آراء وتحليلات

محمد فودة يكتب: لغز الشريك الأجنبي.. هل تورطت شركة فيكا الفرنسية في تمويل الإرهاب؟

محمد فودة

ما حدث فى الجمعية العمومية غير العادية لشركة أسمنت سيناء، التى أقيمت مؤخرًا، فجر بداخلى العديد من التساؤلات، وأعادنى إلى الوراء سنوات وسنوات حينما كنت شاهد عيان على تلك المعجزة التى حققها الدكتور حسن راتب فى وسط سيناء، عندما أنشأ مجمع الصناعات فى وقت لم يسبقه فيه أحد للاستثمار فى تلك المنطقة.

تأكدت وبما لا يدع مجالًا للشك، أن هناك الكثير والكثير من الأبواب الخلفية التى يتسرب ويتغلغل من خلالها ما يُعرف بالشريك الأجنبى داخل الكيانات الاقتصادية الكبرى، فما أفصح عنه الدكتور حسن راتب، رئيس مجلس إدارة شركة أسمنت سيناء، من معلومات مفزعة تتعلق بتوحش وتغول الشريك الأجنبى، المتمثل فى شركة فيكا الفرنسية، يضع أمامنا الكثير من علامات الاستفهام حول وصول نسبة هذا الشريك الأجنبى إلى ما يزيد على ٥٦٪، وهى نسبة مخيفة وتتطلب وقفة حاسمة وحازمة، إلى جانب ضرورة الضرب بيد من حديد على كل من تسبب فى حدوث هذا التجاوز الخطير فى حق الرجل الذى مد يده بترحاب للشركة الفرنسية، وتعامل معها بشفافية تامة وبحسن نية على مدى أكثر من ١٥ عامًا، كما يجب أيضًا معاقبة كل من سمح بفتح تلك الأبواب الخلفية للشريك الأجنبى وساعده لأن يسير فى هذا الاتجاه تحت مسميات شركات مصرية ذات صلة تارة، وعن طريق شراء أسهم بأسماء أشخاص مصريين تارة أخرى.

وجودها فى شبه الجزيرة يجعل القضية سيادية تتداخل مع اعتبارات الأمن القومى
ربما يتصور البعض أن ما حدث هو مجرد خلاف عادى على نسب أسهم فى شركة بها آلاف المساهمين، وهنا يجب أن يعرف الجميع أن القضية أبعد بكثير من كونها خلافًا بين شركاء.. فهى قضية سيادة بلد ومسألة متشابكة تتداخل مع اعتبارات الأمن القومى، نظرًا لأن هذه الشركة لها طبيعة خاصة بسبب وجودها فى منطقة سيناء، تلك المنطقة التى تتطلب الأخذ بعين الاعتبار حساسية جغرافية المكان ومدى تقبلها لأى مجال من مجالات الاستثمار، وفضلًا عن هذا وذاك فإنه ليس أى نشاط يمكن مزاولته فى هذه المنطقة بسهولة، خاصة حينما يكون هناك شركاء أجانب.
إن ما حدث من شركة فيكا- وهى شركة لها اسمها ومكانتها الكبيرة فى مجال الاستثمار فى مجال صناعة الأسمنت- يذكرنى بالمثل القائل «جيت تزرعه يقلعك»، فهذه الشركة ساعدها «راتب» بكل شفافية وبصدر رحب فى العمل فى هذا المجال كشريك أجنبى فى الشركة، حينما قام بتأسيسها، ومد لها يد العون والمساعدة، فقد كان لا يلتفت لأى شىء سوى تحقيق حلمه بإنشاء الشركة فى تلك المنطقة، فى وقت كان مجرد التفكير فى أى مشروع استثمارى بها يعد مجازفة ومخاطرة كبيرة.
إن ما حدث من الدكتور حسن راتب قصة حقيقية رأيتها بعينى رأسى وأنا أتابع قصة كفاح ونجاح على أرض سيناء بصفة عامة، وفى وسط سيناء بصفة خاصة، حيث نجح فى إقامة هذا الصرح الكبير الذى أطلق عليه اسم «منطقة الصناعات الثقيلة»، وكان ذلك فى عام ١٩٩٧، وتضم تلك المنطقة مصنعًا للأسمنت البورتلاندى الغامق وآخر للأسمنت الأبيض.
استطاع د. راتب أن يجذب صغار المستثمرين، حتى بلغ عدد المساهمين فى الاكتتاب العام إلى أكثر من ٣٠ ألف مساهم، ويغطى الاكتتاب عشر مرات وتم تخصيص عشر الأسهم المطلوبة لكل مساهم.
وكنت أتعجب من هذا الإقبال الشديد على مشروع بهذا الحجم، له مخاطر كبيرة، فى منطقة لم تشهد أى استثمار من قبل، فقد شهدت حروبًا وأدوات دمار، فضلًا عن أحداث العنف التى ابتلينا بها على يد دعاة الجهل والتطرف تحت ستار الدين والدين منهم براء.
وأعجب أكثر من هذا المغامر الذى كنّا لا نجلس معه إلا ويحدثنا عن سيناء والميزات النسبية لأرض سيناء، وما زلت أذكر من كلماته أن سيناء كنز لم يكتشف بعد، والمكتشف منه لم يستغل بعد، والمستغل لم يحسّن استغلاله كما ينبغى، وما زلت أذكر أيضًا ما قاله لى ذات يوم بأن سيناء إن لم تُشغل بِنَا سوف تُشغل بغيرنا، وأن الفراغ يغرى بالعدوان.

