موسم العودة إلى سيناء
بقلم / سهام عزالدين جبريل
منذ أبريل 1982م ، وفى كل عام يأتى شهر أبريل يحمل معه أجمل الذكريات وأروع المواسم الوطنية المصاحبة لموسم إطلالة الربيع وإشراقة إكتمال تحرير الأرض المصرية الغالية وعودتها بعد سنوات مريرة من الإحتلال البغيض ، وكفاح وطنى عظيم تلاحم فيه كل ابناء الوطن مع قواته المسلحة الأبية درع مصر الأمين ومصدر عزتنا وفخارنا ، إنه موسم العودة إلى سيناء وموسم عودة سيناء إلى إحضان ألوطن ،،،
وكما تعودنا فى كل عام أن نقيم الإحتفالات ونفتتح المشروعات ونسجل الانجازات ، واليوم وبعد مرور هذه السنوات ، تمر سيناء بظروف قاسية اختلطت فيها المعايير واصبحت قضية سيناء قضية حرب على الإرهاب وتجفيف منابعة وإنشغلت الدولة بهذه المهمة الصعبة ،
فلم تعد مواسم العودة إلى سيناء كسابق عهدها مبهجة ، محملة بزخم من مساحات كبيرة من الإفتتاح والإحتفال بالإنجازات ، ولم تعد توجهات التنمية والبناء هى القائمة بل غابت كثير من الإنجازات وتراجعت رغما عنها وتوقفت كثير من جهود التنمية التى اجتهدت الدولة فى تنفيذها ، نتيجة تلك الأحداث الدامية المتواترة على هذه الأرض الطيبة المباركة ،والتى،،،
وأضحت سيناء المنتصرة المحررة ،،، أسيرة أفة الإرهاب الدخيل !!! وأصبح أهلها الأبطال الصامدون متهمون ، مشكك فى وطنيتهم ، ومصريتهم ، برغم كل ما يتحملونه من تبعيات مايحدث على أرضهم الطيبة من عمليات إرهابية دخيلة على مجتمعهم وعلى ثقافتهم وشيمهم الوطنية ، مرفوضة من كافة أطيافهم ، والذين هم على يقين وإيمان راسخ بأن سيناء ستعبر وتخرج من أزمتها عافية متعافية بعون الله عز وجل ، وتعود اليها اشراقات التنمية على ترابها الغالى ،
وكما علمنا التاريخ ، أنه وعلى مر التاريخ كانت مصر دوما تمتحن من خلال أبنائها فى سيناء وعلى أرض سيناء المباركة ودوما كاتن وسيظل أبنائها يسجلون أعلى مؤشرات البطولة والوطنية والفداء على أرض سيناء المباركة ، وتخرج مصر بسيناء منتصرة دوما قوية شامخة ،
وقد أدت تبعيات مواجهة ظاهرة الإرهاب فى سيناء ، إلى حيث إنشغلت الدولة عن تحقيق التنمية فى سيناء، بمواجهة تلك الظاهرة التى ترعرعت وتضاعفت فيها خلال السنوات الأخيرة والتى اصبحت من أولويات المهام التى تقوم بها الدولة ، للحفاظ على ركن هام من أركان الوطن الغالى ، كما أصبح وعلى التوازى من الهام جدا على الجيش المصرى العظيم بكافة امكاناته وخبراته القوية أن يضطلع بدورمهم وحاسم فى تنمية سيناء ،،،
كما أنه وبالنظر إلى أن أى عملية تنموية فى شبه الجزيرة المصرية لابد أن تراع الإعتبارات العسكرية المرتبطة بكونها منطقة عمليات محتملة ، وبالتالى فلابد أن يتم بناء صروح التنمية فيها بسواعد وعقول وأموال وطنية مصرية فقط ،
وهنا يبرز أهمية ذلك التوجه ، فإن التنمية الإقتصادية والإعمار البشرى لسيناء كآلية رئيسية للدفاع عن شبه الجزيرة المصرية، بإعتبارها بوابة الامن القومى المصرى ، يصبحان مطلبا وفريضة وطنية، فضلا عن كونه ضرورة تنموية وحقا من حقوق أبناء سيناء إزاء دولتهم ووطنهم لتوظيف الموارد الكبيرة لسيناء من المعادن ومنتجات المحاجر والأراضى القابلة للزراعة ومصائد الأسماك الطبيعية وفرص تطوير المزارع السمكية البحرية ومزارع المياه العذبة أيضا ، وفرص التصنيع فى مختلف المجالات وبالذات لمنتجات المحاجر والثروات المعدنية والصناعات الزراعية والبحرية والبيئيىة والتراثية والمزارات الدينية والمنتجعات الصحية والسياحية ، أن توظيف هذه الإمكانيات الزاخرة لخدمة وتنمية مجتمع سيناء وتعميرها بكتلة بشرية وحائط صد منيع يقاوم كافة المخططات والأطماع ،،،
ولا ينبغى النظر إلى التنمية فى سيناء بمنطق معالجة أزمة تفاقم الإرهاب فقط ، بل بمنطق بناء الدولة وتكاملها الوطنى الذى يعنى حقوق مواطنيها فى كل موضع منها فى المشاركة فى التنمية ، وحق الأمة فى إعادة توزيع السكان على خريطتها وتخفيف الضغط السكانى على محافظات الوادى والدلتا ، والإتجاة إلى توسيع نطاق التنمية لمناطق جديدة يمكن أن تستدعى كتلا سكانية من تلك المناطق المكتظة إلى مناطق خفيفة السكان توجد بها فرص تنموية كبيرة ، ومثل هذا المنطق فى تنمية سيناء وكل ربوع مصر، سوف يجعل من سيناء خطاً دفاعياً قوياً وجباراً فى مواجهة الكيان الصهيوني وضد اية أطماع اقليمية او مشروعات تخطيطية تستهدف إضعاف بوابة مصر الشرقية ومن ثم التخطيط والعمل على فصلها ،،،
والحقيقة أن نمط الإستثمارات التى تمت إقامتها فى سيناء منذ إستعادتها هى إستثمارات محدودة ، فهى عبارة عن إستثمارات فى مجالات مؤقتة وهشة ، يمكن أن يتم تدميرها فى أى صراع بسهولة موقعا خسائر إقتصادية جسيمة بمصر كما هو حادث فى مجال السياحة ، بقدر ما يتعلق الأمر بسوء وعشوائية نمط الإستثمار الذى تم فى سيناء ، وقد إعتمد ذلك الإستثمار بصورة أساسية على إقامة المنتجعات السياحية، وهى هدف سهل لأى هجوم يمكنه تدمير مشروعات ضخمة بما يُهدر جبال الأموال التى أنفقت عليها ، بل إن مجرد وجود أى توتر عسكرى أو أمنى فى سيناء سوف يقضى على السياحة فيها بإعتبار أن السياحة من أكثر الأنشطة الاقتصادية الحساسة للأمن والاستقرار والتى يمكن أن تتأثر بصورة سلبية فى حالة حدوث أى توتر أو صراع حتى ولو ضئيل ،
ويمكن القول إن خط الدفاع الحقيقى عن سيناء يتمثل فى البشر، بما يعنى أن وجود كتلة سكانية كبيرة فى شبه الجزيرة المصرية الكبيرة، والتى تمثل ثلاثة أضعاف الكيان الصهيونى ، الطامع فيها دوما ، والمتصيد لفرص الإقتناص لمساحات من الأراضى المجاورة له،،،
وبناء على هذا فينبغى أن يكون هدفا إستراتيجيا لأى حكومة وطنية لتعزيز قدرة سيناء على الدفاع عن نفسها، ومن المؤكد أن الكتلة السكانية التى تشكل نقطة فارقة فى أى صراع محتمل !!!
وترتيبا على هذا الواقع ، فإن إيجاد كتلة سكانية كبيرة فى سيناء سيتم بصورة أساسية من خلال نقل جزء من السكان من مناطق أخرى إلى سيناء وهذا الإنتقال لن يحدث لمجرد أننا نريد ذلك ، بل إنه يرتبط بوجود بنية أساسية تربط مختلف مناطق سيناء والتعامل معها كإقليم إقتصادى متكامل بشمالها وجنوبها شرقها وغربها ،واطلاق حوافز جاذبة للإستثمار على أرضها وعناصر داعمة للإستقرار وبالذات تلك المراد تنميتها بصورة تخدم أيضا إستراتيجية الدفاع عنها فالمؤامة بين الأمن والتنمية فى سيناء مطلب هام وضرورة وطنية لها إعتباراتها فى حسابات إستراتيجية الأمن القومى المصرى ،
كما أن ربط سيناء بوجود مشروعات إقتصادية كثيفة العمالة تستوعب السكان وتجذب العمالة من كافة المحافظات ، توفر لهم مصدرا للرزق ، يعطى فرص عمل لقطاعات كبيرة من شباب مصر يترجم دورهم الهام فى المشاركة في التنمية والحفاظ عليها دون أن تكون رهينة كبيرة يسهل تدميرها ويجعلها موضوعا لخسائر إقتصادية فادحة لمصر، على أن تكون تلك المشروعات قابلة للإستدامة تحت أى ظروف ، وتتمتع بمظلة الحماية القانونية الدولية التى تعطى للمشروعات المدنية فى أثناء الحروب ، وإتساقاً مع هذه الطبيعة للمشروعات الإقتصادية التى من المفترض إقامتها فى سيناء لإستيعاب كتلة سكانية ضخمة وشابة، فإن تلك المشروعات المدنية ينبغى أن تتركز بصورة أساسية فى الزراعة والصيد والمشروعات الصغيرة فى مجال تربية الماشية والدواجن والأرانب والمزارع السمكية والتصنيع الزراعى والحيوانى والسمكى والصناعات اليدوية والتراثية والورش الحرفية المختلفة ،،،
والتى ينبغى أن تكون وحدات متناثرة ومتفرقة وفى نفس الوقت متكاملة ومتداخلة كليا مع الكتلة السكانية بما يضع قيودا على استهدافها، حتى تصبح هذه البعثرة مصدرا لنوع من المنعة المرتبطة بحرمة المناطق السكنية، وأيضا بإرتفاع تكلفة الإعتداء عليها، مقارنة بقيمة تلك المشروعات الصغيرة المبعثرة وسط الكتلة السكانية التى يمكن أن تساهم فى تشغيل قطاعات كبيرة من المرأة والشباب ، ورغم تلك الإمكانات الهائلة والموارد الغنية بها سيناء وهذه الطاقة البشرية التى يمكن إدارتها من خلال الطاقات البشرية ،،،
ومما لاشك فيه أن الظروف والأحداث التى تمر بها المنطقة وتنامى ظاهرة الإرهاب قد أثرت سلبا على سيناء وتراجعت فيها مشروعات التنمية مما إنعكس على وضع المجتمع السيناوى بشكل عام وعلى كافة أفرادة ،مما يستوجب إعادة التخطيط للبناء وإعادة الإعمار ،وإدراج الخطط الطموحة للتنمية وتدارك خطورة توقفها أو تراجعها ،،،
ولتكن هذه المرحلة بمثابة وقفة قوية لإعادة زراعة الأمل من جديد ومد جسور التواصل وإرساء اسس التنمية من جديد على أرض سيناء وبرؤية أكثر إتساقا وتخطيطا وإصرارا وتنفيذا ، ولنثتمر مناسباتنا الوطنية العظيمة ولتكن أعياد تحرير سيناء ، هى ذلك الجسر للعبورمن ازمة التشكيك في الهوية والوطنية ، وتراجع جهود التنمية ، إلى عزيمة بناء الوطن ورءب الصدع الذى أصاب بعضا من سياجه ، فلما لاننظر إلى مساحة أرض الكنانة الممتدة عبرحافة شرق المتوسط ومدخلها الأسيوى الأكثر خطورة ، ونركزعلى سياجها وزراعها الذى يحمى قلب الوطن ، وتحيطة بروافد من الصروح التي تحتضن قلبها النابض ، وتمثل المصدات القوية له ،المدافعة عنه والحافظة له ، فلنتجه شرقا ونعبرقناة السويس من جديد لنحتضن ونؤازرونضمد ذلك الزراع الذى كان وسيظل دوما حائط الصد المنيع ولتكن البداية من أرض الفيروز،على الأرض المباركة فى سيناء ، حيث الحلقة المفعمة بالوطنية وهى الجزءالأصيل والركن البعيد من الوطن الذى ظلمته الجغرافيا وسجل علي ارضه التاريخ احداث عظام واليوم هوالأكثر ألما والأشد ضعفا والأثخن جراحا والأحوج إهتماما ، فليكن موسم العودة إلى سيناء موسم لضخ الأمل فى شرايين الأرض المصرية العطشى للتنمية والتى هى أكثر إحتياجا ، للصيانة والحماية ، بفكر التنمية والإحتواء ، فما أحوج سيناء النازفة اليوم إلى قبلة الحياة لإعطائها دفعة جديدة تعينها على تحمل الضربات القاسية دفاعا عن تراب الوطن العزيزالغالى ،،،
————————————————
خالص تحياتى / سهام عزالدين جبريل