د.مجدى بدران يكتب: المناعة ومقاومة الميكروبات للأدوية
مشكلة مقاومة الميكروبات للأدوية المضادة لها مشكلة عالمية، وتشمل مقاومة البكتيريا والفيروسات والطفيليات والفطريات للأدوية المضادة لها . فى سنة 2000 حذرت منظمة الصحة العالمية من ازدياد السلالات البكتيرية ذات المناعة ضد المضادات الحيوية. نشأ ذلك من الاستخدام العشوائى للمضادات الحيوية بواسطة المرضى والصيادلة والأطباء، حتى أصبح 60% من العدوى داخل المستشفيات نتيجة لهذه البكتيريا الخارقة التى ربما تقاوم ثلاثين نوعاً مختلفاً من أقوى المضادات الحيوية.
بدأ العالم فى معرفه المضادات الحيوية منذ سنة 1928، فى أوائل الخمسينات فى علاج الالتهابات الناشئة عن البكتيريا الضارة، وأدى ذلك إلى ثورة فى الطب، وأصبحت الأمراض الفتاكة قابلة للعلاج والشفاء لأول مرة فى تاريخ البشرية . لكن وجد بعد ذلك أن المضادات الحيوية تقتل بلا رحمة، وبلا تمييز فهى تقتل البكتيريا الضارة ولكن فى الوقت نفسه تقتل الملايين من البكتيريا النافعة للإنسان التى خلقها الله لحمايتنا من البكتيريا الضارة، وبالتالى يصبح الإنسان بعد تناول المضادات الحيوية محروماً من البكتيريا النافعة التى ترفع المناعة وتقلل من الحساسية .
أظهر مسح جديد فى 12 بلدا( بربادوس، الصين، مصر، الهند، أندونيسيا، المكسيك، نيجيريا، روسيا، صربيا، جنوب أفريقيا، السودان وفيتنام ) عن الاستخدام العشوائى للمضادات الحيوية على 10 آلاف شخص إلى أنهم لا يعلمون على وجه التحديد كيف تؤثر عليهم هذه القضية، وما يمكنهم القيام به للتصدى لهذه المشكلة. ويعتقد 64% ممن شملهم المسح أن المضادات الحيوية قد تستخدم فى علاج نزلات البرد والأنفلونزا، على الرغم من أنها لا تؤثر على الفيروسات، ويعتقد 32% أنه يتعين عليهم التوقف عن تناول المضادات الحيوية، عندما يشعرون بتحسن بدلا من استكمال العلاج .
ظهرت البكتيريا الفائقة التى تسمى حاليا بالبكتيريا السوبر بسبب الإكثار والعشوائية فى وصف المضادات الحيوية للناس والحيوانات، مما سبب نشأة مناعة تدريجية لدى البكتيريا ضد العلاج، وأصبحت قادرة على التغلب على تأثيرات المضادات الحيوية المتوفرة .
تحدث مقاومة مضادات الميكروبات عندما تطرأ على الكائنات المجهرية طفرات جينية تؤدى إلى إيقاف عمل الأدوية المضادة للميكروبات، وبمرور الأيام نشأت مجموعة من الجراثيم الخارقة المستأسدة التى تقاوم معظم المضادات. مما يعنى أن المجال يصبح مفتوحا على مصراعيه للعدوى التى تهدد بحدوث أوبئة عضال قد تودى بحياة المصابين بالجراثيم الخارقة، وزيادة فى تكاليف العلاج .
أدت المضادات الحيوية إلى نشأة سلالات جديدة عديدة أصبحت تعيش داخل الإنسان الذى جعلت منه حاملاً لها . وجد أن الإنسان الذى يعيش مع أفراد آخرين يتناولون المضادات الحيوية باستمرار، يجعل منهم أيضاً حاملين لهذا النوع من البكتيريا العاصية، وهذا موجود فى أطقم التمريض فى المستشفيات الكبرى فى العالم كله . ولقد وجد أن المزارعين الذين يستخدمون المضادات الحيوية فى تربية الحيوانات هم أيضاً حاملين للعديد من البكتيريا العاصية.
فى عام 2016 تزايد خطر مقاومة مضادات الميكروبات مما يعنى إطالة فترات الأمراض المعدية، وزيادة معدلات الإعاقات والوفيات نتيجة العدوى، وزياد مضاعفات العمليات الجراحية وعمليات زرع الأعضاء .
هناك علاقة بين قلة البكتيريا النافعة فى أمعاء الأطفال وظاهرة الأوتيزم الآخدة فى الانتشار، فتناقص البكتيريا النافعة يسمح للفطريات بالتكاثر والازدهار، ووصولها هى وسمومها للمخ، مما يجعل هؤلاء الأطفال يعانون من مشاكل فى اللغة والتخاطب، ولا يميلون لمشاركة الأطفال الآخرين فى اللعب، وينفعلون ويغضبون عند محاولة التدخل فى خصوصياتهم، وكأنهم يعيشون مع أنفسهم فقط، لا يهتمون بمن ينظر إليهم كأنهم لا يرونه، ولا يستجيبون لمن يتحدث معهم وكأنهم لا يسمعونه، مع مشاكل عصبية تنموية تبدأ فى مرحلة الطفولة المبكرة، تتميز بانخفاض التواصل الاجتماعى والتفاعل الاجتماعي، والتواصل اللفظى وغير اللفظي، مع أنماط سلوكية مقيدة ومتكررة .
بلغ عدد الحالات الجديدة للدرن المقاوم للأدوية حوالى 480 ألف حالة فى عام 2014 على الصعيد العالمي، واليوم وصلت نسبة مقاومة فيروسات الإيدز 20 % للعلاج، وارتفاع نسب مقاومة مضادات الميكروبات مشكلة خطيرة لها آثار اقتصادية، لأن العلاج بأدوية الخط الثانى وأدوية الخط الثالث أكثر تكلفة من العلاج بأدوية الخط الأول بثلاثة أضعاف و18 ضعفا على التوالى .
عالميا تستخدم المضادات الحيوية بغزارة فى مزارع الأسماك والحيوانات، وهناك حوالى ستة مجموعات تستخدم بغزارة لمحاربة العدوى البكتيريا الضارة.مع أن المضادات الحيوية تستخدم بجرعات خفيفة لكنها جعلت الأسماك أكثر وزنا. هناك ثمة مؤشرات قوية على أن التناول أو الملامسة للحوم أو الدواجن، التى تمت تربيتها بطريقة تغذيتها بالمضادات الحيوية، يحمل مخاطر صحية على الإنسان، ومن أهم المخاطر الإصابة بأنواع البكتيريا المقاومة لمفعول وتأثير المضادات الحيوية العلاجية المعتادة .
ينبغى ألا تستعمل المضادات الحيوية لعلاج الالتهابات التى تسببها البكتيريا إلا فى حالة وصفها من جانب طبيب ماهر، وينبغى أن تستكمل دورة العلاج بها كاملة، وألا يحتفظ بها لأغراض استعمالها مستقبلا بواسطة المرضى بدون مشورة طبية .
من الأهمية زيادة الوعى بمقاومة المضادات الحيوية، والتشجيع على اتباع أفضل الممارسات فيما بين صفوف عامة الجمهور والعاملين بالقطاع الصحى كافة وراسمى السياسات، تجنبا لظهور المزيد من حالات مقاومة المضادات الحيوية وانتشارها.