آراء وتحليلات

إضاءات مشر قة على نصر اكتوبر حرب الإستنزاف بين عتمة الهزيمة وإشر قات النصر(3)

بقلم / سهام عزالدين جبريل


كانت حرب الإستنزاف (بالعبرية: מלחמת ההתשה) أو حرب الألف يوم كما أطلق عليها بعض الإسرائيليون ، وهو مصطلح أطلقه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر على فترة مابعد إنتهاء مرحلتى الصمود والتصدى ، واتى مثلث مرحلة هامة وحاسمة للخروج من عتمة الهزيمة إلى بشائر إشر قات النصر ، أظهرت فيها بطولات عظيمة للجيش المصرى وسجلت ملحمة صمود وتصدى وبطولة ، تمثل وسام فخر لكل المصريين بل لكل العرب ،
استمرت الحرب لنحو ثلاث سنوات، وخلالها استهدفت غارات سلاح الجو الإسرائيلي المدنيين المصريين وضرب المدارس لارهاب الاطفال مثل مأساة مذبحة بحر البقر، كنت محاولات العدو وهدفها إخضاع القيادة السياسية المصرية، مستخدمين في ذلك مقاتلات الفانتوم الأميركية الحديثة. كما استعان المصريون بالخبراء السوفييت وصواريخ الدفاع الجوي السوفياتية لتأمين العمق المصري. وشهدت الحرب أيضًا معارك محدودة بين إسرائيل وكل من سوريا والأردن والفدائيين الفلسطينيين. وفي 7 أغسطس، 1970 انتهت المواجهات بقرار الرئيس عبد الناصر والملك حسين قبول مبادرة روجرز لوقف إطلاق النار. ولم تؤد الحرب إلى أي تغييرات في خطوط وقف إطلاق النار، ولم تنجح كذلك المساعي الهادفة للتوصل إلى تسوية سلمية بسبب التعنت الإسرائيلي، وإنما سادت حالة من اللا سلم واللا حرب، والتي أدت بدورها إلى نشوب حرب أكتوبر بعد ثلاث سنوات ،
خلال هذ السنوت تخللتها عدة مراحل هامة جدا بدأ من مرحلة الصمود ثم مرحلة الدفاع النشط أو المواجهة تلتها المرحلة اكثر قوة وهى مرحلة التحدي والردع أو الاستنزاف واتى تكونت من مرحتين هامتين هى المرحلة الاولى – من 8 مارس وحتى 19 يوليو 1969، ثم المرحلة الثانية – من 20 يوليو وحتى نهاية عام 1969، ومع بداية عام 1970م سادت حالة من اللاسلم واللاحرب استمرت قرابة الثلاث سنوات ، والتى اخترقت ظلامها إشراقة حرب اكتوبر التى اذهلت العالم كله لتتحول هذه الحالة اجامدة الى إنطلاقة قوية فى 6اكتوبر 73م مثلت حالة إنتصار ساحق وبجدارة ،
مرحلة التحدي والردع أو الاستنزاف
طبقا للتخطيط المصري، كان شهر فبراير 1969 يمثل نهاية الشهور الستة المحددة، كمرحلة انتقالية بما كان يطلق عليه الدفاع النشط. وشهد مارس 1969 أهم مراحل التصعيد العسكري ما بين الجولتين الثالثة والرابعة في الصراع العربي الإسرائيلي. وقد أديرت هذه المرحلة سياسيا وعسكريا بتنسيق متكامل لتحقق الهدف منها ولتتوازن في التصعيد والتهدئة. وتحددت مهامها في تقييد حرية تحركات العدو على الضفة الشرقية للقناة، وإرهاقه وإحداث أكبر خسائر به، وكانت هـذه المرحلة التي امتدت من يوم 8 مارس 1969 إلى 8 أغسطس 1970، طويلة وشاقة، وهي لا تقـل عسكريا عن أي جولة من جولات الصراع العربي الإسرائيلي، بل تعد
أطول جولة في تاريخ هذا الصراع ارتبطت بمراحل زمنية قصيرة جدا توالت تباعا .
المرحلة الاولى – من 8 مارس وحتى 19 يوليو 1969
بدأت هذه المرحلة صباح 8 مارس 1969، وامتدت إلى 19 يوليو من العام نفسه، وتميزت بسيطرة مطلقة للقوات المصرية على خط الجبهة. وكانت المدفعية هي الوسيلة الرئيسية للعمل خلالها، حيث صبت على حصون خط بارليف، والأهداف الأخرى، حوالي 40 ألف قذيفة، بادئة أعمالها يوم 8 مارس بأكبر حشد نيراني مؤثر منذ توقفت نيران حرب يونيو. واستمر هذا القصف ساعات متواصلة، اشتركت فيه 34 كتيبة مدفعية، يعاونها حشد من أسلحة الضرب المباشر كالمدافع المضادة للدبابات، والدبابات الثقيلة عيار 122 مم، لتدمير مزاغل نيران دشم خط بارليف. وقد أحدث هذا القصف تأثيرا شديدا على الطرف الآخر القابع شرق القناة، حتى وصل حجم الخسائر تدمير حوالي 29 دبابة، و30 دشمة في خط بارليف، وإسكات 20 بطارية مدفعية، وحرائق شديدة في ست مناطق إدارية، وغير ذلك من الخسائر.
وفي الساعة 3:30 من بعد ظهر يوم 9 مارس 1969، استشهد الفريق عبد المنعم رياض أثناء جولة له ومعه مجموعة قيادته، في قطاع الجيش الثاني الميداني، في منطقة النقطة الرقم 6 بالإسماعيلية، وذلك عندما أطلق الجانب الإسرائيلي نيران مدفعيته وانفجار إحدى الدانات بالقرب منهم، حيث أصابتهم جميعا واستشهد الفريق عبد المنعم رياض أثناء إخلائه.
قاذفة اليوشين مصرية تقصف أهداف إسرائيلية شرق القناة خلال حرب الاستنزاف
في 13 مارس 1969، وقع حدثان متضادان في وقت واحد وفي منطقة واحدة، حيث بدأت إغارات القوات المصرية لتدمير موقع للجيش الإسرائيلي، في منقطة جنوب البحيرات نفذتها الكتيبة 33 صاعقة، ونجحت في مهمتها ودمرت الموقع، وخطفت أسيراً، وأصابت دبابتين، وغنمت عينات من أسلحة العدو وألغامه.
وفي الوقت نفسه، كانت القوات الإسرائيلية تحاول إنزال قوارب، والإغارة على منطقة قريبة في منطقة جنوب البحيرات أيضا، حيث قوبلت بنيران شديدة من القوات المصرية التي كانت على أعلى درجة الاستعداد لتأمين إغارتها. وبذلك أفشلت المحاولة واستمرت الاشتباكات بالنيران طوال الليل.
ولم تجد القوات الإسرائيلية وسيلة للرد سوى إعادة قصف مدن القناة. فقصفت قطار السكة الحديد في مساره بين الإسماعيلية والسويس في منطقة الشلوفة. واستمرت القوات المصرية في تصعيد أعمالها القتالية. حتى كان يوم 17 إبريل 1969، حيث نفذت قوات الجيش الثاني الخطة هدير، بتوجيه مدافع الدبابات الثقيلة إلى فتحات المراقبة والتسديد لدشم خط بارليف لتخترقها. وتفجرت الدشم من الداخل وقتل الأفراد المتحصنين بها. وقد نجحت الخطة تماما بما أدى إلى تطاير تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال موشى ديان، واعدا ومهددا القوات المصرية التي لم تعبأ بتهديده، بل أعادت الإغارة على نقطة دفاعية قوية جنوب البلاح لتدمرها. وكان الرد الإسرائيلي متوقعا، حيث أغار يوم 29 إبريل 1969 على محطة محولات نجع حمادي للمرة الثانية، وأسقط عبوات ناسفة زمنية قرب إدفو أصابت بعض المدنيين الأبرياء. وكان الرد المصري مباشرا وسريعا وفي الليلة التالية مباشرة، بالإغارة على
نقطة جنوب البلاح للمرة الثانية ونسفها بالكامل.
خلال شهري يونيو ويوليو، تصاعدت الغارات من الجانبين. فقد نفذ الجانب الإسرائيلي خمس
إغارات، استهدفت مواقع منعزلة على ساحل خليج السويس والبحر الأحمر، كان أهمها العملية بولموس أو الإغارة على الجزيرة الخضراء شمالي الخليج يوم 19 يوليو 1969، التي قادها الجنرال رفائيل ايتان، واستهدفت في الأساس موقع الرادار في الجزيرة. وقد أبدت القوات المدافعة جسارة نادرة شهد لها الأعداء قبل الأصدقاء، لدرجة أن قائد الموقع لما شاهد نجاح القوات الإسرائيلية في الوصول إلى الجزيرة، طلب من المدفعية قصف الجزيرة بالكامل، بما فيها من إسرائيليين ومصريين وكان من نتيجة ذلك أن فشلت الإغارة وتكبد الإسرائيليون خسائر كبيرة، أجبرت الجنرال ايتان على الانسحاب.
وفي المقابل شنت القوات المصرية غارات ناجحة على نقط الجيش الإسرائيلي القوية، أحدثت تدميرا وخسائر في نقطتي شمال البلاح والشط. أما الإغارة على نقطة لسان التمساح شرق مدينة الإسماعيلية، وهي النقطة التي أصابت الشهيد الفريق عبد المنعم رياض، فكانت هي الثأر المدبر من القوات الخاصة المصرية بقيادة الشهيد المقدم إبراهيم الرفاعي. فقد أغارت هذه القوات المدربة على أعلى مستوى ليلة 8 يوليو 1969، وقتلت وأصابت حوالي 30 جنديا إسرائيليا، ودمرت دبابتين، ونسفت 4 دشم، وخسرت هذه القوات 9 شهداء. أما الإغارة الأخرى التي أصابت القيادة الإسرائيلية في مقتل فكانت هي الإغارة على نقطة لسان بور توفيق ليلة 11 يوليو، وفي التوقيت نفسه، إغارة أخرى على النقطة القوية في منطقة القرش شمال الإسماعيلية. وقد نتج عن إغارة لسان بور توفيق قتل وجرح 40 فردا، وتدمير خمس دبابات وأربع دشم، وأسير واحد، دون أن تتكبد القوات المصرية أي خسائر.
وقد أدت نتائج هذه الإغارات الأليمة إلى تغيير جذري في خطط إسرائيل لمجابهة الاستنزاف المصري، والتصعيد بالاستنزاف المضاد، إلى مرحلة أكثر شمولا بإدخال الطيران الإسرائيلي ذراع إسرائيل الطويلة في المعركة وتنفيذ العملية بوكسر. ويقول زئيف شيف المحلل الإسرائيلي في كتابه عن حرب الاستنزاف. أن عملية لسان بور توفيق هي التي أنهت الجدل داخل أروقة القيادة الإسرائيلية حول حتمية تدخل الطيران في المعركة. ويستطرد: ” لقد كان هذا النجاح هو أبرز ما حققه المصريون، ومن الواضح أنه كان سيحفزهم إلى نشاط أكبر، لا مناص عن إيقافهم عنه بسرعة “. كما ذكرت صحيفة معاريف نقلا عن المتحدث العسكري الإسرائيلي: ” أمام الضغط الهائل الذي مارسه المصريون في الجبهة، والحياة التي أصبحت لا تطاق على الضفة الشرقية للقناة، أقدمت القيادة الإسرائيلية على استخدام سلاح الطيران، الذي كانت كل الآراء تصر على الاحتفاظ به للمستقبل “. وقد مهدت القوات الإسرائيلية لدفع الطيران بمحاولة التخلص من بعض الرادارات المصرية ونقط المراقبة الجوية. لذلك كان القصف الجوي ضد وحدة الرادار المصرية في الأردن يوم 22 إبريل 1969، وكذلك إغارة الجزيرة الخضراء، وإغارة الأدبية، ضد نقطة مراقبة جوية منعزلة.
عيون مصر خلف خطوط لعدو
وكالعادة كانت الصورة تكتمل فصولها هنا على أرضنا الحبيبة سيناء ، فكان مايتم من اعدادات على جبهة القناة كانت تستكمل جزء هام من فصولها خلف خطوط العدو وعلى أرض سيناء المحتلة حيث استمرت منظمة سيناء فى تواصها مع القيادة فى مصر ومع رجال المخابرات الحربية حيث قويت أواصر التواصل والإتصال بين جبهة المواجهة وخلف خطوط العدو حيث نشطت العمليات العسكرية وراء خطوط العدو إلى جانب الدور الهام فى :
جمع المعلومات على تحركات العدو وجنودة ، شملت مساحة عمليات المنظمة كل أرض سيناء شمالها وجنوبها شرقها وغربها مع رسم خرائط قواعده ومرتكزاته الإمنية وتصوير معسكراته ورصد تحركات الجنود والضباط ومخازن الذخيرة والمؤن ، وزراعة الألغام في طرق مرور دوريات قوات العدو، وتفجير مخازن الأسلحة والذخيرة المتواجدة داخل المعسكرات وفى مناطق التخزين الإستراتيجى لقوات العدو ، فى الأراضى المحتلة وداخل العمق الإسرائيلى ، هذا إلى جانب العديد من العمليات المفاجئة التي كانت تكلف بها وتتم بسرية تامة ،،،
ويعتبر يوم 23مارس 1969م من الأيام المشهودة حيث إستخدم فدائيوا المنظمة الصواريخ لأول مرة الذى قامو فيها بضرب مركز قيادة ورادار العدو بمنطقة البرج ، شرق القناة وعلى بعد ثمانية عشرة كيلو مترا من مدينة القنطرة شرق ، وبعد ضرب البرج توالت الإنفجارات في مخازن الذخيرة والوقود وشوهد العدو وهو يخلى عددا من القتلى والجرحى في منطقة الحدث ، مما أثار غضب قوات الإحتلال وإّذدادات أدوات بطشه للإهالى بكأفة أنواعها
وبرغم ذلك فقد نشطت المقاومة وتصاعدت وتيرتها ، وتعددت أشكالها من مواجهة صريحة مع سلطات الإحتلال والتي جاءت كمنظومة متناغمة لدعم القوات المصرية على جبهة القتال خلال حرب الإستنزاف ، وكان الهدف واضح ومخطط له جيدا وهو الحفاظ على أرض سيناء وحمايتها والضغط على العدو وإستنفاذ قوته من وراء خطوطة داخل سيناء المحتلة ، بغية إنهاكه وذلك لدعم مرحلة الإستنزاف التي بدأها الجيش المصرى على الجبهة ، فكان التنسيق لذلك الهدف معد إعدادا جيدا من قبل رجال المقاومة بالتعاون مع الأهالى ، حيث أخذت المقاومة في هذه الفترة عدة أشكال متمثلة في الإضرابات والمظاهرات وأخرى عمليات زرع الألغام والمتفجرات وتدمير الطرق والمستودعات التي كان يستخدمها العدو الإسرائيلي ، والذى كانت تقوم به المقاومة من عمليات سريعة وخاطفة ضد العدو داخل سيناء بهدف إعلامه بان بقائه علي الأرض المصرية سيكون أمرا مكلفا ومميتا ومرهقا ، وأيضا للحيلولة دون حصوله علي فترة هدوء تمكنه من الاستقرار والبناء وتهويد وابتلاع الارض المصرية ،،،
كما تواصل النضال الوطنى من قبل الأهالى حيث تصاعدت حدة الرفض والمقاومة والتي تزامنت مع الإنتصارات التي كان يحققها الجيش المصرى على الجبهة مع إنطلاقة مرحلة حرب الإستنزاف كما توسعت منظمة سيناء في عملياتها التي إستهدفت قوات العدو وحققت خسائر له في المعدات والأفراد خلال مرحلة الاستنزاف وحتى ، انتصار أكتوبر المجيد ،
وبرغم معاناة الأهالى من معاناة المواجهة إلأ انه كانت تسود حالة من الثقة واليقين بأن في نضالهم الوطنى الكبير ودورهم الرئيسى في هذه المرحلة ، ودعمهم للقوات الجيش والمساهمة بدور فاعل في إدارة حرب الاستنزاف ، ومهاجمة قواعد العدو ومخازن ذخيرته وقواته بسيناء بهدف إضعافه ، وهو الدور الهام والمكمل والذى ساهم فى الإنتصار الكبير، في السادس من أكتوبر 1973م ، ومازال للحديث بقية .
————————–
خالص تحياتى / سهام عزادين جبريل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *