إضاءات على نصر اكتوبر مرحلة الصمود والمواجهة على ضفتى القناة (1)
بقلم / سهام عزالدين جبريل
لم تكن حرب اكتوبر مجرد حرب مواجهة فقط بل سبقتها مرحلتين هامتين وهى مرحلة مابعد نكسة يونيو 67 مباشرة ، وهى مرحلة الصمود والتصدى ، التى لحقتها حرب الاستنزاف التى مهدت وصنعت الأرض الصلبة والجبهة الوية لملحمة حرب اكتوبر ،
بدأت المرحلة الاكثر صعوبة بعد نكسة يونيو مباشرة وهى المرحلة التى جمعت فيه الجبهة المصرية شتاتها حيث تجميع واعادة بناء القوات المسلحة فى فترة لاتتعد ى بضعة شهور عرفت هذه المرحلة بمرحلة الصمود والتصدى ، تك المرحلة جزء هام يترجم مشاهد عظيمة سجلتها احداث التاريخ وكانت هى اولى اللبنات التى اسست لاسطورة انتصار اكتوبر ، انها مشاهد لابد ان ترسخ فى الوجدان وضمير الاجيال ويجب الا تغيب مشاهدها عن ذاكرة ابناء الوطن واجيالة المتعالقبة ،
بدأت أحداثها فى نهاية يونيو 67م حيث تخيل العدو أن احتلالة لسيناء نصر كبير يمكن ان يساهم فى الامتداد للسيطرة على كامل سيناء واقليم القناة وبالتالى السيطرة على خط مواجهة استراتيجى جديد وممر دولى داخل الارض المصرية يمكن ان يحقق مكتسبات له وهو السيطرة على كامل سيناء وقناة السويس والضغط على مصر بهدف إجبارها على الدخول فى مفاوضات ومساومات للتنازل عن سيناء ، أو إقتطاع اجزاء منها ،
بدأت محاولاته للسيطرة على مدينة بورفؤد الواقعة شرف القناة فى سيناء ، عندما تقدمت المدرعات الإسرائيلية صوب مدينة بور فؤاد بهدف احتلالها يوم 1 يوليو، 1967، فتصدت لها قوة من الصاعقة المصرية بنجاح فيما عرف ( بمعركة رأس العش ) .
ثم تصاعدت العمليات العسكرية خلال الأشهر التالية خاصة بعد مساندة العرب لدول المواجهة أثناء مؤتمر القمة العربية في الخرطوم، ورفض إسرائيل لقرار مجلس الأمن 242 الداعي لانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلها عقب انتصارها الخاطف على العرب خلال حرب يونيو 67.
مرحلة الصمود
اشتملت هذه المرحلة على بعض العمليات المهمة ، التي كان لها تأثير كبير على المستوى المحلي والعربي والعالمي تضافرت فيها جهود قوى مصر الصلبة من القوات المسلحة المصرية على خط المواجهة ومجموعات الفدائيين والمقاومة الوطنية خلف خطوط العدو تكاملت الادوار التئمت الجراح وساندت بعضا البعض فكانت المعارك التمهيديه اتى نجحت فيها واتنا المسلحة واذهلت العدو واظهرت كفاءة وصمود الجبهة المصرية من اول ايامها الاولى بعد جراح نكسة 67م وهي:
معركة رأس العش:
وقعت أحداثها يوم 1 يوليو 1967، وتعتبر هذه المعركة هي الشرارة الأولى للحرب، عندما حاولت المدرعات الإسرائيلية احتلال مدينة بور فؤاد، فصدتها عن المدينة قوة من الصاعقة المصرية. إن نجاح القوات المصرية، ذات القدرات المحدودة في ذلك الوقت وبسالتها، ضد قوات معادية متفوقة يساندها سلاح الجو الإسرائيلي، أثار مشاعر المقاتلين على طول خط الجبهة حمية وحماسا واستعدادا للمواجهة المنتظرة.
