إرهابى مرتديا زيا عاديا ويلقى علينا السلام، وبعدها بدقائق تنفجر العبوة أو تقع العملية الانتحارية.
جندى آخر يشبّه الإرهابيين بالفئران لأنهم لا يواجهون ويطعنون فى الظهر، يضيف أنه لولا تمترس الإرهابيين وسط بيوت المواطنين، لانتهت المشكلة منذ سنوات، لكن نحن نحرص كقوات مسلحة على حياة المدنيين وبالتالى نضحى كثيرا من أجل ألا نضرب بصورة عشوائية، فيقع الكثير من المدنيين من أبناء سيناء.
قابلت أيضا الملازم أول محمد نجيب وهو بلدياتى من أسيوط خريج الدفعة رقم ١٠٨، وحكى لى عن الرائد كريم بدر بطل معركة كمين الرفاعى بالشيخ زويد فى صيف ٢٠١٤ والتى كانت داعش تخطط عبرها لإعلان ما تسميه «ولاية سيناء». محمد نجيب يقول إن كريم كان يقول له دائما إن حياتك كلها ساعة، أو مهمة عمل، فاحرص على أن تكون رجلا وبطلا وشجاعا ومسلما بإرادة الله والأهم أن تدرك دائما أنك تدافع عن قضية عادلة.
وبمناسبة القضية العادلة، فالمرء لا يدرك حتى الآن ما هو الهدف والمبدأ الذى يدفع هؤلاء الإرهابيين لهذا المسلسل العبثى من القتل والتدمير. هناك الكثير الذى تحتاج إليه سيناء وأهلها وهناك تقصير حكومى كبير منذ سنوات، لكن هل يتم مواجهة ذلك بالقتل والإرهاب، أم أن الإرهابيين يريدون فرض نموذجهم الخاص، ومن يرفض يتم قتله؟!
جنود الجيش والشرطة قدموا تضحيات عظيمة فعلا، ومعهم مواطنون مدنيون كثيرون. وهناك تضحيات لا تقل أهمية يقدمها غالبية أبناء سيناء الذين يدفعون الثمن أكثر من مرة خصوصا حياتهم التى تحولت إلى جحيم، فى كل المجالات من أول انقطاع الاتصالات ونقص الخدمات الأساسية، إلى الموت بقذيفة مجهولة. حياة أى مواطن غالية سواء كان جنديا أو مواطنا عاديا. والأهم أن تحرص الحكومة طوال الوقت على ألا تفقد مساعدة ودعم الأهالى فى سيناء ولو حدث ذلك سيكون تطورا كارثيا.
إحدى الزميلات خلال الجولة قالت لى: هل يجوز أن نقيم الأفراح، فى الطرق ووسائل الإعلام لفرق كرة القدم لأنها كسبت مباراة ولا نهتم بهؤلاء الأبطال؟!
قلت لها: هذان موضوعان مختلفان ولا ينبغى أن يكونا متناقضين. علينا أن نفرح بإنجازات وفوز فرقنا خصوصا المنتخب القومى، وفى الوقت نفسه نكرم هؤلاء الأبطال سواء كانوا شهداء أو مصابين بكل الطرق الممكنة.
أتمنى أن تبادر كل الهيئات والمؤسسات إلى تنظيم زيارات لهؤلاء الأبطال الذين ندين لهم بالكثير، حتى نعمق قيمة الشجاعة والانتماء والاخلاص والتضحية فى نفوس الشباب.