دخلت مصر عهدا جديدا فى سياساتها الخارجية تجاه قضايا الشرق الأوسط فى عام 2017، حيث سعت إلى استعادة مكانتها الإقليمية المتميزة التى حظيت بها منذ قديم الأزل، وقادت القاهرة، الوطن العربى نحو لم الشمل والعمل على تحقيق الوفاق والاستقرار فى الدول الشقيقة المجاورة بما يخدم شعوب هذه البلدان، لاسيما فى فلسطين وسوريا وليبيا، منتهجة سياسة حكمية فى معالجة القضايا الشائكة التى زلزلت الشرق الأوسط فى السنوات الأخيرة، وتسببت فى تشريد مئات الآلاف فى تلك الدول التى تشهد صراعات دموية بسبب المؤامرات الصهيوأمريكية التى تستهدف تفتيت العالم العربى، إلا أن مصر بقيادتها السياسية الرشيدة نجحت فى تحقيق لم الشمل داخل بعض الدول العربية، ولا تزال تكثف جهودها الدبلوماسية لإنقاذ الشعوب العربية من هلاك الحروب والصراعات الداخلية.
نجاح المصالحة الفلسطينية برعاية مصرية
وفيما يبدو أن مصر عادت بقوة إلى مكانتها الإقليمية ودورها الفعال فى حل قضايا الشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال، نجحت الدبلوماسية المصرية خلال العام 2017 فى تحقيق المصالحة الفلسطينية بين حركتى فتح وحماس بعد 10 سنوات من الانقسام وسط ترحيب عربى ودولى وإشادة دولية بدور مصر فى تحقيق المصالحة، ففى 12 أكتوبر الماضى، اجتمعت حركتى فتح وحماس رسميا فى القاهرة، ووقعا على اتفاق المصالحة بحضور رئيس المخابرات المصرية خالد فوزى، وذلك فى خطوة تهدف إلى إنهاء الانقسام المستمر بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
وقالت الحركتان فى بيان رسمى عن الاتفاق، إن “الحركتين اتفقتا على إجراءات تمكين حكومة الوفاق الوطنى من ممارسة مهامها والقيام بمسئولياتها الكاملة فى إدارة شئون قطاع غزة، كما فى الضفة الغربية، بحد أقصى يوم 1 ديسمبر المقبل، مع العمل على إزالة كافة المشاكل الناجمة عن الانقسام”.
وفى أول نوفمبر، اتفقت الحركتان على الانتهاء من إجراءات تمكين حكومة الوفاق من ممارسة مهامها بشكل كامل والقيام بمسئؤولياتها فى إدارة القطاع كما الضفة الغربية وفق النظام والقانون بحد أقصى 1 ديسمبر 2017، حيث قرر الطرفان الانتهاء من إجراءات استلام حكومة “الوفاق الوطني” لكافة معابر قطاع غزة، بما فى ذلك تمكين أطقم السلطة الفلسطينية من إدارة تلك المعابر بشكل كامل، وذلك بحد أقصى يوم 1 ديسمبر 2017، واتفقتا على توجه قيادات الأجهزة الأمنية الرسمية العاملة فى الضفة إلى غزة، لبحث سبل وآليات إعادة بناء الأجهزة الأمنية مع ذوى الاختصاص، كما تسلمت حكومة الوفاق الوطنى برئاسة رامى الحمد الله، كافة المعابر التى كانت تسيطر عليها حماس فى قطاع غزة.
وساطة مصرية تحقن دماء السوريين
كذلك، واصلت الدبلوماسية المصرية، جهودها فى إنقاذ الشعب السورى من دمار الحرب التى تواجها بلادهم، ففى أكتوبر الماضى، نجحت وساطة مصرية بين الفصائل المعارضة فى الريف الشمالى لحمص، والقوات السورية، برعاية تيار الغد السورى، الذى يترأسه أحمد الجربا، وذلك بضمانة روسية، فى التوصل لاتفاق حول وقف إطلاق النار فورى، والموافقة على فتح المعابر الإنسانية المقررة والموافق عليها من الطرفين، إضافة إلى تسليم الوفد الروسى ملف المعتقلين.
