الإفتاء تواصل مناقشة تجديد الفتوى بـ”ضوابط الإفتاء في قضايا حقوق الإنسان”
هناء السيد
انتهت فعاليات الجلسة الثالثة من المؤتمر العالمي للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم والتي ترأسها دار الإفتاء المصرية، حيث ناقشت قضية “ضوابط الإفتاء في قضايا حقوق الإنسان”.
شارك في الجلسة أصحاب الفضيلة؛ سماحة الشيخ/ الحبيب علي الجفري رئيس مؤسسة طابة بأبو ظبي، ومعالي الأستاذ الدكتور/ أحمد عطية وزير الأوقاف والإرشاد اليمني، وفضيلة الأستاذ الدكتور/ محمد قاسم المنسي وكيل كليه دار العلوم لشئون الطلاب جامعة القاهرة، وسماحة الشيخ/ شعبان رمضان موباجي مفتي جمهورية أوغندا، وفضيلة الشيخ/ أحمد ممدوح سعد، أمين الفتوى، ومدير إدارة الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية.
من جهته أثني الدكتور محمد قاسم المنسي أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة في مستهل كلمته على منهج ورؤية دار الإفتاء المصرية في سيرها على طريق معالجة النوازل والمستجدات وعلى جهودها الرامية للوصول إلى خطاب إفتائي رصين، يبسط مظلة الشريعة على جوانب الحياة كافة في سلاسة ويسر، ويأخذ بيد الناس إلى الوسط والعدل الذي يحفظ الحياة والأحياء، ويجنبهم ويلات التشدد والتطرف والعنف، ويرسم لهم طريق النجاة والسلامة والاستقرار؛ ومن هذه الجهود اختيارها أن يكون التجديد في الفتوى بين النظرية والتطبيق موضوعا لمؤتمر عالمي، يُدعَى فيه أهل الفتوى من كل مكان في العالم للتباحث والتشاور من أجل الوصول إلى لغة إفتائية متميزة، تستشرف مصالح الناس، وتستهدي مقاصد الشريعة، وتسهم في تحقيق آمال الشعوب في حاضر ينعم بالهدوء والاستقرار، وغَدٍ يكون أكثر استقرارًا وأمنا.
وتحدث الدكتور المنسى عن الإفتاء والهندسة الوراثية مستهلًا ببعض التعريفات الخاصة كمصطلح الإفتاء والهندسة الوراثية مؤكدًا على أن الهدف من الهندسة الوراثية هو السعي إلى تغيير الصفات الوراثية الخِلقية والتحكم فيها، وأن هذه التدخلات تكون وسيلة إما للوقاية من الأمراض أو التشوهات، أو وسيلة علاج تزيل المرض الحادث أو تخفف من ضرره.
وأوضح د. المنسي أن هناك قواعد تحكم النظر الفقهي في المستجدات الطبية منها قاعدة تحقق المصلحة ودرء المفسدة ، وكذلك النظر في المآلات، ورفع الحرج، وكذلك قاعدة الوسائل والمقاصد.
ولفت د. المنسي النظر إلى مجالات استخدام الهندسة الوراثية وهي تشخيص الأمراض، والعلاج وصناعة الدواء، وزيادة وتحسين الإنتاج الحيواني والنباتي، والاستنساخ في الإنسان.
وقدم الدكتور المنسي عدة نتائج في موضوع الهندسة الوراثية منها اهتمام الشريعة الإسلامية بالتداوي وطلب العلاج والحث عليهما؛ كالهندسة الوراثية فيمكن الاستفادة منها في الوقاية من الأمراض أو في إنتاج العقاقير والأدوية التي تعالج بعض الأمراض، أو تخفف الضرر منها، ما دام أنه لا يترتب على استعمالها ضرر أكبر، وكذلك لا يجوز شرعا استخدام الهندسة الوراثية في الأغراض الشريرة، وفي كل ما هو محرم شرعا، أو للعبث بالحياة الإنسانية، أو للتدخل في بنية المورثات الجينات بدعوى تحسين السلالة البشرية، كما أنه يجوز استخدام الهندسة الوراثية في تحسين وزيادة الإنتاج النباتي والحيواني، بشرط الأخذ بكل وسائل الحيطة والحذر؛ لمنع حدوث أية أضرار بالإنسان أو بالحيوان أو بالبيئة، وكذلك لا يجوز استخدام الهندسة الوراثية في تعديل صفات وراثية في الإنسان من أجل الحصول على نسل مُحسَّن، كزيادة صفة الذكاء، أو تغيير لون البشرة، أو العين، أو ما شابه ذلك؛ لأن ذلك التدخل يؤدي إلى مفاسد وأضرار تحدث الخلل في الحياة البشرية، كما أن هذه المساعي قد تُستغَل لأغراض تهدر كرامة الإنسان، وتفسد الطبيعة التي خلقنا الله عليها، وأخيرًا لا يجوز إجراء أية معالجة أو تشخيص يتعلق بمورثات جينات إنسانٍ ما إلا للضرورة، وبعد إجراء تقويم دقيق وسابق للأخطار والفوائد المحتملة المرتبطة بهذه الأنشطة، وبعد الحصول على الموافقة المقبولة شرعا، مع اتخاذ الاحتياطات كافة التي تحفظ احترام الإنسان وكرامته.
واختتم د. المنسي كلمته بإعلانه عدة توصيات منها الدعوة إلى الاهتمام بمراكز البحوث الخاصة بالهندسة الوراثية؛ بحيث تكون خاضعة للرقابة الدائمة، وتكون أعمالها تحت الرقابة الشرعية؛ حتى لا تُستغَل في امتهان كرامة الإنسان والعبث به، مما يعود على الجنس البشري بالضرر والفساد، وكذلك التأني في إصدار وإبداء الحكم الشرعي في المسائل المتعلقة بالهندسة الوراثية؛ وذلك حتى تظهر كل أبعادها بصورة لا تحتمل اللبس، وأخيرًا ضرورة مواصلة البحث والدراسة في حقل الهندسة الوراثية؛ لما ينطوي عليه ذلك من آمال كبيرة في علاج الكثير من الأمراض، وتَجنُّب الكثير من المخاطر التي لم يهتدِ الطب فيها إلى علاج ناجع حتى الآن.
وقال سماحة الشيخ شعبان رمضان موباجي مفتي جمهورية أوغندا إن مسألة حقوق الإنسان أصبحت تتصدر اهتمامات المجتمعات الدولية وتختلف فيها وجهات النظر، ويتسع المجال للمغالطات والمزايدات، كما أنها لدى البعض أصبحت مدخلا لتشويه المسلمين والإضرار بسمعتهم، بل تجاوز الأمر إلى النيل من الإسلام والمسلمين، والطعن في شرائع الإسلام ومبادئ وكأن الحفاظ على الإنسان وكرامته لم يعرف إلا في العرب، وهذا غير صحيح، حيث إن الإسلام هو الحضارة الوحيدة التي قدمت المفهوم الكامل لحقوق الإنسان.
وأضاف الشيخ موباجي : ولعل من أهم أسباب مشكلات الفتوى في عصرنا الحاضر هو ضعف العلم بالنصوص والأدلة والضوابط وأصول الاستنباط والتفسير والتأويل وقلة عدد المؤهلين للفتوى ودعاوى التجديد ومسايرة العصر واستعانة بعض وسائل الإعلام بالإفتاء ممن ليسوا أهلا لهذا، ومراعاة المصلحة الخاصة والميل إلى الهوى وعدم الخوف من الله وعدم الفهم الصحيح للتيسير في الإسلام وعدم فهم المتصدرين للفتوى وفقه الواقع ومآلاته.
وتابع مؤكدا انه من خلال الحلول والضوابط يكون للفتوى مكانتها اللائقة ومنها: تعميق الشعور لدى الأفراد والمجتمعات بأهمية منصب الإفتاء، وكذلك تأسيس الفتوى على علم صحيح مبناه الكتاب والسنة أو الإجماع أو القياس الصحيح، أو الأصول الشرعية المعتبرة، وكذلك الإحتياط البالغ في الأحكام التفكيرية، فلا يجوز تكفير مسلم إلا بإتيانه أحد نواقض الإسلام الذي لا يقبل التأويل، وأخذ الحذر من الفتاوى المضللة الداعية إلى سفك الدماء بغير حق، والتأكيد على أن حفظ الدماء المعصومة هو من أعظم مقاصد الشريعة، مع ضرورة أن يقوم المفتون بواجباتهم في التصدي للفتوى الشاذة والرد عليها، مع أهمية الاستفادة من المجامع الفقهية ومؤسسات الفتوى والإجتهاد الجماعي ، مع الإكثار من إنشاء المعاهد التي يدرس فيها المتفوقون والمتميزون من خريجي كليات الشريعة حتى يتأهلوا لشأن الفتوى وحتى يكثر عدد من يقومون بالإفتاء، وبيان المسائل الفقهية للتغلب على الفتاوى الباطلة والشاذة عبر الوسائل المختلفة وشبكات التواصل الإجتماعي.
وتحدث فضيلة الشيخ/ أحمد ممدوح سعد أمين الفتوى، ومدير إدارة الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية، في بداية كلمته عن أهمية الإفتاء والفتوى وحكم وإجراءات ومجالات الإفتاء مؤكدًا على أن المفتي ابن بيئته، ليس له أن يُفتي بمعزل عن مؤثرات الواقع وقضايا الزمان والمكان.
وعن الأثر الإيجابي للإفتاء في الحفاظ على الأسرة “فتاوى دار الإفتاء نموذجًا”، قال الشيخ ممدوح من المقرر أ ن الفتوى الدينية تتداخل وحياة الإنسان؛ ذلك أن أفعال المكلف تعتريها الأحكام التكليفية الخمسة، فمن الأفعال ما يُحكم عليه بالواجب، ومنها ما يُحكم عليه بالمندوب، ومنها ما يُحكم عليه بالحُرمة، ومنها ما يُحكم عليه بالكراهة، ومنها ما يُحكم عليه بالحُرمة، كل ذلك بمجرد تعلق المكلف بالفعل، فتدخل الفتوى في المسائل المتعلقة بالأسرة؛ لتصحيح أفعال المكلفين وإبراء ذممهم ما أمكن. وفي طريق الإفتاء في المسائل المتعلقة بالأسرة، تلعب الفتوى دورًا بارزًا، وفاعلا رئيسا في الحفاظ على الأسرة والعمل على استقرارها.
وأضاف الشيخ ممدوح أن من ضمن المؤسسات الكبرى التي تعمل في المجال الإفتائي “دار الإفتاء المصرية” بما لها من خبرة كبيرة في هذا الشأن، وقد صدرت عن دار الإفتاء المصرية مجموعة من الفتاوى المتعلقة بالشأن الأسري فها معالجات لموضوعات متفرقة تتعل ق بحقوق كلا الزوجين، وواجباتهما، وشكل الأسرة، وعوامل استقرارها، وما إلى
ذلك.
وأوضح الشيخ ممدوح أن دار الإفتاء المصرية قد وضعت مجموعة من الأسس والمنهجيات والضوابط للتعامل مع النوازل المستجدة، ووضعت في ذلك مجموعة من البحوث والكتب، وأصدرت جمُلة من الفتاوى ظهر فيها الأثر العلمي والإفتائي في التعامل مع المستجدات، خاصة فيما يتعلق بالأسرة واستقرارها.
وختم الشيخ ممدوح النظر كلمته بقوله إن الفتاوى التي تصدر عن الدار قد سعت إلى الاحتياط ما أمكن بشأن تفكيك الأسرة، وأن تكون الفتاوى الصادرة عنها، تصب في مصلحة بقاء الكيان الأسري. وقد رصدنا مجموعة من الفتاوى التي صدرت عن الدار وكان الصفة الغالبة عليها في معالجاتها للموضوعات هو الحفاظ على استقرار الأسرة، من هذه الفتاوى فتوى عمل تحليل البصمة الوراثية لإثبات النسب، ومدى الاعتداد بالبصمة الوراثية في إثبات النسب، وفتوى انتهاء فترة كفالة اليتيم أو مجهول النسب، وفتوى تسمية الطفل المكفول مجهول النسب باسم كافله، وفتوى تحريف لفظ الطلاق، وفتوى ثبوت المحرمية بالرضاع حال استخدام جهاز الرضاعة الصناعي، وفتوى الدخول بالمعقود عليها قبل الزفاف.