آراء وتحليلات

سيناء الأرض المباركة

بقلم / سهام عزالدين جبريل

قدسية سيناء الدينية :-
سيناء بقعة مباركة من أرض مصر شرفت جبالها واوديتها وحبات رمالها بوقع أقدام اٌنبياء الذين إصطفاهم الله من عباده :-
ليعلو الحق على الباطل
والعدل فوق الظلم
والرحمة فوق القسوة
والنور فوق الظلمة
فقد قدر لهذه الأرض أن تشهد مطلع الرسائل السماوية الثلاث
{اليهودية –المسيحية – الإسلامية }
التى بدلت حال عالمنا ونظمت قواعد العبادات والعلاقات الإنسانية بين بنى البشر ، ويكفي ان ان نقول ان سيناء هى البقعة الوحيدة فى هذا العالم التى التقت فيها الأرض بالسماء عندما تجلى الخالق عز وجل وكلم موسى تكليما بالواد المقدس طوى .
وسيناء هذه البقعة المقدسة والتى هى اكثر منطقة ذكرت فى القرأن الكريم وخصتها الأيات القرأنية الكريمة بالذكر .
قد شرف الله تعالي أرض سيناء فجعلها معبرا لأنبياء الله عز وجل إبراهيم وإسماعيل ويعقوب ويوسف وموسي وهارون وعيسي وأمه البتول مريم عليهم الصلاة والسلام,
فسيناء لها مكانة عالية عند المولي عز وجل حيث أقسم بها في قرآنه قائلا: والتين والزيتون* وطور سينين
( التين:1-2) فـعلى أرض سيناءتجلى المولى عز وجل وعلى جبل الطور كلم الله موسي عليه السلام من عليه تكليما, كما أن من خصائص هذا الجبل أن رفعه الله عز وجل فوق اليهود عندما خانوا العهد ولم يؤمنوا فكان تخويفا وإرهابا لهم فآمنوا ثم أعرضوا كعادتهم فقال فيهم عز وجل وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور
( البقرة:63).
وفيها الوادي المقدس طوي وهو البقعة الغالية التي قدسها الله تعالي فنادي فيها موسي قائلا: هل أتاك حديث موسي* إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوي( النازعات:15-16), ذلك الوادي الكريم الطاهر الذي قال فيه المولي عز وجل لموسي فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوي
وعلى أرض سيناء التاريخ يتكلم حيث كانت أرضها طريقا لمسار الأنبياء منذ فجر التاريخ وطريق العائلة المقدسة وطريق الفتح الإسلامى .
*فأبو الانبياء إبراهيم الخليل عليه السلام والذى شق طريقه خلالها هو وزوجته السيدة سارهـ إلى مصر قادما من بلاد الرافدين متجها إلى أرض كنعان بفلسطين حيث اشتد القحط بتلك البلاد وذهب إلى مصر متخذا سيناء طريقا حيث أقام مدة من الزمن فى مصر وعاد ثانية إلى فلسطين ، عبر سيناء ومعه زوجتية سارهـ – وهاجر ” ام إسماعيل ” الأميرة المصرية الأسيرة التى هى من مدينة الفرما من قبيلة ام العرب بشمال سيناء والتى أهداها إليهما فرعون مصر .
*كما وطأ أرضها كل من يوسف الصديق وأبيه النبى يعقوب عليهما السلام واخواته أسباط بنى إسرائيل حيث كان فى هذه المنطقة عبورهم وذهابهم ومجيئهم ورواحهم ، حيث تم لقاء سيدنا يوسف بأبيه سيدنا يعقوب ، فعلى أرضها إلتأم شملهما وإلتقيا بعد سنوات من العذاب والغربة والحرمان .
وعلى ارض العريش فصلت العير ومن ارضها إنطلقت رائحة قميص يوسف حت وصل الى فلسطين لبشمة يعقوب علية السلام ويقول قولته المأثورة انى لإجد رائحة يوسف وهذا ماجاء في تأويل قوله تعالى:
( وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ ) . سورة يوسف
وتفسيرها أنه َلَمَّا فَصَلَتْ عِير اى عندما وصلت قافلة بَنِي يَعْقُوب الى مدينة العريش قادمة مِنْ عِنْد يُوسُف بمصر مُتَوَجِّهَةً إِلَى أرض فلسطين عبر سيناء وكان قميص يوسف بحوزتها فراحت روائح الجنة في الدنيا واتصلت بيعقوب، فوجد ريح الجنة فعلم أنه ليس في الدنيا من ريح الجنة إلا ما كان من ذلك القميص، فعند ذلك قال { إني لأجد} أي أشم رائحة يوسف .لقد انطلقت هذه المعجزة من ارض العريش الى ارض فلسطين حيث كان يقيم نبى الله يعقوب .
*كما لجأ إليها من غضب فرعون موسى عليه السلام قاصدا أرض مدين بجزيرة العرب حيث إلتقى بالنبى شعيب وتزوج إبنته مقابل خدمته ثمانية أعوام ، بعد هذه السنوات عاد إلى سيناء قاصدا مصر ، ولكنه ضل الطريق قكان لقاؤه مع ربه على جبل موسى فى منطقة الطور حيث أمره الله عز وجل بتلقى رسالته للإنسانية فى تلك الأرض التى باركها الله عز وجل ، حيث تجلت القدرة الإلهية ،
وعندما عاد موسى ثانية بقومه من بنى إسرائيل هربا من فرعون ، ساروا متجهين إلى سيناء ، حيث وجدوا البحر الأحمر فى مواجهتهم ومن خلفهم لحقهم فرعون وجنوده ،
فحدث المعجزة على أرضها حينما أمر الله موسى أن يضرب البحر بعصاه ليجد الطريق أمامه يابسا ممهدا له ومن معه ثم يعود البحر مرة اخرى إلى حالته الاولى فيغرق فرعون وجنوده وينجو موسى وقومه بإذن الله ، حيث حدثت المعجزات الإلهية ،
• وفى أرض سيناء ضرب موسى الاحجار لتنفجر منها ينابيع المياه (عيون موسى) الاحدى عشر بعدد اسباط بنى اسرائيل حبث عرف كل قوم مشربه والتى هى موجودة حتى الأن تشهد بمجزة الخالق عز وجل .
•وعلى أرض سيناء تلقى موسى علية السلام الوصايا العشر من ربه سبحانه وتعالى ، والقاضية بوحدانية
الله عزوجل والجامعة لدروس الأداب الدينية .
•وعلى أرض سيناء أنزل الله على موسى وقومه من بنى إسرائيل (المن والسلوى ) ولكن تجبر بنو إسرائيل وعصوا موسى فغضب الله عليهم وكتب عليهم التيه بين الجبال وفى أودية سيناء ، أربعين عاما جزاء ما إفترفوه كفرا وعصيانا ، وكتب الله عليهم المذلة والمسكنة كما فى قوله عزوجل :
•” قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين “المائدة (اية 26)
• ومن شطأنها إنطلق موسى للقاء العبد الصالح سيدنا الخضرعليه السلام، والذى علمة مالم يحط به خبرا ، وهذا ماورد فى قوله عز وجل :
“وإِذ ْقَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَاأَبْرَحُ حَتَّى ٰأَبْلُغ َمَجْمَعَ الْبَحْرَيْن ِأَوْأَمْضِيَ حُقُبًا ، فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْر سَرَبًا “الكهف (أية 60-61)
• كما سلكتها العائلة المقدسة عندما إحتضنت السيدة مريم العذراء النبى عيسى عليه السلام يرافقهما ابن عمها يوسف النجار فى طريقهما إلى مصر فرارا من الملك الجائر إلى أن وصلا إلى دير المحرق بمحافظة اسيوط حاليا حيث أقاما إلى أن أمرهما الله بالعودة ، فعادا مرة ثانية إلى فلسطين بعد هلاك هذا الملك الجائر ، فكانت رحلة العودة والرجوع الى الأرض المقدسة عبر سيناء أيضا.