غموض حول تمسكها بالوصول إلى حصة تبلغ 56% رغم تحقيق «الشركة الأم» خسائر كبيرة مؤخرًا
من أجل كل ما ذكرته، فإننى أرى أن الدكتور راتب على صواب وهو يحاول الآن إعادة الأمور إلى وضعها الطبيعى من خلال الجهات المعنية، فما فعلته هيئة سوق المال تجاه الشريك الأجنبى، لم يأت من فراغ، وإنما جاء نتيجة تجاوز الشريك الأجنبى بعض الحصص، الأمر الذى جعل الهيئة تحقق فى هذا الأمر، وكانت النتيجة أنها وجدت شركات ذات ارتباط بالشريك الأجنبى تحت مسمى فيكا مصر للصناعات الأسمنتية ٤٠٪ تقريبا، والشركة العربية للأسمنت الصناعى بنسبة ٦٫٤٪، والمتحدة لتطوير الخدمات ٥٫١٪، والعربية للاستثمارات الصناعية ٣٫٠٣٤٪، والمصرية الحديثة للأسمنت ١٫٦٢٣٪، لتصبح النسبة الإجمالية لشركات فيكا والشركات الأخرى ذات الارتباط ٥٦٪، وهو ما تجاوز القانون وأدى إلى أن تدخل «فيكا» تحت طائلة أنها قد جاوزت القانون بهذه التصرفات، ما جعل هيئة سوق المال ترسل خطابًا إلى السيد جان فرانكو، ممثل شركة فيكا الفرنسية، تخبره بأن الشركة قامت بمخالفة أحكام الباب الثانى عشر من اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال رقم ٩٥ لسنة ١٩٩٢، وطالبته بتخفيض تلك النسبة والالتزام بالنسبة المخصصة للشريك الأجنبى فى شركة أسمنت سيناء، وهى نسبة الـ٤٥٪ فقط، طبقًا للقانون، وذلك إما عن طريق بيع حق الاكتتاب فى زيادة رأسمال الشركة، أو عن طريق بيع الحصص المتجاوزة فى نسب الأسهم فى الشركة.
وأعتقد أن هذا الموضوع لن يمر مرور الكرام، لأنه قيد التحقيق، ولا يزال محل خلاف بين هيئة سوق المال وشركة فيكا الفرنسية، وعلى ضوء ما سيتم فى هذا الشأن فإنه ستتم إعادة النظر فى هيكل المساهمين فى شركة أسمنت سيناء، وبالطبع فإن الجمعية العمومية سوف تقر بحقها فى إعادة الشريك الأجنبى إلى الحصة الحقيقية التى أقرها له القانون، وذلك بأن تقوم الشركات ذات الارتباط بالتنازل عن حصتها التى تسببت فى هذه الأزمة، وهذه أمور قانونية تخضع لثلاث جهات، هى: هيئة الاستثمار، والجهاز الوطنى لتنمية سيناء، وهيئة الرقابة المالية.
لقد أعادتنى تلك الأجواء المتوترة إلى الوراء عدة سنوات، وبالتحديد حينما كنت أتردد على «سما العريش» بدعوة من د. حسن راتب، وكانت فى «سما العريش» قاعة يلتقى فيها الشعراء والمثقفون والمفكرون وكبار الكتاب.
وبعد النجاح الكبير الذى حققته منطقة الصناعات الثقيلة، بدأ الدكتور يفكر فى إنشاء صرح علمى فى العريش، فى عام ٢٠٠٣، يطلق عليه جامعة سيناء، وفاجأنى بأنه يرغب فى سداد قرض مصنع الأسمنت لبنك القاهرة، وبالتالى سيطلب زيادة رأس المال ويدخل شريكًا جديدًا فى حدود ٣٠٪.