معارك القوات الجوية:
خلال يومي 14 و 15 يوليو 1967، نفذت القوات الجوية المصرية طلعات هجومية جريئة ضد القوات الإسرائيلية في سيناء، أحدثت فيها خسائر فادحة، بل أدت إلى فرار بعض من الأفراد الإسرائيليين من مواقعها. ومن هنا زادت الثقة لدى المقاتلين في قواتهم الجوية بعد هذه العملية الناجحة.
معارك المدفعية:
كان الاشتباك الكبير الذي ركزت فيه المدفعية المصرية كل إمكانياتها في قطاع شرق الإسماعيلية يوم 20 سبتمبر 1967، والذي تمكنت فيه من تدمير وإصابة عدد غير قليل من الدبابات الإسرائيلية، وصل إلى 9 دبابات مدمرة، فضلا عن الإصابات في الدبابات الأخرى وعربتين لاسلكي، وقاذف مدفعية صاروخية، بالإضافة إلى 25 قتيل و 300 جريح منهم ضابطين برتبة كبيرة.
إغراق المدمرة البحرية الإسرائيلية إيلات:
كان ذلك يوم 21 أكتوبر 1967، إذ تمكنت زوارق صواريخ البحرية المصرية من إغراق المدمرة ايلات في منطقة شمال شرق بورسعيد، وتعد هذه المعركة أول استخدام للصواريخ سطح سطح. وكانت خسارة فادحة للقوات البحرية الإسرائيلية، خاصة وأن هذه المدمرة كانت تمثل أهمية كبيرة للبحرية الإسرائيلية في ذلك الوقت، كما كانت خسائرها كبيرة في الأرواح، الأمر الذي دفعها لاستئذان مصر عن طريق الأمم المتحدة في البحث عن القتلى والغرقى، في منطقة التدمير شمال بورسعيد، واستمرت في عمليات البحث والإنقاذ لأكثر من 48 ساعة بعد أن وافقت مصر على ذلك.
مصفاة نفط محترقة بالسويس أصابتها قذائف المدفعية الإسرائيلية
ومع استكمال الخطوط الدفاعية وتماسكها في نطاقات عميقة غرب القناة، تكونت احتياطيات الجبهة خفيفة الحركة. وكانت الخطط النيرانية تعتمد على المدفعية بأعيرتها المختلفة. وعندها بدأت الدوريات المصرية المقاتلة من المشاة والقوات الخاصة والمهندسين في التسلل شرقا، ومهاجمة المواقع الدفاعية الإسرائيلية، مع التركيز ضد المناطق الإدارية الإسرائيلية وكانت المدفعية تؤمن أعمالها بالنيران.
كما استمرت معارك المدفعية والتراشق بالنيران طوال مرحلة الصمود، استهلكت فيها آلاف الأطنان من الذخائر بمعدل فاق جميع الحروب السابقة. إضافة إلى نشاط أفراد القناصة المهرة، الذين دربوا لقنص أفراد الجيش الإسرائيلي وقادته، سواء في نقاط المراقبة، أو أثناء تحركهم على الضفة الشرقية للقناة.
وعلى صعيد رد الفعل الإسرائيلي بعد معركة رأس العش، قامت القوات الإسرائيلية يوم 4 يوليو 1967، بمحاولة فاشلة لإنزال لنشات وقوارب في قناة السويس في مناطق القنطرة، وكبريت والشط، وبور توفيق، لإبراز سيطرتها على القناة. إلا أن القوات المصرية تصدت لها في البر والبحر والجو، مما أدى إلى إفشال جميع المحاولات بعد أن أصيب لإسرائيل 8 طائرات، و8 زوارق بحرية، فضلاً عن إصابة وتدمير 19 دبابة، و18 مركبة مدرعة، و27 مركبة محملة بالذخائر، إضافة إلى خسائر كبيرة في الأفراد. في حين كانت خسائر القوات المصرية 25 شهيد و 108 جرحى، وفي المعدات 3 طائرات، وزورقان بحريان.
واستمر تبادل المبادأة وردود الأفعال بين الجانبين. فبعد ثلاثة أيام من تدمير المدمرة ايلات، أي في 24 أكتوبر 1967، وجهت القوات الإسرائيلية على طول الجبهة، قصفات نيرانية مركزة ضد مدن القناة ومصانعها وضد المدنيين. وبطبيعة الحال كان رد القوات المصرية الفوري عليها، حيث اشتعل القتال بالتراشق النيراني، على مدى 24 ساعة متصلة، تكبد فيها الجانبان كثيرا من الخسائر، خاصة في الأفراد المدنيين المتبقين بمدن القناة.
وفي 3 يناير 1968، حاولت هيئة قناة السويس فتح ممر الملاحة بالقناة. فدفعت زورق لاستطلاع مجرى القناة، إلا أن القوات الإسرائيلية فتحت نيرانها عليه، مما اضطر طاقم الزورق إلى العودة. ثم جرت محاولة مرة أخرى قبل ظهر اليوم نفسه وفشلت للمرة الثانية. وعند ذلك تصاعدت الاشتباكات على كلا ضفتي القناة وشملت الجبهة كلها.
وقد انتقلت ردود الفعل كذلك إلى الجانب الإسرائيلي، في نهاية مرحلة الصمود في يونيو 1968، بسبب تكثيف القوات المصرية، من عمليات دفع الدوريات والكمائن إلى الضفة الشرقية للقناة وبمعدل شبه يومي، وفي مناطق متفرقة وغير متوقعة، مع نجاح معظمها في تحقيق نتائج جيدة من تدمير، وخطف أسرى، ووثائق، وأسلحة، والعودة بمعلومات قيمة. فكثفت القوات الإسرائيلية نشاط طيرانها، ضد أهداف مدنية في العمق المصري، مع تصعيدها للقصف المدفعي والدبابات، والتي شملت أحيانا مواجهة الجبهة بالكامل. واستمر الحال على هذا المنوال طوال مرحلة الصمود، التي استنزفت وأجهدت القوات الإسرائيلية، في حرب طويلة ثابتة لم يتعودوا عليها.
عيون مصر اليقظة خلف خطوط لعدو
والقصة تكتمل هنا على أرضنا الحبيبة سيناء ، كان مايتم من اعدادات مرحلة الصمود على جبهة القتاة سبقتها مرحلة هامة جدا، فبعد نكسة 5 يونيو1967م انحصرت قوات الجيش المصرى العائد من خطوط لدفاع الامامية فى مدينة العريش ففى ذلك اليوم كانت البيوت مدينة العريش العاصمة وكل مدن وقرى سيناء البسيطة تستقبل وتحتضن بين أفراد اسرتها خير أجناد الارض من ضباط وجنود افراد القوات المسلحة ،شعر الاهالى بعظم المسؤلية الملقاة على عاتقهم وامانة الحفاظ على رصيد مصر من قواتها المسلحة وافراد جيشها المتواجد فى سيناء حيث قام الاهالى بدور التجميع لافراد القوات و كانت الاسر تضمد جراحهم وتوفر لهم كافة الوسائل لحمايتهم والسهر على راحتهم وخدمتهم وتقديم لهم كل أسباب الحماية لإخفائهم حتى يتم تأمين عودتهم وتوصيلهم بأمان إلى الضفة الغربية للقناة ،
* وقد علم كل بيت من بيوت سيناء بدوره فقد كان أباؤنا لهم دورهم البطولى العظيم كما كانت امهاتنا وجداتنا لهن أدوارهن حيث كن يقمن بتوزع الإختصاصات على من تختار من أفراد الاسرة كبارا وصغارا ليؤدوا مايكلفوا به بكل الحرص والسرية التامة والكتمان ، فقاموا به على أكمل وجه برغم معاناة مواجهة قوات الإحتلال وبطشه ،
مسؤلية التجميع
*لقد كان الهدف الآساسى والهام هو حماية كل جندى ومقاتل مصرى داخل بيوتنا وعلى
ارضنا فى سيناء ، حتى يتم توصيلة لبر الأمان للضفة الغربية للقناة ،
كانت عمليات البحث عن الافراد من الجنود والضباط المواجدين فى سيناء فى الدروب و الوديان والصحارى تتم ليلا وبسرعة كبيرة هدف تأمين وتجميعم لنقلهم الى غرب القناة
