آراء وتحليلات

قصص وحكايات من أرشيف المقاومة الوطنية على أرض سيناء “”الطيار منصور””

بقلم / سهام عزالدين جبريل
كلما استرجع شريط ذكرياتى عن أحداث نكسة 1967م ، اتوقف كثيرا أمام مشاهد رأيتها بعينى في سنوات عمرى ومرحلة الطفولة وقتها ، ويقز الى ذهنى ذلك الطيار منصور ذو الملامح المصرية الأصيلة والذى أتى بصبحة والدى في ثالث شهر بعد إحتلال سيناء ، وكان متخفى في زى عامل ، كان نحيل الجسم باهت الإبتسامة ، لايتحدث ولايتكلم الا ان يرد السلام فقط ، أتذكر يومها جيدا حين دخل بيتنا واسرع والدى بإستضافته في احد الحجرات الخلفية لبيتنا الكبير الذى كانت معدة خصيصا لإستضافة أبنائنا من ضباط وجنود القوات المسلحة العالقين بسيناء ، ظل هذا الطيار الذى لم نكن نعرف عنه أية معلومات إلا أنه ضيف عزيز يجب علينا إكرامة وتقديم له كل واجبات الضيافة على حسب توجيهات والدى ، ظل الطيار منصور مقيم لدينا مدة شهر تم تصويرة وعمل له الهوية الشخصية اى البطاقة شخصية ، في الماكينة التي كانت متواجدة في بيتنا ، وبالمناسبة كان يتم التصوير وإعداد البطاقة والآختام ، ثم دفنها في الرمال المحملة بالطين حتى تبدو أنها قديمة حتى لاتكون محل شك من قبل دوريات سلطات الإحتلال وتم اعداد له الملابس المطلوبة ، وفى احد الأيام رحل الطيار منصور ونحن جميعا نودعة ، ولم نكن نعرف عنه اى شيء الا بعد رحيلة حيث جلس أبى معنا وحكى لنا قصة هذا الطيار البطل الذى تحمل ، فقد كان قابعا في مطار العريش مع زملائة الطيارين الذين بنتظرون أومر القيادة العسكرية بالهجوم على طائرات العدو ، ولكن حدثت المأساة وهى ضرب كافة قواعد الطير ان والطيارات المصرية وهى على الأرض في فجر الخامس من يونية 67م ، قامت إسرائيل في الساعة 8 و45 دقيقة صباح الاثنين 5 يونيو/حزيران لمدة ثلاث ساعات بغارات جوية على مصر في سيناء والدلتا والقاهرة ووادي النيل في ثلاث موجات الأولى 174 طائرة والثانية 161 والثالثة 157 بإجمالي 492 غارة دمرت فيها 25 مطاراً حربياً وما لا يقل عن 85% من طائرات مصر وهي جاثمة على الأرض. مما أحدث خسارة فادحة في الطيران المصرى وخلل كامل فى مدارج المطارات نتيجة تدميرها ، حيث حدث عجز كامل لسلاح الطيران المصرى منذ ساعات الصباح الأولى من ذلك اليوم ،،،
وتم إستشهاد معظم الطيارين إلا الطيار منصور الذى أصيب وفقد وعية وحين أفاق وجد نفسة في ساحة المطار بجوار الخندق الذى كان معدا للإحتماء به وكانت إصابة منصور في قدمه وزراعة الإيمن وظل ينزف ، ولكن قاوم الألم وزحف حتى اختفى داخل الخندق الذى كان بابه تحت ظل شجرة من أشجار التوت وشجر الخروع ، وبدأ يداوى جراحة بإستعمال أوراق الخروع والرمال حتى وقف نزيف دمائه ولكنه ظل في إعياء شديد استمر عدة أيام وكانت افرع شجرة التوت تتدلى أمام باب الخندة فكان يلتقط بعض ثمارها وأوراقها ليتغذى عليها وظل على هذا الحال لمدة ثلاثة اشهر كاملة حتى تم العثور علية من قبل رجال المقاومة الذين كانوا يمرون ليدفنوا جثث الطيارين الشهداء ، وتم نقلة بسرعة الى بيتنا لإستكمال مرحلة العلاج والإستشفاء وعمل له كل إجراءات كل العلاج والحماية اللأزمة إلى أن تم نقلة عبر قوارب الصيد التي خصصها الأهالى لنقل وتوصيل أبناء القوات المسلحة عبر بحيرة البردويل من خلال البوغاز المتصل بمدينة بور فؤاد شرق القناة وتسليمة الى القوات المصرية الموجودة في بورسعيد ،،، مرت سنوات طويلة على قصة الطيار منصور والتي لم نعرفها عنها شيئا ولفت نظرنا إنشغال والدى بمهمة توصيله والإطمئنان علية وعلى سلامة وصولة الى بورسعيد ،،، ومرت الأيام والسنين حتى تاريخ الخامس والعشرون من مايو 1969م ، وماتلاه من أيام رائعة شهدت فيها مدينتا العريش الباسلة أروع إحتفالات لعودة مدينة إلى أحضان وطنها ، وفى أحد الأيام فوجئا بمن يطرق على باب بيتنا الكبير ، وإذا بضيف عزيز وابن من أبناء الوطن الغالى ، إنه الطيار منصور الذى أتى الى بيتنا يصافح جدى ووالدى ويقبل يدى جدتى ، ويقدم الشكر العميق ويذكرنا بتلك الذكريات التي عاش فيها في بيتنا الكبير وبين اسرتنا ، ويحكى لنا قصة نجاته ودور والدى وزملائة في رعايته ونقلة الى البر الغرب للقناة ،،، وهذه مجرد سرد لقصة من كثير من الحكايا التي عاشتها بيوتونا في مدينتا الصامدة العريش قلعة الصمود والتحدى والتي مازالت أطيافها عالقة بثنايا الوجدان ، إنها قصص تمثل دراما إنسانية عظيمة ، وملحمة حب لكل ابناءالوطن ولرموز الدفاع عنه من أبطال عسكريين ومدنيين ،،، ومازال للحديث بقية
تحياتى / سهام عزالدين جبريل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *