المدير العام للإيسيسكو يتحدث في ندوة (حوار باريس 5) دور مراكز الدراسات في مواجهة التحديات الثقافية
كتبت: هناء السيد
شارك الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة – إيسيسكو-، في الندوة التي نظمها اليوم في باريس، مركز الدراسات العربي-الأوروبي، بمناسبة الذكرى الفضية لتأسيسه.
وقدم المدير العام للإيسيسكو في جلسة العمل التي خصصت لموضوع (التحديات الثقافية والإعلامية التي تهدد العالم العربي ودور مراكز الدراسات لمواجهتها)، والتي عقدت في إطار ندوة (حوار باريس 5)، مداخلة حول هذا الموضوع، أوضح في مستهلها أن مراكز البحوث والدراسات هي مصانع للفكر الذي يوجّه السياسات ويحدّد الخيارات التي تمكّن من معالجة المشاكل ومواجهة التحوّلات التي تعيشها الدول والشعوب في كل عصر.
وقال إن صناعة الفكر هي الصناعة الثقيلة بالمعيار الدقيق، لأنها تُـعنى بالبحث في القضايا التي لها ارتباط بالسياسات العامة التي تنهجها الدول في المجالات كافة، وتهتم بإيجاد الحلول للمشاكل الناتجة عن حركة النمو التي تعرفها المجتمعات الإنسانية، سواء أكانت في تقدمها وتطورها، أم في تَـبَاطُـئِـها وتعثرها. ففي هذه المراكز تتولّد الأفكار البناءة، وتقترح الوسائل المجدية لمواجهة التحدّيات من كل نوع، لاسيما التحدّيات الثقافية والإعلامية، التي هي نتاج للتحدّيات السياسية والاقتصادية.
وأضاف : « إذا كان العالم العربي يواجه اليوم أزماتٍ كثيرةً، فإن التحدّيات الناتجة عن هذه الأزمات، بالغة الضراوة شديدة الوطأة على المجتمعات العربية جميعاً دون استثناء، ومنها التحدّيات الثقافية والإعلامية التي تؤثـر على الحياة السياسية، والنشاط الاقتصادي، وخطط التنمية الشاملة المستدامة».
وذكر أن التحدّيات الثقافية والإعلامية ليست إلا امتداداً طبيعياً للتحدّيات السياسية والاقتصادية، وإفرازاً للأزمات المتعاقبة. وقال إن ما من تحدٍّ ثقافيّ أو إعلاميّ، إلا وهو ناتج بالضرورة عن المتغيّرات في المجتمع، أو في المحيط الإقليمي، أو في المجال الدولي الواسع، موضحاً أن التعامل مع التحدّيات، سواء بالردّ والمواجهة، أو بالرصد والمتابعة، هو من صميم المهام التي تقوم بها مراكز الدراسات المتخصصة في القضايا السياسية والاستراتيجية والحقوقية والثقافية والفكرية والإعلامية.
وبيَّـن أنه لا يمكن الفصل في هذا المقام، بين القضايا السياسية وبين القضايا الثقافية، سواء في أبعادها الفكرية أو في آفاقها الإعلامية، وذلك للعلاقة القائمة بين هذه الشبكة المتداخلة من القضايا التي تتـولَّـد عنها تحدّيات ذاتُ طبيعةٍ متشابهةٍ حتى ولو اختلفت عناوينُها، بحكم أن التحدّي مهما يكن شكله، فهو مزيجٌ من العوامل المترابطة، ونتيجةٌ لتفاعلات سياسية وأمنية تشكل في مجموعها، الدافعَ القويَّ لبروز هذا التحدّي وتفاقمه وامتداد تأثيراته وانعكاساته.
وأكد أن التحدّيات الثقافية والإعلامية في بُعدها الأمني تؤثر على الأمنَ الفكريَّ والثقافيَّ الذي هو القاعدة الأساس للأمن القومي بصورة إجمالية، موضحاً أنه إذا كان الأمن الفكري والثقافي مهدداً على نحوٍ ما، فإن الأمن السياسي والاجتماعي، يكون أكثر تعرضاً للمخاطر في هذه الحالة.
وأشار إلى أن لمراكز الدراسات دوراً ذا أهمية بالغة في مواجهة هذه التحدّيات جميعاً، بحكم تخصصها في البحث والدراسة والاستشراف والرصد والتقييم والمتابعة، ولأن عملها يقوم على البحوث والدراسات التي ينتجها المفكرون والأكاديميون والحقوقيون والمثقفون والخبراء السياسيون والاستراتيجيون، ولكونها مصادر للفكر الذي يقتحم المجالات جميعاً ويخوض فيها، ويعمل على تفكيكها وتحليلها، للوصول إلى مصادر الخلل ومكامن العلل ومواطن الخطر لمعالجتها ولتقويمها ولإعادة تركيبها حتى تكون في خدمة الأهداف الإنسانية النبيلة.
ولفت إلى أن الإرهاب، على تعدّد أشكاله وتنوّع مصادره، يشكل خطراً داهماً محدقاً بالجميع، وهو من وجهة النظر التحليلية المتعمقة في فهم هذه الظاهرة الخطيرة، يمثل شكلاً من التحدّيات الثقافية والإعلامية، على اعتبار أن الإرهاب يقوم على فكر متطرف، وعقيدة منحرفة، وفهم معوج للنصوص الدينية، وسلوك عنيف شاذ، موضحاً أن الإرهاب بهذا الاعتبار، ثقافةٌ فاسدةٌ مدمّرة للإنسان وللعمران معاً، وهو بذلك يُـعـدّ تحدياً ثقافياً وتحديـاً أمنياً بكل دلالات الكلمة.
وأعلن أن دراسة الفكر الإرهابي الذي تتبنّاه جماعات تكفيرية على أساس من التعمّق في الفهم، والتمكّن من الإحاطة بالجوانب المتعلقة بهذه الظاهرة الخطيرة الشاذة، كل ذلك مقدمات لمحاصرة الإرهاب ولمحاربته ولاجتثاث جذوره من العقول الضالة ومن النفوس المريضة، ومن هنا تتبدَّى الأهمية البالغة للدور الحيوي الذي تقوم به مراكز الدراسات في هذا المجال.
وخلص إلى القول إن مواجهة التحدّيات الثقافية والإعلامية تكون من خلال المهام الفكرية التي تنهض بها مراكز الدراسات، سواء أكان ذلك في داخل العالم العربي أم في خارجه، هي في حقيقة الأمر، مواجهةٌ شاملةٌ لخطر الإرهاب بكل أنواعه، الذي صار اليوم يهدد العالم كلَّه من أقصاه إلى أقصاه، ويتعين لمواجهة هذه الثقافة الفاسدة المدمّرة، استخدام الأسلحة كلها، بما فيها السلاح الثقافي والإعلامي، وهو، كما لا يخفى، سلاح ذو حدين، يقتل ويُـحيي، يدمر ويبني، يفسد ويصلح.
وكان الدكتور عبد العزيز التويجري قد ألقى قبل ذلك، كلمة في افتتاح ندوة مركز الدراسات العربي-الأوروبي، أبرز فيها أن تأسيس هذا المركز جاء في مرحلة تزايدت فيها الاهتمامات بتعزيز الحوار العربي-الأوروبي، وبإنماء العلاقات بين العالم العربي والاتحاد الأوروبي، لما فيه خدمة المصالح التي تجمع بين الطرفين في المجالات كافة، وتحقيق الأهداف الاستراتيجية المشتركة، وللإسهام في بناء القواعد المتينة للسلام العالمي.
وذكر أن تأسيس هذا المركز كان استجابةً لضرورةٍ اقتضتها طبيعةُ المرحلة التاريخية من جهة، والمستوى الرفيعُ الذي وصلت إليه العلاقات العربية-الأوروبية، من جهة ثانية، في ظل المتغيّرات المتلاحقة التي تعرفها الساحة الدولية في المرحلة الحالية، ليكون جسراً للقاء وللحوار ولتبادل الخبرات وللتعاون في إرساء الأسس لعلاقات أمتنَ نسجاً وأقوى رسوخاً بين الدول العربية والدول الأوروبية.
وقال المدير العام للإيسيسكو إن دور مراكز الدراسات في صناعة القرار من وجهة النظر العربية الإسلامية، ومن منظور الخصوصيات الروحية والثقافية والحضارية للعالم العربي الإسلامي، يرتقي إلى مستوى الصناعة الثقيلة التي ينهض بها أولو العزم من ذوي الضمائر الحية، والعقول النيرة، والانتماء القوي إلى الهوية الحضارية للأمة العربية الإسلامية، مشيراً إلى أن دراسة التحدّيات الماثلة اليوم في جميع المجالات ذات العلاقة بالحياة العامة في المجتمعات العربية، سواء أكانت سياسية واقتصادية، أم أمنية وعسكرية، أم اجتماعية وبيئية، أم فكرية وثقافية، ووضع الرؤى والتوصيات التي يمكن توظيفُها لمواجهة هذه التحدّيات، كل ذلك سيُعين صانعي القرار على اختيار المنهج الأكثر ملاءمةً والأقوى تأثيراً في رسم السياسات واتخاذ القرارات بشأن كل ما يتعلق بمصالح دولهم، على جميع الأصعدة.
—