وكانت عملية النقل تتم في الخفاء للجنود والضباط عبر الصحراء عن طريق الجمال وصولآ لمنطقة الملاحات عند بحيرة البردويل أو إلى مدينة بئر العبد حيث تنتظرهم قوارب ومراكب صيادو البحيرة لتوصيلهم فى جنح الظلام لمدينة بور فؤاد حيث يتم نقلهم ألى البر الغربى من القناة السويس ، حيث تتسلمهم المخابرات المصرية في بورسعيد ،،، وكذلك عبر دروب الصحراء اتجاها الى مدينة السويس ، وقد استخدم أهل سيناء دوابهم من الجمال والحمير والخيول في عملية النقل التي لم تنتبه لها قوات المحتل الغااصب ،،،
ومثل الجمل سفينة الصحراء دورا بطوليا فى عملية النقل حيث كان يسبح في الماء لنقل الجنود عبر قناة السويس وفى ذلك يشير الكاتب والخبير الاستراتيجي اللواء فواد حسين إلي أن الجمل كان الوسيلة الوحيدة لنقل المواد الغذائية لأهالي سيناء المحتجزين تحت الإحتلال الإسرائيلي بعد عدوان 1967، ثم تم إستخدامه بعد ذلك لنقل الأسلحة والذخيرة والمفرقعات إلي أفراد
منظمة سيناء العربية بالداخل ،،،
وكان أبناء سيناء ينتظرون بالجمال في أماكن معينة شرق القنال لإستلام هذه المعدات التي تنقل إليهم من الغرب عبر القنال أو البحيرات بالزوارق المطاطية أو اللنشات الصغيرة ثم يقوموا بنقلها إلي الداخل
مسؤلية نفل المعلومات
ماأن وضعت حرب يونيو 67 اوزارها واسدلت ضباباتها الكئيبة على مصر وشبه جزيرة سيناء الذى اصبح جزء مغتصب من ارض الكنانة ، بل اسدلت ضباباتها على كل أرجاء المنطقة تشكلت من رحم الالام النكسة والمعاناة عدة منظمات سرية للمقاومة من خلال مجموعات من رجال وشباب المقاومة الشعبية في سيناء ، أبرزها منظمة سيناء العربية التي تم تشكيلها من خلال الإتصال بقادة المخابرات المصرية وتم التنسيق والإستعانة بقرابة 1100 بطل مدنى ، أغلبهم من أهالى سيناء إلى جانب محافظات بورسعيد والإسماعيلية والسويس وسيناء ، وتم تدريبهم على إستخدام الألغام والمتفجرات والقنابل وأعمال الهجوم ضد إسرائيل هؤلاء الأبطال الذين أطلقت عليهم إسرائيل لقب “الأشباح”، حيث كبدوا إسرائيل خسائر كبيرة فى الجنود وفى المعدات وقد قام أعضاء المنظمة بعمليات عسكرية وراء خطوط العدو خلال حرب الإستنزاف التي شنتها قواتنا المصرية على العدو الاسرائيلى ،،، وكان أعضاء المنظمة يقومون بمهام كثيرة من أهمها :
1-جمع المعلومات على تحركات العدو وجنودة ، وقد شملت مساحة عمليات المنظمة كل أرض سيناء شمالها وجنوبها شرقها وغربها .
2-تصوير معسكرات العدو ورصد تحركات الجنود والضباط ومخازن الذخيرة والمؤن .
3-زراعة الألغام في طرق مرور دوريات قوات العدو.
4-تفجير مخازن الأسلحة والذخيرة المتواجدة داخل المعسكرات وفى مناطق التخزين الإستراتيجى .
هذا إلى جانب العديد من العمليات المفاجئة التي كانت تكلف بها وتتم بسرية تامة ،،،
هذه مجرد إضاءات مختصرة عن مرحلة قاسية وصعبة وهى كانت تشكل جوهر الاعداد للمواجهة الاكبر للسنوات الاصعب والتى اديرت رحاها فى خط المواجهة على عرض وطول ضفتى قناة السويس .والمتمثلة لحرب الاستنزاف التى مهدت لعبور اكنوبر العظيم ،،،
، ومازال للحديث بقية .
خالص تحياتى / سهام عزالدين جبريل [dropcap][/dropcap]