يسجل التاريخ أنه ومنذ اكثر من14 قرنا من الزمان , واكثر بقليل شهدت سيناء اقامة أول صلاة لعيد الأضحي المبارك علي ارض مصر وذلك حينما دخل عمرو بن العاص بجيشه الظافر ارض سيناء المقدسة التي باركتها السماء, والتي نالت قدسية استقبال كل الرسالات هنا, وعلي ارض العريش وتحديدا منطقة المساعيد, وبعد أن قرأ عمرو بن العاص كتاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي جاء فيه.. أما بعد: فإن ادركك كتابي هذا وانت لم تدخل مصر فارجع عنها, واما اذا أدركك وقد دخلتها أو شيئا من ارضها فامض, واعلم أنني ممدك فالتفت الي من حوله, وقال اين نحن ياقوم فقالوا في العريش, فقال وهل هي من ارض مصر أم الشام فاجابوا انها من مصر, وقد مررنا علي عمدان رفح, فقال هلموا بنا اذا قياما بأمر الله وامر أمير المؤمنين ـ وهنا يهنيء القائد جند الاسلام قائلا: هذا المساء عيد, ومع مرور الأيام أصبحت منطقة المساعيد الحالية تعرف بهذا الاسم, ويتقدم عمرو بن العاص ليتحقق بعد ذلك الفتح الاسلامي لمصر كلها ـ
– وترجع أهمية عبور سيناء لفتح مصر وذلك لتأمين فتوحات المسلمين في بلاد الشام, وهي الطريق لنشر الاسلام واللغة العربية في شمال افريقيا وتأكيد قول الرسول الكريم( اذا فتح الله عليكم بعدي مصر فاتخذوا منها جندا كثيفا, فذلك الجند خير اجناد الارض لأنهم في رباط الي يوم القيامة). وسارت جيوش المسلمين الي الفرما قرب بورسعيد واستولت علي بلبيس واشتبكت مع الروم, وانتصرت عليهم في موقعة عين شمس وتقدم عمرو بن العاص الي حصن بابليون بمصر القديمة, حيث تحصن الروم واستولوا عليه واستسلم الروم, وتصبح مصر في نهاية عام642 م(21 هـ) ولاية تابعة للخلافة الإسلامية.. هكذا أشرقت شمس الاسلام علي مصر وساد السلام والود بين العرب القادمين من الجزيرة العربية والذين آمنوا من ابناء مصر بالاسلام, فالفتح الاسلامي لم يكن من اجل التدمير والاذلال, أو من أجل اكراه الناس علي العقائد, ولكن من أجل أن تقام دولة تخلص العبادة لله الواحد القهار, تعتنق مكارم الأخلاق, أبناؤها يبنون ولايخربون, يصلحون ولايفسدون, يجمعون ولايفرقون, ولم يكن من اجل غنيمة أوشهوة من الشهوات, ولكن من اجل أن تنتشر راية الاسلام واعلاء كلمة الله, وليخرج الناس من الظلمات الي النور.
-وعاش المسلمون والمسيحيون أخوة متحابين تجمعهم مصالح مشتركة تظلهم سماء واحدة وتقلهم ارض واحدة, ولكل انسان عقيدته لأن العقائد لاتباع ولاتشتري, وكل من يحمل الجنسية المصرية يتساوي في الحقوق والواجبات, أما العقائد, فالذي يحاسب عنها هو الله فقد جاء الاسلام ليحقق العدل في الأحكام, وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل . وهكذا تبدو عظمة مصر فى تاريخها وجغرافيتها وموقعهاعبرية الزمان وللمكان والحضارة ، فمصر هي الدولة الوحيدة التي توافرت فيها ثلاث حضارات متعاقبة ومتعاشقة بعضها البعض في نسيج واحد وهي: الحضارة الفرعونية القديمة, والحضارة القبطية, والحضارة الاسلامية, وفيها شعب مؤمن بالتوحيد منذ عهد إخناتون.
فأرض سيناء هى المدخل وهى بوابة الدخول الى مصر ولذا فهى جزء عزيز وغالى وأرض مقدسة من مصرنا الغالية تقدست سمائها بتجلى نور الخالق عزوجل وتعطر ترابها بمسا ر الأنبياء , وإرتوت أرضها بدماء الشهداء وعرق المناضلين والابطال ، ورغم ذلك ظلت أرض سيناء وسكانها فى محن مستمرة ومعاناة دائمة تقاذفتها الحوادث, وذلك بسبب هجرانها وإهمالها عن قصد من لدن أعداء الوطن, سواء بضغوط من الخارج أو بتعمد من الداخل, فما أحوجنا إلي تعمير هذا الإقليم الغني الثري , تعميره فكرا وعلما وصناعة وزراعة وتواصلا مع أبنائه وإعادتهم إلي حضن وطنهم الأم مصر, كي نقضي علي بؤر التطرف وبذور الشقاق والخلاف والأفكار المسمومة, فما بين فكر تكفيري يجتاح هذه البقعة المباركة واياد خارجية تعبث بأمنها.
سيناء في القرآن الكريم
حظيت سيناء فى القرآن الكريم باحتفاء خاص، فهى معبر أنبياء الله عز وجل ابراهيم واسماعيل ويعقوب ويوسف وموسى ولهذا السبب حظيت بهذا التكريم فى القرآن الكريم ، فى كثير من الأيات اكثر بقاع الارض
كما أن مصر ذكرت فى القرآن الكريم فى ثمانيه و عشرين موضعا خمسة مواضع صريحة و منها ما جاء
بشكل غير مباشر وأكثرها ماورد فيها اسم سيناء:
1-” وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ” سورة البقرة 63
2-” وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ” سورة البقرة 93
3-” وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ” سورة النساء 154
4-” وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ” سورة مريم 52
5-” يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ” سورة طه 80
6-” فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ”
سورة القصص 29
7-” وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ” سورة القصص 46

8-” وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَّسْطُور ” سورة الطور 2،1
9-” وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ ” سورة المؤمنين 20
10-” وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِين لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِين إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّين أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ” سورة التين
——————————————–
خالص تحياتى / سهام عزالدين جبريل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *