ساهم قرار تحرير سعر الصرف، أو ما يسمى “تعويم الجنيه”، والذى تم يوم الخميس 3 نوفمبر 2016، فى علاج تشوهات سوق الصرف فى مصر، وإنهاء وجود سعرين للعملة، والقضاء على السوق السوداء، وتوافر الدولار فى البنوك، إلى جانب عودة الثقة فى الاقتصاد المصرى، مما يدعم تدفقات النقد الأجنبى.
وقالت مصادر حكومية لـ”اليوم السابع”، إنه من المتوقع أن يشهد العام الجديد 2019، تدفقات دولارية لمصر تقدر بنحو 86.7 مليار دولار، من 7 مصادر، تتضمن زيادة إيرادات قطاع السياحة إلى نحو 11 مليار دولار، وتدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر بنحو 9 مليارات دولار، وإصدار السندات الدولية المتوقع بنحو 4 مليارات دولار، إلى جانب 4 مليارات دولار أخرى من قرض صندوق النقد الدولى، وأكثر من 26 مليار دولار من تحويلات المصريين العاملين بالخارج، وصادرات مصر للخارج لن تقل عن 27 مليار دولار، ونحو 5.7 مليار دولار تدفقات من عبور قناة السويس.
ولفتت المصادر إلى أن الاحتياطى الأجنبى لمصر، كان يغطى نحو 4 شهور فقط من الواردات السلعية لمصر، فى أكتوبر 2016، ليصبح حاليًا، نحو 8.5 شهر، وهو أعلى من المتوسط العالمى البالغ 3 شهور، مشيرة إلى أن البنك المركزى المصرى ينتهج خطة لزيادة أرصدة الاحتياطى الأجنبى لمصر إلى 50 مليار دولار خلال السنوات القليلة القادمة بدعم من زيادة إيرادات قطاع السياحة وتدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر وغير المباشر، ويؤكد على أنه ملتزم بسداد أقساط الديون الخارجية فى مواعيدها، ويتم مراعاة هيكل الديون الخارجية لمصر، من حيث أجل سداد الدين – قصير ومتوسط وطويل الأجل – عند الاقتراض من الخارج سواء عن طريق إصدار السندات الدولية أو التعامل مع المؤسسات الدولية، لافتة إلى أن غالبية الدين الخارجى لمصر فى مدد طويلة الأجل بأكثر من 10 سنوات.
وارتفعت أرصدة الاحتياطى من النقد الأجنبى لمصر، والذى يديرها البنك المركزى المصرى، بنحو 25.5 مليار دولار خلال نحو عامين من نهاية أكتوبر 2016، وحتى نهاية نوفمبر 2018، حيث يكفى نحو 8.5 شهر من الواردات السلعية لمصر، فى الوقت الحالى، ليسجل أرصدة تقدر بـ44.5 مليار دولار، من مستوى 19 مليار دولار فى نهاية أكتوبر 2016، إلى جانب أن سعر الجنيه أمام الدولار الأمريكى مستقر بين 17.5 و18 جنيهًا للدولار على مدار العامين.
و”تعويم الجنيه”، أو تحرير سعر الصرف، يعنى أن يتم ترك السعر فى السوق الرسمية بالبنوك العاملة فى السوق المحلية، ليتحدد وفقًا لآليات العرض والطلب – قوى السوق- ولا يتدخل البنك المركزى المصرى فى تحديد السعر، فى حين يعنى “التعويم المدار” أن يتم خفض فى سعر العملة، ثم بعدها يتدخل البنك المركزى فى السعر جزئيًا.
كان طارق عامر، محافظ البنك المركزى المصرى، كشف، ردًا على أسئلة “اليوم السابع”، قبل أسابيع خلال مؤتمر فى مدينة شرم الشيخ، أن تحويلات المصريين العاملين بالخارج ارتفعت إلى نحو 26 مليار دولار خلال عام، وهو أعلى مستوى فى تاريخها، لافتًا إلى أن الاحتياطى الأجنبى لمصر فى مستوى أعلى من 44 مليار دولار، وهو مستوى قوى يتيح للبنك المركزى المصرى التدخل فى سوق الصرف فى الوقت المناسب عند حدوث تقلبات عنيفة فى سعر الصرف، مشيرًا إلى أن مصر تستورد بـ800 مليون دولار شهريًا وقود من الخارج، وقادرة على الوفاء بالالتزامات الخارجية فى مواعيدها، قائلًا “فى أصعب الظروف التى مرت بها مصر نجحنا فى سداد أقساط ديون مصر الخارجية فى مواعيدها”.
وشهدت ودائع المصريين بالبنوك – بما فيها الودائع الحكومية – زيادة تقدر بنحو 1.446 تريليون جنيه، خلال عامين، على مدار العام المالى الماضى 2017 – 2018، والعام المالى السابق له، حيث سجلت 3.569 تريليون جنيه، فى نهاية شهر يونيو 2018، مقارنة بـ 2.123 تريليون جنيه – التريليون يساوى 1000 مليار – وذلك بنهاية شهر يونيو 2016، وفقًا لتقرير حديث صادر عن البنك المركزى المصرى.
