قرأت لك.. لماذا لا تعتذر؟.. العلاقات الإنسانية فى خطر
فى كتاب مهم يمس الحياة العامة للشعوب الإنسانية يأتى كتاب “لماذا لاتعتذر؟.. معالجة أثر الخيانات الكبرى ومداواة الجراح اليومية لـ هارييت ليرنر والذى صدرت ترجمته عن مكتبة جرير.
لماذا لا تعتذر
وتقول المؤلفة فى مقدمة الكتاب: “رسمت صديقتى الكاتبة والرسامة الهزلية “جينيفر برمان” رسمًا كاريكاتوريًّا لـ”الشاب المتهرب ذى المليون عذر”، وكان العذر المفضل لى شخصيًّا هو قوله: “أنا آسف… لكنكِ لم تسألينى قط إن كنت متزوجًا ولدى أطفال أم لا”، ثم كان هناك أيضًا رسمها الكاريكاتورى فى مجلة نيويوركر يصور أبًا يتحدث إلى ابنه البالغ، فيقول له: “لقد أردت أن أكون إلى جانبك بينما تكبر، أردت ذلك فعلًا، لكننى أصبت بشد عضلى، ثم حدثت مشكلة ما فى المتجر، حسنًا… لا بد أنك تتفهم الأمر على أية حال”.
وتضيف “هارييت” يكمن حس الدعابة فى كلا الرسمين الكاريكاتوريين فى مدى العبث الذى يميزهما، فكلنا تلقينا اعتذارات متبوعة بتبريرات تضيع قيمة الاعتذار، لكونها غير مرضية أبدًا، بل إنها فى الحقيقة تتسبب فى أضرار جسيمة”.
وتتتابع المؤلفة: “لقد عكفت على دراسة الاعتذار، وكذلك دراسة الرجال والنساء الذين لا يمكنهم تقديم الاعتذار، على مدار عِقدين، وبالطبع لست محتاجًا إلى أن تكون خبيرًا فى هذه المسألة؛ لتدرك متى لن تحصل على اعتذار مستحق، ومتى ستتلقى اعتذارًا باردًا يحطم معنوياتك؛ فعبارة “أنا آسف” لن تحل المسألة إن لم تكن صادقة، أو كانت مجرد وسيلة سريعة لإنهاء محادثة محرجة، أو أن تكون متبوعة بتبرير أو عذر.
كذلك يمكن التعرف على القوة المهدئة للاعتذار المقنع بشكل فورى، فعندما يقدم إلى شخص ما اعتذارًا صادقًا، أشعر بالراحة والسكينة، ويتبدد أى غضب أو سخط فى نفسي، كما أشعر بحال أفضل حين أتقدم باعتذار، أعرف أننى مدينة به، وأكون ممتنة للغاية لاستطاعتى رأب صدع علاقة ما بعد قطيعة بسبب اقترافى خطأ ما، أو التصرف بسوء، ولا أقول إننى دائمًا بطلة فى الاعتذار، فعلى سبيل المثال، أحب فى علاقتى بزوجى “ستيف” أن أعتذر عن الجانب الخاص بى من المشكلة – وفقًا لحساباتى الشخصية – وأتوقع منه الاعتذار عن الجانب الخاص به – وفقًا لحساباتى أيضًا – وطبعًا لا حاجة إلى قول إننا لا نحسب دومًا الأمور بالشكل نفسه.
وأحيانًا ما يصعب علينا جميعًا الاعتذار لأشخاص معينين، وفى مواقف معينة، وهناك اعتذارات تكون فى تقديمها أكثر سهولة من اعتذارات أخرى؛ فمثلًا نسيانكِ أن تعيدى إلى جارتكِ بعض الأوانى البلاستيكية الخاصة بها، يختلف تمامًا عن محاولة التفريق بينها وبين زوجها. وبالنسبة إلى المواقف التى قد لا تنطوى على أكثر من التصرف بشكل فظ، ربما يكون كل ما يتطلبه الأمر هو مجرد عبارة “أنا آسف” صادرة من القلب، لكن ليست كل المواقف بهذه البساطة.
سيعلِّمك هذا الكتاب كيفية صياغة اعتذار عميق ذى معنى، وفك رموز الاعتذارات التى تحمل فى طياتها إلقاء اللوم عليك، أو الغامضة، أو الفظة تمامًا. وبالذهاب إلى ما هو أبعد من “كيفية صياغة” الاعتذار الجيد، سنستعرض مجموعة من القصص المثيرة للاهتمام، التى توضح مدى أهمية الاعتذار البسيط، ولماذا لا نحسن كثيرًا الاعتذار. كما سنلقى نظرة على الاعتذارات البطولية التى يمكنها فتح باب الصفح والمداواة، ولو فى ظل أصعب الظروف.
وكما يشير عنوان الكتاب فإن الفصول التالية موجهة أيضًا إلى الشخص المجروح أو الغاضب، الذى تلقى اعتذارًا مراوغًا أو غير صادق، أو لم يتلقَّ أى اعتذار على الإطلاق. فعندما نتلقى إهانة أو جرحًا من شخص ما؛ لأنه لا يفهم أنه قد جرحنا، يمكننا تعلم خطوات معينة لازمة لتغيير نبرة الحديث، وجعله يدرك ما صدر عنه من إهانة أو جرح لنا، لكن فى أوقات أخرى قد لا ينجح أى مما نقول أو نفعل فى تغيير الطرف المعتدي، الذى لا يندم على ما فعل. وفى الحقيقة، كلما كان الأذى بالغًا، قل احتمال شعور الطرف المعتدى بالأسف الحقيقي، وسعيه إلى إصلاح الموقف؛ فماذا يفعل الطرف المتضرر إذن؟
إن تحدى الاعتذار والمصالحة هو تجربة تجمع طرفين على الأقل، وكثيرًا ما نوجد على طرفى النقيض من هذه التجربة. ولنبدأ الآن بـ “عينة من الاعتذارات” الموجزة، التى تتراوح بين الاعتذار السهل والمتوسط والصعب.