كرم كردى.. ربما سمعت هذا الاسم من قبل عبر الأخبار المتداولة عن اتحاد كرة القدم المصرى، كونه عضوا فى مجلس إدارة الجبلاية، ليحتل موقعا بارزا فى قمة هرم إدارة اللعبة الشعبية الأولى فى مصر، دون مبرر أو تميز يشفعان له هذا التصدر، اللهم إلا إلصاق نفسه باللعبة، وقدر ضئيل من التاريخ الباهت معها، ولكن الأهم وما يمكن أن يغيب عنك، ويمثل حقيقة كرم كردى ودوره الأكثر حضورا وتأثيرا، دعك من إيجابية هذا التأثير أو سلبيته، هو دور الرجل فى سوق الدواء، وتحكمه الكبير فى هذا القطاع الحيوى، الذى ربما يقترب من الاحتكار والنهج الإمبراطورى فى التجارة بهذا المنتج المهم والمرتبط بحياة ملايين الناس، فماذا عن قصة “كردى”، رجل الجبلاية غير المبرر، وحضوره فى ملعب الدواء.
كرم كردى.. اللعب “من طرف واحد” فى سوق الدواء
رغم اتساع سوق الدواء المصرية، وتعدد اللاعبين الكبار فيها، يظل اسم كرم كردى حاضرا كواحد من كبار المسيطرين عليها، سيطرة تقترب من درجة الاحتكار لأصناف ومستحضرات عديدة، حسبما يؤكد مراقبون وخبراء بقطاع الدواء، فالرجل يمتلك شركة ضخمة لاستيراد الأدوية، ويتردد أنه يستغل موقعه وصلاحياته كعضو بمجلس إدارة الاتحاد العام للغرف التجارية، وممثل للصيدليات فى الاتحاد، فى الدفع باتجاه اتخاذ قرارات وإجراءات وتدابير لحجب بعض العقاقير والأدوية المهمة عن السوق، سعيًا لإحداث أزمة، وتقليص حجم المعروض، بما يقود فى النهاية لتعطيش السوق، ورفع الأسعار أضعاف القيمة الحقيقية، وما يستتبعه من زيادة الأرباح، حتى ولو كان الأمر على حساب المواطن البسيط.
هل لـ”كردى” دورا فى اختفاء الأدوية من السوق؟
بعد ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه خلال الفترة الأخيرة، اختفت أدوية ضرورية من السوق الرسمية المتاحة للقطاع الأوسع من المواطنين، ولكن الاختفاء لم يكن كاملاً، فالأصناف نفسها توفرت بنسبة غير قليلة، ولكن فى أماكن معينة، ومن خلال سلاسل الصيدليات الكبرى، وبأسعار فى متناول شرائح معينة ومحدودة من المواطنين.
الغريب فى أمر الاختفاء والظهور المشبوهين لبعض الأدوية المهمة، أن معلومات عديدة تواترت فى دوائر متصلة بسوق الدواء، أكدت أن الأمر تم بهذه الطريقة بعد اتفاق الشركة المملوكة لرجل الأعمال كرم كردى، مع أصحاب سلاسل الصيدليات الكبرى، خاصة بمحافظة الإسكندرية، التى أصبح القطاع الأوسع من صيدلياتها خاليًا من أهم الأصناف الضرورية لمرضى الحالات المزمنة، بينما توفرت هذه الأصناف فى السلاسل الكبرى بأضعاف أسعارها الأصلية، برعاية كرم كردى وشركته.
حيتان استيراد الدواء.. أرباح بالملايين على حساب المصريين
تأتى أزمة اختفاء الأدوية من الأسواق، ضمن سلسلة من التربح والمتاجرة بحياة الناس، تتورط فيها شركات عديدة وأباطرة وحيتان كثيرون، ويتردد أن كرم كردى واحدا منهم، وبينما يشهد السوق تعطيشا ممنهجا، حيث يتم استيراد الأصناف الناقصة وضخها لأهم الصيدليات بكميات محدودة، لتبيعها بدورها بأسعار أعلى، وفق اتفاق مسبق وحسابات مختلفة لهوامش الربح بين الشركات والصيدليات، لتربح الشركات الكبرى المتورطة فى ممارسات تشوبها شبهة الاحتكار، وبالطبع شركة كرم كردى ليست بعيدة عن تلك الشبهات، ملايين الجنيهات فى ساعات قليلة، تفصل بين دخول الأدوية والإفراج عنها جمركيا، ووصولها إلى حيتان الصيدليات وأصحاب السلاسل الكبرى.