وقال لى إنها شركة فرنسية لها خبرة جيدة فى هذه الصناعة، وأخذ يعدد فى مزاياها ويشكر فيها، بل أكثر من هذا قال لى إنهم راغبون للوصول إلى ٤٠٪، وسأتصرف فى حصة أبنائى وتمثل حصة بسيطة لا تتعدى ٧٪.
وكان كلما جمعتنا اللقاءات شكر فى هذا الشريك، وكان يؤثره على نفسه، إلى أن أيقنت من خلال ما حدث مؤخرًا فى الجمعية العمومية بأن الشريك الذى زرعه د. حسن راتب يريد أن يخلعه بعد أن استحوذ على نسبه ٥٦٪ من خلال شراء حصص مملوكة لآخرين بشركات ذات الارتباط.
وقد كشفت هذه التجاوزات تحقيقات هيئة الرقابة المالية، بإشراف المستشار خالد النشار، ذلك المستشار المحنك الذى قام بتغريم شركة فيكا ٣٠ مليون جنيه إلى جانب تصويب الأوضاع، وهو الإجراء الذى سيتم قريبًا جدًا إن شاء الله، فما زالت التحقيقات لتصويب الأوضاع مستمرة.
لكن الذى لم أفهمه ولم أستوعبه قصة «أسماء غريب» ابنة الرجل البسيط وذات العشر أخوات والتى تنتمى لأسرة متواضعة من العريش، والتى أثبتت التحقيقات الأولية أنها واجهة لشركة فيكا الفرنسية التى حولت لها «فيكا» ما يعادل أكثر من ١٢٠ مليون جنيه لشراء عشرة ملايين سهم من حصة صندوق العاملين بالبنك الأهلى المصرى بالقيمة الاسمية تقربيًا. فلا شك أن هناك شبه استيلاء على المال العام، لأن السؤال الذى يطرح نفسه: لماذا لم يطرح على الجانب المصرى من المستثمرين لاسيما أن الرغبة والجاهزية موجودة لديهم؟.
وإذا كانت الشركة تحقق خسائر كبيرة الآن فما سر تمسك الشريك الأجنبى بزيادة حصته إلى أكثر من ٥٦٪، والتحايل لشراء عشرة ملايين سهم ليصل إلى قرب ٧٠٪؟، أكيد أنها أسباب غير استثمارية وليست لها علاقة بالاقتصاد، شركة تحقق خسائر كبيرة فى وجود ظروف أمنية صعبة وتواجه تحديات ضخمة فما سر تمسك الشريك الأجنبى بالاستيلاء عليها والاستحواذ على أسهمها بكل الطرق الملتوية التى تمثل هذه المخاطر وخرق القوانين؟
سؤال أبحث فيه عن إجابة، وما يثير الشك والحيرة فى نفسى، أن شركة لافارج الفرنسية للأسمنت- وهى أكبر شركة أسمنت فى العالم- قد لعبت دورًا خطيرًا فى دعم الدواعش فى سوريا، وتعرضت إلى عقاب شديد بعد أن فضح أمرها وصلت إلى تغريمها مبالغ ضخمة فى فرنسا نفسها رغم أن لافارج من كبرى الشركات الفرنسية الدافعة للضرائب.
وهنا السئوال الذى يطرح نفسه: هل فيكا تقوم بالدور الذى لعبته الشركة الفرنسية «لافارج» فى سوريا مع الدواعش فى سيناء والجماعات الإرهابية بعد أن ثبتت علاقتها بأنس فوزى المتحفظ على أمواله بسبب تمويل الإرهاب فى مصر؟.
إنه سؤال يبحث عن إجابة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *