بقدر ما تشكل قضايا الحب مصدرا للتاريخ الثقافى وتعكس أوجه الحياة المتعددة ومتغيرات المجتمعات، فإن نظرة الأدباء والمفكرين والفلاسفة والمبدعين للحب تبقى مثيرة للاهتمام، كما أنه من المثير للفضول التعرف على آرائهم حيال بعض تلك القضايا مثل “الحب الأول”.
وها هو الكاتب والقاص والأكاديمى الأمريكى أندريه اسيمان يتحدث عن “روعة ولوعة الحب الأول” ويبدو متحمسا لآراء أديب عاش فى القرن السابع عشر، وهو الأديب والكاتب الفرنسى جان دى لابرويير الذى ذهب إلى أن “الحب الأول هو الحب الحقيقى” معتبرا “أننا نحب حقا مرة واحدة فى الحياة”.
وأندريه اسيمان يبلغ من العمر 67 عاما، ويعد من نجوم الصحافة الثقافية الأمريكية، ويقوم بتدريس تاريخ النظرية الأدبية وأعمال الروائى الفرنسى الشهير مارسيل بروست فى جامعة نيويورك ولد فى الإسكندرية.
“اسيمان” صاحب قصة “نادنى باسمك”، والتى تحولت لفيلم سينمائى ينتمى للدراما الرومانسية لا يزال يستدعى ذكريات ملاعب الصبا فى الثغر السكندرى فى قصصه وكتاباته ومن بينها قصة عن نزهة مع شقيقه فى الليلة الأخيرة لهما بعروس البحر المتوسط أو “عاصمة الذكريات” كما يطلق عليها.
وفى معرض حديثه عن “الحب الأول” الذى يبقى دوما فى القلب والذاكرة يستدعى اسيمان أعمالا أدبية لكتاب كبار مثل الروسى ايفان تورجنيف الذى صدرت له رواية فى عام 1860 بعنوان “الحب الأول” وكذلك رواية “الأميرة دو كليف” للفرنسية مدام دى لافييت ورائعة “مرتفعات وذرينج” لأيميلى برونتى التى نشرت لأول مرة عام 1847 ناهيك عن “روميو وجولييت” التى تعد من أشهر إبداعات سيد الأدب الإنجليزى وليام شكسبير الذى قضى عام 1616.
كل هذه الأعمال الأدبية الخالدة التى استشهد بها اندريه اسيمان فى سياق حديثه عن “الحب الأول” ترجع كما هو واضح لقرون خلت لكن العنوان مازال يشد اهتمام مبدعين معاصرين ويلهمهم فى الحاضر مثل الكاتبة البريطانية جويندولين ريلى التى ولدت عام 1979 وصدرت لها مؤخرا رواية بعنوان:”الحب الأول” لتكون خامس إبداعاتها القصصية والروائية.
وفى مقابل الذين يتحمسون “للحب الأول” هناك من يؤكد أن الحب الذى يبدأ قويا يتراجع مع مرور الأيام ومضى الزمن مثلما تراجعت وانتهت قصة الحب الشهيرة فى الغرب بين الشاعر الفرنسى بول ايلوار الذى قضى فى الثامن عشر من نوفمبر عام 1952 والفاتنة الروسية جالا التى كتب لها أروع رسائل الحب وأجمل الشعر ومع ذلك فقد انتهت القصة وارتبطت جالا بحب جديد مع الفنان الأسبانى الشهير سلفادور دالى.
وأسئلة الحب عند الأدباء التى تجمع المبدعين فى الغرب والشرق تتضمن السؤال عن حقيقة “الحب من أول نظرة” وهو ما يتجلى فى قصة زواج أمير القصة القصيرة المصرية والعربية الدكتور يوسف إدريس والسيدة رجاء الرفاعى، التى اعتبرت نفسها بأنها “محظوظة لأنها تزوجت من فنان عظيم”.
وفى مقابلة صحفية أوضحت السيدة رجاء الرفاعى أنها دخلت عالم الدكتور يوسف وهى فى السابعة عشر من عمرها بكامل اختيارها وكامل إرادتها، مؤكدة أنها لم تكن تعرفه من قبل “لكنه الحب من أول نظرة الذى جمع بينهما”.
وعن اللقاء الأول مع الراحل العظيم يوسف إدريس الذى قضى فى مطلع شهر أغسطس عام 1991 تقول زوجته السيدة رجاء الرفاعى :”شعرت من أول لقاء بانجذاب شديد لم استطع مقاومته وكان لقائى بيوسف لقاء صدفة، كنت عند أختى فلمحنى وبعدها تحدث مع زوج اختى الشاعر إسماعيل الحبروك وطلب منه أن يتعرف على ليتقدم لخطبتى فقال له إسماعيل إننى مخطوبة فقال: لا يهم ثم أرسل لى خطابا شرح فيه ظروفه وشعوره نحوى عندما لمحنى لأول مرة”.
وتضيف أن يوسف إدريس قال لها فى هذا الخطاب :”من اللحظة الأولى التى رأيتك فيها شعرت أنك مكتوبة لى” فيما ردت عن سؤال عما تفعله فى لحظات الحنين للذكريات بعد رحيله وما إذا كانت تلجأ لكتبه أو لألبوم الصور الخاص به قائلة :”هو مازال يعيش معى فى كل تفصيلة من حياتى ولا أحتاج لصور ولا كتب كى أتذكره”.
والكاتبة الأمريكية جينيفر إيجان والحائزة على جائزة بوليتزر للأدب عام 2011 لا تخفى انبهارها برواية عن الحب والزواج فى القرن التاسع عشر وهى رواية “ميدل مارش” للكاتبة البريطانية مارى آن ايفانس التى كانت تكتب فى القرن التاسع عشر بالاسم الذكورى “جورج اليوت”.
وارتبطت جورج اليوت بقصة حب مع الفيلسوف جورج هنرى لويس فيما تبدو الكاتبة الأمريكية جينيفر إيجان وصاحبة الرواية الشهيرة فى الخيال التاريخى بالغرب “شاطئ مانهاتن” متحمسة للأقاويل التى ترددت بأن هذا الفيلسوف شجع جورح اليوت على الكتابة الروائية وهى فى سن ال37 عاما لعلها تكون مصدرا لبعض المال الذى ينقذهما من أزمة مالية كانت تعصف بهما.
والأسئلة كثيرة فى جغرافيا الحب عند الأدباء والفلاسفة والمفكرين شرقا وغربا وها هو كتاب صدر بعنوان “رسائل حنة ارندت ومارتين هيدجر” ترجمه للعربية الكاتب والمترجم المغربى المقيم فى النمسا الدكتور حميد لشهب يكشف النقاب عن أسرار الحب لأحد أكبر الفلاسفة فى الغرب وهو هيدجر صاحب كتاب “الوجود والزمان”.
وقد يشعر البعض بالدهشة حيال فيلسوف مثل هيدجر عرف بشخصيته القوية وإرادته الحديدية بينما يقرأ فى مثل هذا الكتاب انه “كان يبكى فى حضرة الحب” غير أنه علم أيضا الحبيبة حنة ارندت وهى مفكرة ألمانية الأصل “كيف ترى العالم وتفهمه”.
والمفكر السورى الراحل صادق العظم لم يلتفت فى غمار هجومه على مفاهيم مثل “الحب الأول” و”الحب من أول نظرة” ناهيك عن ما يسمى بالحب العذرى إلا أن الفيلسوف الألمانى العملاق مارتين هيدجر كان يبكى فى حضرة الحب ثم أن العظم الذى رحل فى الحادى عشر من ديسمبر عام 2016 يسخر من قصص حب خالدة شرقا وغربا مثل “روميو وجولييت” و”قيس وليلى” التى كانت تثير إعجاب الشاعر الفرنسى الكبير لويس أراجون.