الحديث عن المصالح المشتركة بين كرم كردى وشركته من جانب، وسلاسل الصيدليات الكبرى من جانب آخر، يتسع ويشمل تفاصيل عديدة، تعود إلى سنوات طويلة سابقة، فخلال تولى “كردى” رئاسة مجلس إدارة نادى الأوليمبى، نجح الرجل فى توطيد علاقته بمحافظ الإسكندرية الأسبق عبد السلام المحجوب، وباللواء حسن عبد الرحمن رئيس جهاز أمن الدولة الأسبق، ومن هذه العلاقة تسلل إلى دائرة النفوذ والصفقات الكبرى، مستغلا قربه من المحجوب وعبد الرحمن فى تسويق اسمه وإضفاء قدر من الأمان والوجاهة والثقة على تحركاته وتعاقداته، والتوغل الواسع فى أرجاء الإسكندرية، التى أصبحت مركزًا مهمًّا ورئيسيا من مراكز تحركاته وتجارته ومكاسبه هو وأشقاؤه.
حوت الدواء وعضو مجلس الجبلاية يلعب بـ”الجدول”
كل ما سبق يمكن أن يتعامل البعض معه على أنه ذكاء تجارى، وقدرة على الحركة والمناورة بالحد الذى تقبله السوق وتقره أعراف التجارة، حتى ولو كانت عارية من الإنسانية ومراعاة حقوق المواطنين، بغض النظر عن حقيقة قبول هذه التصرفات، وعن كونها ممارسات احتكارية يطالها قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية حال توفر أدلة قاطعة عليها، وهى متوفرة وتقطع بها شواهد وقرائن عديدة، ولكن الأفدح أن كرم كردى لم يكتف بتعطيش السوق لرفع أسعار الأدوية، وتوفيرها بأثمان باهظة فى أماكن محددة وخارج متناول القطاع الأوسع من محتاجيها الحقيقيين، ولكنه توسع فى نشاطه ليخترق “الجدول”.
ما يتواتر من معلومات داخل منظومة قطاع الدواء، أن الشركة المملوكة لرجل الأعمال كرم كردى تسببت فى دخول بعض الأصناف المدرجة ضمن أدوية الجداول غير المسموح بتداولها إلا بأمر طبيب وفى حدود واضحة ومراقبة، والأكثر صدمة فى الأمر أن كثيرًا من هذه الأصناف لم يدخل بشكل شرعى ورسمى، لتمتلئ الأسواق بأدوية محسوبة على فئة المخدرات، يتم تداولها خارج الإطار القانونى لتداول هذه النوعية من العقاقير، وبأسعار مبالغ فيها وتفوق قيمتها الحقيقية، ناهيك عن حديث البعض عن شبهات تتصل بمنشأ هذه الأدوية وآلية تصنيعها ومخاطرها على الصحة، لنقف فى النهاية أمام صفقات ضخمة من الأدوية المحظورة، مجهولة المصدر والمشكوك فى جودتها، تباع بأضعاف أسعارها، وبدون ضوابط، بشكل يقترب فى جوهره العام، بدءا من دخولها وحتى بيعها وعوائد هذا البيع، من تجارة المواد الممنوعة.
كرم كردى.. رجل الأوليمبى المغمور يحكم فى صحة المصريين
حكاية “كرم كردى” من سطرها الأول وحتى النقطة التى نقف إزاءها الآن، من البداية العادية، والرجل المغمور فى قطاع الرياضة، الذى تراجع بنادى الأوليمبى كثيرًا إلى الخلف، بينما يتصدر واجهة كرة القدم المصرية الآن، عضوا فى مجلس إدارة اتحاد الكرة، وواحدا من كبار الحاكمين لأمور اللعبة الشعبية الأولى، لا تختلف عن رحلته فى عالم البيزنس وتجارة الدواء، البداية أيضا كانت عادية وبسيطة، والراهن ضخم وإمبراطورى ومثير للتساؤلات، وربما للشبهات أيضًا، فما يتردد عن تجارة كرم كردى وحجم تعاملاته ودوره فى سوق الدواء، وكميات الأدوية الضخمة التى يستوردها، وطريقة تداولها وضخها فى السوق، وما تحكمها من توازنات واتفاقات وتربيطات تقود إلى التعطيش والندرة وتضخيم الأسعار، كلها أمور تفتح أقواسا بعد أقواس، وتختم كل سطر يشتمل على اسم الرجل بعلامة استفهام كبيرة للغاية، وعلامات تعجب لا حصر لها، إذ كيف حدث ما حدث؟ ومن سمح لرجل الرياضة المغمور أن يصبح إمبراطورا؟ ومتى يقف القانون بالمرصاد لهذه التساؤلات المفتوحة والشبهات المحيطة بسوق الدواء واللاعبين فيه؟ ومتى نضع نقطة فى نهاية سطر التلاعب والاحتكار والتجارة بأرواح المصريين؟