وعلى رأس أسباب الارتفاع فى الودائع، يأتى استثمار المواطن المصرى فى أوقات التباطؤ الاقتصادى، وارتفاع معدلات التضخم، وتوظيف فوائض أمواله فى ملاذات استثمارية آمنة ومربحة تحقق له عائدًا يمتص الآثار التضخمية – ارتفاع مستوى أسعار السلع والخدمات – وتعمل تلك الأوعية الاستثمارية على تنمية الموارد المالية عبر عدة وسائل، وهو ما تمثل فى الفوائض المالية الهائلة التى وجهت إلى شهادات الادخار مرتفعة العائد، حيث أن شهادات الادخار مرتفعة العائد 16 و20% ساهمت فى تنمية ودائع المصريين بالبنوك خلال العامين الماضيين عقب تحرير سعر الصرف.
والسبب الثانى للارتفاع فى ودائع البنوك، يرجع إلى انتهاء عهد السوق السوداء للعملة عقب قرار تحرير سعر الصرف، وعمليات “الدولرة” والتى تعنى تحويل الودائع من الجنيه المصرى إلى الدولار، حيث أن هذا التحدى كان الأكبر فى ظل أن المستثمر يبحث عن تنمية مدخراته، وبالتالى تحويل جزء كبير من حيازات الدولار إلى ودائع بالجنيه.
والسبب الثالث، يرجع إلى قوة البنوك المصرية من حيث القواعد الرأسمالية، حيث أجرى البنك المركزى المصرى، برنامج الإصلاح المصرفى، للبنوك العاملة فى مصر حيث بدأ فى 2004 وانتهى 2008، وبعد مرور 10 سنوات على البرنامج تضمن برنامج الإصلاح المصرفى 4 ركائز أساسية تشمل إجراء بعض عمليات الخصخصة والدمج بالقطاع المصرفى وصلت بعدد البنوك إلى 38 بنكًا، ومواجهة مشكلة الديون المتعثرة لدى البنوك، وإعادة هيكلة بنوك القطاع العام ماليًا وإداريًا، ودعم قطاع الرقابة والإشراف، وتحققت خطة تطوير قطاع الرقابة والإشراف بالبنك المركزى المصرى من خلال برنامج يهدف إلى تطوير القطاع فى إطار رقابى وإشرافى يتسم بالفاعلية والكفاءة والقدرة على مواكبة المعايير والمبادئ الدولية، والتحول من الرقابة بالالتزام إلى الرقابة بالمخاطر وذلك لضمان قوة وسلامة القطاع المصرفى.
ويعد القطاع المصرفى أحد أهم ركائز الاقتصاد المصرى حاليًا بمعدلات سيولة وقاعدة رأسمالية جيدة ساهمت فى تجاوز هذا القطاع للعديد من الأزمات المحلية والدولية، وهو رهان المستقبل لتمويل المشروعات خلال الفترة القادمة، نظرًا لأن نسبة القروض إلى الودائع بهذا القطاع تصل إلى نحو 45%، وهو ما يؤكد أن السيولة كافية لتمويل كافة أحجام وأنواع المشروعات بما يسهم فى زيادة نمو الناتج المحلى الإجمالى لمصر.
وأعلن البنك المركزى المصرى، بداية الشهر الجارى، حجم أرصدة الاحتياطى من النقد الأجنبى، حيث ارتفعت إلى 44.513 مليار دولار بنهاية شهر نوفمبر 2018 مقارنة بنحو 44.501 مليار دولار فى نهاية شهر أكتوبر 2018، بارتفاع قدره نحو 12 مليون دولار.
وتتكون العملات الأجنبية بالاحتياطى الأجنبى لمصر من سلة من العملات الدولية الرئيسية، هى الدولار الأمريكى والعملة الأوروبية الموحدة “اليورو”، والجنيه الاسترلينى والين اليابانى واليوان الصينى، وهى نسبة توزع حيازات مصر منها على أساس أسعار الصرف لتلك العملات ومدى استقرارها فى الأسواق الدولية، وهى تتغير حسب خطة موضوعة من قبل مسؤولى البنك المركزى المصرى.
وتعد الوظيفة الأساسية للاحتياطى من النقد الأجنبى لدى البنك المركزى، بمكوناته من الذهب والعملات الدولية المختلفة، هى توفير السلع الأساسية وسداد أقساط وفوائد الديون الخارجية، ومواجهة الأزمات الاقتصادية، فى الظروف الاستثنائية، مع تأثر الموارد من القطاعات المدرة للعملة الصعبة، مثل الصادرات والسياحة والاستثمارات، بسبب الاضطرابات، إلا أن مصادر أخرى للعملة الصعبة، مثل تحويلات المصريين فى الخارج التى وصلت إلى مستوى قياسى، واستقرار عائدات قناة السويس، تساهم فى دعم الاحتياطى فى بعض الشهور.