خلال ندوة “طريق الحرير الجديد ” : الدكتور عصام شرف : العالم في “مفترق طرق “.. ومبادرة “التنين الصيني” المسار الصحيح إلى بر الأمان
تابع – د. هويداالشريف
قال الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء الأسبق أن العالم أصبح في مفترق طرق وانه قلق على البشرية في ظل هذة الحضارة المرتبكة , مشيراً إلى أننا اصبحنا في حاجة الى حلم جديد وتغيير جذري من حيث كيفية إدارة هذا العالم.
جاء ذلك خلال الندوة التي عقدت بمركز بحوث البناء التابع لوزارة الاسكان بحضور نخبة من الشخصيات العامة.
وأضاف شرف أن الحضارة الحالية شهدت اختلافاً كبيراً عن سالفتها , فالأخيرة كانت العديد من الدول بها شبه منعزلة ,بخلاف الحضارة الحالية والتي شهدت تطوراً هائلاً من حيث وسائل المواصلات والاتصالات وحدث ما يسمى بـ “الإعتمادية “بين الدول ,وبالتالي لو تأثرت أي منطقة في العالم بالسلب سوف يترتب عليه إنهيار باقي المناطق , ضارباً مثالاً بالأزمة المالية التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية عام 2008 والتي امتد صداها على مستوى العالم حيث فقد نحو 35 مليون شخص وظيفته ,ومن هنا لم يعد هناك القدرة لاي دولة على النمو بمفردها , فالبلاد والحضارات صارت متشابكة مع بعضها البعض.
وأوضح أن تعريف الحضارة هي ان تكون العلاقة ما بين الانسان والانسان جيدة ,وبين الانسان والطبيعة ايضاً ,الامر الذي يحدد جودة الحياة على مستوى الأفراد والأمم ,مشيراً إلى أن هناك علاقة سيئة بين الانسان والانسان في الفترة الحالية من حيث الهيمنة وكذا..,بالأضافة إلى أن العلاقة بين الانسان والطبيعة شهدت إستغلالاً كبيراً للموارد وباتت الطبيعة مهددة بـ “المدنية” بحسب وصفه ,خاصة وأن التنمية الحالية تأتي على حساب الأجيال القادمة.
وشدد شرف على أن العولمة بمفهومها المتعارف عليه تعد امراً جيداً , فعندما يكون هناك عالم مرتبط ببعضة البعض وله أهداف واحدة ويمارس حقوق وواجبات متشابهة فهذا امراً طبيعياً , مشيراً إلى أن ما يتم على أرض الواقع أمر مخالف تماماً لمفهوم العولمة الحقيقي, فنحن نعيش حالياً في ظلال عولمة “أسياد وعبيد” والمقصود هنا بالأسياد أي الشركات العابرة للقوميات,الامر الذي يودي الى غياب فكرة الوطن ,ومن هنا ينقسم العالم الى مجموعة شركات ضخمة ومستهلك ,لافتاً إلى أن ما يطلق عليها حركات ضد العولمة والدعوات الحمائية والخطابات الشعبوية لا تعدو كونها صراخات تطالب بالسلام والعدل.
وأوضح شرف أن موارد العالم أكبر من إحتياجاته ,ولكن المشكلة تكمن في عدم الإتزان ,مشيراً إلى أن الحل دائماً يتمثل في الأبتكار والعدل ,الأبتكار لحسن استغلال الموارد والعدل لحسن توزيع الناتج ,ضارباً مثالاً بأنه في ظل أزمة نقص المياة التي نشهدها حاليا ,فهناك ابتكارات لزراعة نباتات تستخدم أقل كمية من المياة ,بجانب الزراعة في الرمل والزراعة بالمياة المالحة ,لافتاً إلى أنه في ظل الأزمات فهناك العديد من الابتكارات والأهم أن تطبق هذة الابتكارات وتكون متبادلة بين الدول وألا يكون هناك حكراً على أحد ومن هنا تأتي فكرة العدل.
وطالب رئيس مجلس الوزراء الأسبق أن يكون هناك عولمة جديدة ورحيمه تحل محل العولمة الشرسة والاَنانية الحالية ,عولمة لا تطيح بالاَخر الضعيف بل تؤمن به ,عولمة تتبنى التنوع والتعايش مع الاختلاف ,عولمة تحقق حلم الانسانية وليس حلم من يظن انه امتلك الانسانية ,مشيراً إلى أنه إذا كان مفهوم العولمة أو الحضارة هو التفاعل والتعاون والشراكة فسوف تكون العولمة أو الحضارة متناغمة ومتجانسة ,اما إذا كان المفهوم هو الهيمنة مثل ما يحدث حالياً فسوف تكون العولمة أو الحضارة متصارعة .
وقال شرف إذا استمر العالم الحالي بالنمط الذي عليه الاَن فأننا نكتب شهادة وفاة الحضارة الانسانية ,مؤكداً على انه يجب أن يكون هناك مشروع حضاري عولمي جديد ,وأن يكون المنفذ هي الدول صاحبة الحضارات العميقة , مشيراً إلى أن مصر دولة صاحبة حضارة ومعاني, وحققت التوازن السامي بين العالم الخارجي والعالم الداخلي الوجداني منذ القدم مروراً بالحضارة الاسلامية ومن قبلها المسيحية , مؤكداً أنه إذا كانت مصر قد لعبت دوراً محورياً في تاريخ العالم فليس هناك مبرراً ألا تعلب دوراً مشابهاً في مستقبل العالم إذا فهمنا تاريخنا واسقطناه على حاضرنا .
وأوضح شرف انه بالرغم من أن مبادرة الحزام والطريق صينية ,الا انها تحتوي على مشاريع عالمية يشارك فيها الجميع من أجل الجميع ,وهي مفهوم وليس مجرد مشروع ,موضحاً انها مفهوم تكتل من أجل التنمية المشتركة مع احترام الاَخر وتبادل ثقافي واحترام الثقافات ,وهي شبكة تنمية وليس مجرد شبكة نقل ,بجانب كونها جسر ثقافي عالمي لتجسير الفجوات التنموية والفكرية والرقمية والربط بين الثقافات.
تابع شرف : أن اللاعب الأساسي في مبادرة طريق الحرير الجديد هو النقل وتشمل المبادرة جزء بري يبدأ من الصين وينتهي باوروبا ويطلق عليه الحزام الاقتصادي ,وجزء اَخر بحري ويسمى الطريق البحري , لاًفتا إلى أن المبادرة عبارة عن ثلاث محاور اساسية , المحور الأول يتم من خلاله ربط الصين باوروبا مروراً بروسيا واَسيا الوسطى ,اما المحور الثاني بين الصين ومنطقة الشرق مروراً باَسيا الوسطى ,ثم المحور الثالث وهو الطريق البحري.
وقال شرف ان طريق الحرير الجديد يستمد قوته من طريق الحرير القديم ,ولا يقتصر على تبادل السلع فحسب ,بل يمتد ليشمل تبادل المعارف والثقافة والأفكار واللغات والايدلوجيات ,مشيراً إلى أنه عند زيارة الصين حالياً سنجد الكنائس والمساجد وهو ماتم من خلال تبادل الثقافات من خلال طريق الحرير القديم ,موضحاً أن مبادرة الحزام والطريق بمثابة إسترجاع لمبادئ الطريق القديم وتهدف الى حضارة متناغمة وتبادل ثقافي وتنمية مشتركة, بخلاف مبادرات التعاون الاَخرى والتي تهدف بشكل اساسي الى التبادل التجاري فقط.
وأوضح أن فكرة إطلاق مبادرة طريق الحرير الجديد جاءت نتيجة دراسات اثرية وتاريخية وثقافية على طريق الحرير القديم قامت بها اليونسكو في التسعينيات من القرن العشرين , مشيراً إلى أن فكرة إسترجاع طريق الحرير مبني على دراسات ثقافية ومن هنا تأتي أهميته بإعتبار أن الثقافة بمثابة اللبنه الحقيقية لاي تعاون ,خاصة وأن منظمة اليونسكو وصفت المبادرة بأنها تتفق مع اهداف التنمية المستدامة 2030 ,وتهدف الى احياء ترابط تاريخي عابر للحضارات,كما أطلقت اليونسكو على المبادرة أسم “طريق الحوار” اي الحوار بين الثقافات المختلفة ,لافتاً إلى أن رحلات “مارك بولو” و”ابن بطوطة” و”ابن فضلان المسعودي” و”ابن ماجد” كلها استفادت من الرحلات على مسار طريق الحرير .
واكد على أن المبادرة تهدف الى خلق أكبر تكتل تحت مظلة واحدة والانتقال بين الحضارات المختلفة , الامر الذي شجع حوالي 69 دولة تشترك في هذة المبادرة ,ونحو أكثر من 30 مؤسسة دولية كبرى تمثل حوالي 70% من سكان العالم وإقتصادها يفوق ثلث اقتصاد العالم ,مشيراً إلى أن هذا يأتي من منطلق التعاون وفكرة التنمية المشتركة .
وأوضح رئيس مجلس الوزراء الأسبق أن مصادر تمويل المبادرة هي البنك الاسيوي للاستثمار في البنية التحتية والتي أنشاتة الصين بخصوص المبادرة ,ويشترك به العديد من الدول الاوربية الكبرى مثل فرنسا وانجلترا والمانيا وايطاليا وسويسرا ,وهذا يعكس مدى رغبة هذة الدول الكبرى في الاتجاة الى الشرق والعزوف عن سياسة الهيمنة الامريكية.
تابع شرف : أن كتلة “يوراسيا” اي اوربا واسيا وهي ما يطلق عليها ايضا “الارض المركزية” واحياناً تسمى “جزيرة العالم” , مشيراً إلى أن مستشار الأمن القومي الامريكي “بريجينسكي” كانت معظم نظرياتة الأمنية لامريكا قائمة على عدم سيطرة اي أحد على هذة المنطقة بإعتبار أن من يسيطر عليها يستطيع أن يسيطر على العالم بأكملة,ولهذا السبب كانت تتم محاولات التفرقة بين الصين وروسيا أو بين الصين والهند ,متوقعاً أن تكون هناك محاولات لعدم إنجاح المبادرة.
وأوضح شرف أن مصر لعبت دوراً هاماً في طريق الحرير القديم عن طريق موانئ البحر الاحمر والاسكندرية ,مشيرا الى ان اسم حي المكس في الاسكندرية جاء من ” مكوث “التجار القادمين من الصين ووسط اسيا واوروبا ومن ثم تعقد الصفقات فيما بينهما .
وتطرق شرف إلى مفهوم ممرات التنمية ,اي المناطق التي تتجمع بها الخدمات والسكان وتمتد من خلال عددا من الدول ,لافتا الى ان هناك صناعات هامة جدا يمكن لمصر ان تشارك من خلالها بفاعلية في هذة المبادرة وهي صناعتي الثقافة والمناطق الاقتصادية الخاصة ,باعتبار ان محور قناة السويس يعد الممر الرئيسي للمبادرة ,والعنصر الثاني وهو الثقافة لانه بالرغم من ان الصين تمتلك القوة الاقتصادية والعسكرية, إلا انها لا يزال إنتشارها الثقافي محدود في العالم ,ومن هنا فنحن نستطيع ان نشارك معها في ثقاقة جديدة بجانب الصناعات الاَخرى.
واختتم رئيس مجلس الوزراء الندوة بأن الأهتمام الحالي بتطوير الموانئ المصرية حتى نستطيع جذب الخدمات اللوجسيتية والبحرية وما يترتب على هذة الخدمات من جلب للقيمة المضافة هو امر جي, خاصة في الوقت الذي أصبح هناك تنافس شديد مع عدد اَخر من الموانئ في المنطقة .