سلطنة عمان تحتفل بالعيد الوطني الثامن والأربعين وسط اهتمام عربي وعالمي
هناء السيد
تواصل سلطنة عمان احتفالاتها بالعيد الوطني الثامن والأربعين، والذي يتوج مسيرة نصف قرن تقريباً من البناء والتنمية، وسط اهتمام عُماني غير مسبوق بمواصلة بناء مشروعاتها الاقتصادية العملاقة التي تعمل على استدامة وتعزيز التنمية، من أجل الرقي بالإنسان العُماني وتحقيق طموحاته على كافة المستويات وكذلك وسط اهتمام عربي وعالمي لسبر أغوار التجربة العُمانية على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وفي هذا السياق كشف تقرير التنمية البشرية لعام 2018 الذي صدر الأسبوع الماضي عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، عن مكانة متقدمة حققتها سلطنة عُمان، إذ تقدمت أربعة مراكز عن العام الماضي لتكون في المركز الـ 48 عالميا من بين 189 دولة والخامس عربيا وخليجيا كما تم تصنيف السلطنة للمرة الأولى منذ إدراجها في التقرير ضمن الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة جدا.
ويعد الدليل قياسا مختصرا للتنمية البشرية إذ يقيس متوسط الانجازات المحققة في بلد ما لثلاثة أبعاد أساسية للتنمية البشرية وهي: حياة مديدة وصحية واكتساب المعرفة ومستوى المعيشة اللائق.
أدركت سلطنة عُمان منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي وحتى اليوم وعلى مدار 48 عاما، أن الإنسان هو صانع الحضارة، وهو هدف كل تنمية وتطوير وأن التنمية البشرية على رأس عوامل الرقي والتقدم، والوسيلة الناجعة لبناء المجتمع وتحقيق الرفاهية.
مفهوم واسع للتنمية البشرية
فمنذ عام 1970 تتبنى عُمان مفهوماً واسعاً لتنمية الموارد البشرية؛ حيث تضع الإنسان على رأس هرم التنمية، باعتباره الهدف والغاية، وليس وسيلة فقط لتحقيقها حسب المفهوم التقليدي للتنمية، لهذا اهتمت كافة خطط التنمية السابقة بتنمية الموارد البشرية وفق هذا المفهوم الواسع.
ومن خلال انتهاج سياسات وآليات عملية متكاملة لتنمية الموارد البشرية، نجحت عُمان في مسايرة ومواكبة معطيات القرن الحادي والعشرين، إذ تتركز الجهود على تنمية الموارد البشرية بأوسع معانيها.
إذ تتسم استراتيجية التنمية البشرية في سلطنة عُمان بالشمولية ولا تقتصر على تطوير الكوادر الوظيفية والمهارات المهنية المختلفة، وإنما تبدأ نظرياً وعملياً من المدرسة؛ حيث يبدأ العمل على بناء جيل قادر على التعلم المُستمر وتحمل مسؤولية التنمية وبناء الوطن، والتعامل مع الحياة العصرية ومُعطياتها التقنية.
وتضمنت الخطط الخمسية العُمانية من الأولى وحتى التاسعة اهتماً خاصاً بالعلم والتعليم، وترجم ذلك ليس فقط في زيادة عدد المدارس والجامعات من الناحية الكمية، وإنما في نوعية المحتوى العلمي، فتم ابتعاث البعثات العلمية إلى الخارج، للاستفادة من التطورات التقنية والتكنولوجية، وحققت السلطنة مراكز دولية متقدمة في مجال الأبحاث والاختراعات العلمية.
وتبنت سلطنة عُمان نظام تعليمي قادر على تنمية القدرات الإبداعية للطلاب وتعظيم قدراتهم على التخيل والابتكار والتفكير بعيداً عن عمليات التلقين والحفظ والتكرار، وكذلك انتقال المبادرة من المعلم إلى المتعلم، ومن التعليم إلى التعلم، وبالتالي التركيز على ثقافة الإبداع دون ثقافة الذاكرة.
ولم تحقق سلطنة عُمان هذه المراكز المتقدمة من فراغ وإنما نتيجة جهود متواصلة في: التركيز على جودة التعليم، وتوسيع قاعدة التعليم التقني والتكنولوجي ذي الأبعاد المرتبطة بالتنمية، ولعل تأسيس جامعة عُمان يمثل ترجمة حقيقية لهذه التوجهات الجديدة، إذ تكون الدراسة التعليمية مرتبطة بالواقع أي بالمصانع والشركات والمؤسسات الخدمية القائمة، وذلك من شأنه أن يسهم في تخريج أجيال مستوعبة للواقع وتطلعاته.
فضلاً عن تركيز السلطنة في خططها المستقبلية على التنمية الاجتماعية خاصة في جوانبها المتعلقة بمعيشة المواطن بما يتيح المزيد من برامج التدريب والتأهيل ورفع الكفاءة الإنتاجية والتطوير العلمي والثقافي والمعرفي والسعي بفعالية لتوفير فرص عمل منتجة ومجزية للشباب العماني، وتركيز الجهود على تحسين الاندماج الاجتماعي وصولاً إلى هدف التشغيل الكامل للقوى العاملة الوطنية.
وتأتي احتفالات السلطنة بهذا اليوم وهي تمضي قدما في ظل مجد عظيم خالد، رسخ السلطان قابوس أركانه، ورسم طريقه وأهدافه ووضع قيمه المُتزنة، وعاداته وتقاليده السمحة، فكانت الدولة العصرية التي يشهد العالم بإسهامها الحضاري والفكري وحضورها الفاعل في المحافل الإقليمية والدولية ومنجزاتها التنموية المحققة على الصعيد الداخلي، الشاهدة على حجم الجهود الحكومية التي بذلت منذ فجر النهضة عبر الخطط والبرامج التنموية، والتي كان ولايزال غايتها الإنسان والمجتمع وشملت كافة القطاعات كالتعليم العام والعالي، والخدمات الصحية والاجتماعية، وخدمات الكهرباء والمياه والنقل والاتصالات والموانئ والمطارات، وسوق العمل المستوعب لجهود الرجل والمرأة على حدٍّ سواء.
إن يوم الثامن عشر من نوفمبر يحمل في ثناياه مسيرة قائد سياسي وعد فأوفى وسعى مخلصا رغم التحديات الجسام لاستعادة مكانة عُمان العريقة التي عُرفت بها منذ القدم، حيث أرسى دعائم الوحدة الوطنية باعتبارها ركيزة راسخة تنطلق منها وترتكز عليها جهود التنمية المستدامة في شتى المجالات.
كما حرص على إعلاء قيم العدالة والمواطنة والمساواة وحكم القانون وتدعيم أركان دولة المؤسسات في اطار الدولة العصرية التي ينعم فيها المواطن والمقيم بالأمن والأمان، وتتحقق فيها للجميع أجواء الطمأنينة وصون الحقوق في ظل حكم وسيادة القانون.
تنويع اقتصادي
لقد حققت السلطنة طوال العقود الأخيرة الماضية إنجازات كبيرة في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الأساسية والبنية الأساسية دفعت بالمستويات المعيشية للمواطنين إلى مستويات عالية حيث تتحقق تلك الإنجازات من خلال السياسات القطاعية لكافة الوحدات الحكومية من خلال الاستخدام الأمثل للموارد والمخصصات، والتي تتطلب مشاركة المواطنين.
ويُعد القطاع اللوجستي في سلطنة عُمان، أحد أبرز القطاعات الواعدة والتي ستسهم في تنويع الاقتصاد الوطني، ضمن رؤية عُمان 2040، ولذلك تقوم الحكومة العُمانية بمراجعات مستمرة لمختلف المراحل التي قطعتها في سبيل ضخ الدماء من أجل مواصلة تنفيذ خطط التنمية الطموحة.
إذ وضعت عُمان جل تركيزها من أجل دعم وتطوير القطاع اللوجستي لكي يتخذ مكانته المأمولة في الناتج المحلي، وتشير مؤشرات إلى أن هذا القطاع الحيوي سيسهم بما قيمته 14 مليار ريال عماني في الناتج المحلي بحلول عام 2040، وما يعنيه ذلك على مستوى تشغيل القوى العاملة الوطنية، حيث سيتم خلق 300 ألف فرصة عمل في هذا القطاع، إضافة إلى استهداف تحقيق سلطنة عُمان صدارة المؤشرات العالمية ضمن أفضل 10 دول في الخدمات اللوجستية.
ويشكل القطاع اللوجستي في عُمان دعامة اقتصادية مهمة، وجاء اهتمام الحكومة بهذا القطاع من خلال تنفيذها لعدد من مشاريع البنية الأساسية كالمطارات والموانئ والطرق وذلك استكمالاً للمنظومة اللوجستية، كما يعد القطاع اللوجستي قطاعاً رافداً للاقتصاد الوطني حتى يأخذ مكانه الاستراتيجي ليشكل مورداً أساسياً من إيرادات الدولة، وخاصة بعد أزمة النفط العالمية.
وتنفيذا لتلك الاستراتيجية العُمانية، تم افتتاح مطار مسقط الدولي الجديد يوم الحادي عشر من نوفمبر، إذ يمثل أهمية كبيرة، ليس فقط لأنه يمثل مرحلة مهمة في مفهوم صناعة الطيران في السلطنة، وإنما لأن افتتاحه يعتبر علامة فارقة في مجال قطاع الطيران ليس على مستوى السلطنة فحسب بل على المستويين الاقليمي والدولي بما يتوفر لدى المطار الجديد من إمكانيات كبيرة استثمرت فيها الحكومة أكثر من مليار و700 مليون ريال عماني.
يشتمل مطار مسقط الدولي، الذي أشرفت على تنفيذه وزارة النقل والاتصالات، على مبنى للمسافرين تبلغ طاقته الاستيعابية 20 مليون مسافر سنويا ومدرج بطول 4 كيلومترات وبرج للمراقبة الجوية بارتفاع 103 أمتار ومبنى للشحن الجوي وآخر للتموين بالإضافة إلى مبنى لصيانة الطائرات ومبانٍ ملحقة أخرى بالمطار.
كما حققت السلطنة مراتب متقدمة في العديد من المؤشرات التي تصدرها مؤسسات دولية حول جوانب مختلفة.. وعلى سبيل المثال لا الحصر تصدرت السلطنة المراتب الأولى في عدد من مؤشرات التنافسية الدولية كمؤشر وقوع الإرهاب، ومؤشر الخلو من الإرهاب، ومؤشر موثوقية خدمات الشرطة، ومؤشر استقلال القضاء، ومؤشر جودة الطرق، ومؤشر كفاءة خدمات الموانئ ، ومؤشر البيانات المفتوحة وغيرها وهو ما يعكس الجهد الكبير الذي تبذله الحكومة في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية وغيرها.
وقد أعرب السلطان قابوس عن ارتياحه وتقديره لما تبذله الحكومة من جهود متواصلة تراعي البعدين الاقتصادي والاجتماعي، خلال ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء في الرابع عشر من نوفمبر الحالي.
دعم الأمن والاستقرار والسلام
إن سلطنة عُمان ستظل صمام أمان وركيزة للأمن والاستقرار والسلام في الخليج والمنطقة العربية والشرق الأوسط من حولها وإن ما شهدته وتشهده السلطنة من تحركات واتصالات وزيارات على أرفع المستويات وما تبذله من مساع حميدة من أجل الإسهام في حل المشكلات والصراعات الجارية في المنطقة عبر الحوار والطرق السلمية ينطوي على دلالات بالغة أهمها ما يتمتع به السلطان قابوس من تقدير ومكانة رفيعة على كل المستويات الرسمية والشعبية، وحرص الكثيرين في المنطقة والعالم على الاستماع إلى تقييمه ورؤيته لمختلف التطورات والاستفادة من حكمته لدفع مسارات السلام التي تتطلع إليها شعوب المنطقة وتستعجل السير فيها اليوم قبل الغد ليس فقط بالنسبة للقضية الفلسطينية وضرورة التوصل إلى حل عادل وشامل لها في إطار عمل الدولتين ولكن أيضًا بالنسبة لمختلف المشكلات والأزمات الراهنة في المنطقة التي عانت وتعاني منها شعوبها.
ومما لا شك فيه أن إيمان سلطنة عُمان بأهمية وضرورة العمل على تحقيق السلام والأمن والاستقرار لدول و شعوب المنطقة ، كسبيل لتمكينها من بناء حاضرها ومستقبلها وصنع التقدم والرخاء لأبنائها وأجيالها القادمة، قد ساهم في بلورة رؤيتها ، سواء على صعيد تحقيق التنمية المستدامة لعُمان الدولة والمجتمع والمواطن أو على صعيد بناء علاقات عمان ومواقفها حيال مختلف التطورات الخليجية والإقليمية و الدولية.