وأجرت مصر جهودا مكثفة فى عام 2017، لوقف نزيف الدم السورى ودفع الأطراف نحو التهدئة لإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى المناطق المحاصرة وتوفير الحماية للسكان المدنيين، وبالفعل نجحت الدبلوماسية المصرية بالتعاون مع الجانب الروسى فى التوصل لاتفاق هدنة بريف حمص الشمالى بعد توقيع اتفاق الهدنة فى منطقة الغوطة الشرقية بدمشق.
مصر تجمع الفرقاء الليبيين على طاولة واحدة للحوار
واستمرت المساعى المصرية لحل الأزمة الليبية من خلال تشجيع الحوار بين مختلف الأطراف، بما يسهم فى عودة الاستقرار للشعب الليبى، والحفاظ على سيادة ووحدة بلادهم، ذلك أن القاهرة استضافت المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الليبى، وفائز السراج، رئيس المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق لحل الأزمة الليبية، فى فبراير الماضى، حيث جاء هذا اللقاء التاريخى استكمالاً للقاءات المكثفة التى عقدت فى القاهرة لعدد من الفعاليات الليبية، تضمنت رئيس مجلس النواب، ورئيس المجلس الرئاسي، والقائد العام للجيش الليبي، وأعضاء من مجلسى النواب والأعلى للدولة، وممثلى أعيان وقبائل ليبيا، وممثلى المجتمع المدني، والإعلاميين والمثقفين الليبيين من كافة المناطق الليبية.
كما استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسى، المشير خليفة حفتر، القائد العام للقوات المسلحة الليبية، فى 13 نوفمبر 2017، لاستعراض آخر التطورات السياسية فى ليبيا، وتم التأكيد خلال هذا اللقاء على أهمية استمرار الجهود من أجل مواصلة الحوار بين الأطراف الليبية وإعلاء المصلحة الوطنية الليبية، بما يتيح إعادة بناء مؤسسات الدولة ويلبى طموحات الشعب الليبى فى عيش حياة كريمة ومستقرة، حسبما ذكر بيان رئاسة الجمهورية المصرية وقتها.
وبحسب البيانات الرسمية، أسفرت هذه اللقاءات عن توافق حول عدد من الثوابت الوطنية غير القابلة للتبديل أو التصرف، على رأسها الحفاظ على وحدة الدولة الليبية وسلامتها الإقليمية، وما يقتضيه ذلك من تأسيس هيكل مستقر للدولة ودعم مؤسساتها ولحمة شعبها، والحفاظ على الجيش الليبى وممارسته لدوره، ورفض وإدانة كل أشكال التدخل الأجنبي، والتأكيد على حرمة الدم، والالتزام بإقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة مبنية على مبادئ التداول السلمى للسلطة والتوافق وقبول الآخر، ورفض كافة أشكال التهميش والإقصاء لأى طرف من الأطراف الليبية، وتعزيز المصالحة الوطنية، ومكافحة كل أشكال التطرف والإرهاب.
مصر تؤكد دعمها للعراق فى مكافحة الإرهاب
وإلى جانب الدور الفعال للدبلوماسية المصرية فى حل وتهدأة القضايا المشتعلة بالمنطقة، لم يغب عن اهتمامها أزمة العراق وحربها على الإرهاب، فكان هناك عدة لقاءات جمعت بين حيدر العبادى، رئيس الوزراء العراقى، والرئيس عبد الفتاح السيسى، والمهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء المصرى، وعددًا من المسئولين فى أكثر من لقاء، كان آخرها خلال زيارة “العبادى”، إلى مصر، فى أكتوبر الماضى، حيث بحثا آخر التطورات فى المشهد العراقى، وأكد الرئيس السيسى – وقتها – وقوف مصر بجانب العراق فى جهود استعادة الأمن والاستقرار على كامل أراضيه وتعزيز تماسك نسيجه الوطنى لقطع الطريق على كافة محاولات بث الفرقة وإشعال الفتنة.