آية و5 تفسيرات.. “فاذكرونى أذكركم واشكروا لى ولا تكفرون”
نواصل معا عرض “آية و5 تفسيرات” ونتوقف اليوم مع الآية رقم 152 من سورة البقرة وتقع فى الجزء الثانى من القرآن الكريم والتى يقول فيها الله سبحانه وتعالى “فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِى وَلاَ تَكْفُرُونِ”.
تفسير ابن كثير
فقال: (فاذكرونى أذكركم واشكروا لى ولا تكفرون).
قال مجاهد فى قوله: (كما أرسلنا فيكم رسولا منكم) يقول: كما فعلت فاذكرونى.
قال عبد الله بن وهب، عن هشام بن سعيد، عن زيد بن أسلم: أن موسى، عليه السلام، قال: يا رب، كيف أشكرك؟ قال له ربه: تذكرنى ولا تنسانى، فإذا ذكرتنى فقد شكرتنى، وإذا نسيتنى فقد كفرتنى.
وقال الحسن البصرى، وأبو العالية، والسدى، والربيع بن أنس، إن الله يذكر من ذكره، ويزيد من شكره ويعذب من كفره.
وقال بعض السلف فى قوله تعالى: (اتقوا الله حق تقاته) [آل عمران: 102] قال: هو أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر.
وقال ابن أبى حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا عمارة الصيدلانى، حدثنا مكحول الأزدى قال: قلت لابن عمر: أرأيت قاتل النفس، وشارب الخمر والسارق والزانى يذكر الله، وقد قال الله تعالى: (فاذكرونى أذكركم) ؟ قال: إذا ذكر الله هذا ذكره الله بلعنته، حتى يسكت.
وقال الحسن البصرى فى قوله: (فاذكرونى أذكركم) قال: اذكرونى، فيما افترضت عليكم أذكركم فيما أوجبت لكم على نفسى.
وعن سعيد بن جبير: اذكرونى بطاعتى أذكركم بمغفرتى، وفى رواية: برحمتى.
وعن ابن عباس فى قوله (فاذكرونى أذكركم) قال: ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
وفى الحديث الصحيح: ” يقول الله تعالى: من ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى، ومن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منه “.
تفسير القرطبى
قوله تعالى: “فاذكرونى أذكركم واشكروا لى ولا تكفرون ”
قوله تعالى: فاذكرونى أذكركم أمر وجوابه، وفيه معنى المجازاة فلذلك جزم. وأصل الذكر التنبه بالقلب للمذكور والتيقظ له. وسمى الذكر باللسان ذكرا لأنه دلالة على الذكر القلبى، غير أنه لما كثر إطلاق الذكر على القول اللسانى صار هو السابق للفهم.
ومعنى الآية: اذكرونى بالطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة، قاله سعيد بن جبير. وقال أيضا: الذكر طاعة الله، فمن لم يطعه لم يذكره وإن أكثر التسبيح والتهليل وقراءة القرآن، وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم: من أطاع الله فقد ذكر الله وإن أقل صلاته وصومه وصنيعه للخير ومن عصى الله فقد نسى الله وإن كثر صلاته وصومه وصنيعه للخير، ذكره أبو عبد الله محمد بن خويز منداد فى ” أحكام القرآن ” له. وقال أبو عثمان النهدى: إنى لأعلم الساعة التى يذكرنا الله فيها، قيل له: ومن أين تعلمها؟ قال يقول الله عز وجل: فاذكرونى أذكركم. وقال السدى: ليس من عبد يذكر الله إلا ذكره الله عز وجل، لا يذكره مؤمن إلا ذكره الله برحمته، ولا يذكره كافر إلا ذكره الله بعذاب. وسئل أبو عثمان فقيل له: نذكر الله ولا نجد فى قلوبنا حلاوة ؟ فقال: احمدوا الله تعالى على أن زين جارحة من جوارحكم بطاعته. وقال ذو النون المصرى رحمه الله: من ذكر الله تعالى ذكرا على الحقيقة نسى فى جنب ذكره كل شيء، حفظ الله عليه كل شيء، وكان له عوضا من كل شيء. وقال معاذ بن جبل رضى الله عنه: ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله. والأحاديث فى فضل الذكر وثوابه كثيرة خرجها الأئمة. روى ابن ماجه عن عبد الله بن بسر أن أعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شرائع الإسلام قد كثرت على فأنبئنى منها بشيء أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله عز وجل. وخرج عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل يقول أنا مع عبدى إذا هو ذكرنى وتحركت بى شفتاه. وسيأتى لهذا الباب مزيد بيان عند قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وأن المراد ذكر القلب الذى يجب استدامته فى عموم الحالات.
قوله تعالى: واشكروا لى ولا تكفرون قال الفراء يقال: شكرتك وشكرت لك، ونصحتك ونصحت لك، والفصيح الأول. والشكر معرفة الإحسان والتحدث به، وأصله فى اللغة الظهور، وقد تقدم. فشكر العبد لله تعالى ثناؤه عليه بذكر إحسانه إليه، وشكر الحق سبحانه للعبد ثناؤه عليه بطاعته له، إلا أن شكر العبد نطق باللسان وإقرار بالقلب بإنعام الرب مع الطاعات.
قوله تعالى: ولا تكفرون نهى، ولذلك حذفت منه نون الجماعة، وهذه نون المتكلم. وحذفت الياء لأنها رأس آية، وإثباتها أحسن فى غير القرآن، أى لا تكفروا نعمتى وأيادى. فالكفر هنا ستر النعمة لا التكذيب. وقد مضى القول فى الكفر لغة، ومضى القول فى معنى الاستعانة بالصبر والصلاة، فلا معنى للإعادة.
تفسير البغوى
{فاذكرونى أذكركم} قال ابن عباس: “اذكرونى بطاعتي، أذكركم بمغفرتي”، وقال سعيد بن جبير: “اذكرونى فى النعمة والرخاء، أذكركم فى الشدة والبلاء”، بيانه {فلولا أنه كان من المسبحين * للبث فى بطنه إلى يوم يبعثون} [144-الصافات].
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحى أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمى أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عمر بن حفص أخبرنا الأعمش قال: سمعت أبا صالح عن أبى هريرة قال قال: النبى صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: “أنا عند ظن عبدى بى وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسي، وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منهم، وإن تقرب إلى شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلى ذراعاً تقربت إليه باعاً، ومن أتانى يمشى أتيته هرولة”.
تفسير الجلالين
«فاذكرونى» بالصلاة والتسبيح ونحوه «أذكركم» قيل معناه أجازيكم وفى الحديث عن الله (من ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى ومن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير من ملئه) «واشكروا لي» نعمتى بالطاعة «ولا تكفرون» بالمعصية.
التفسير الوسيط لـ طنطاوى
ثم أمر الله عباده بأن يكثروا من ذكره وشكره على ما أسبغ عليهم من نعم فقال:
فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ. ..
ذكر الشيء: التلفظ باسمه، ويطلق بمعنى استحضاره فى الذهن، وهو ضد النسيان وذكر العباد لخالقهم قد يكون باللسان وقد يكون بالقلب وقد يكون بالجوارح. فذكرهم إياه بألسنتهم معناه: أن يحمدوه ويسبحوه ويمجدوه، ويقرأوا كتابه، مع استحضارهم لعظمته وجلاله.
وذكرهم إياه بقلوبهم معناه أن يتفكروا فى الدلائل الدالة على ذاته وصفاته وفى تكاليفه وأحكامه، وأوامره ونواهيه، وأسرار مخلوقاته، لأن هذا التفكر يقوى إيمانهم، ويصفى نفوسهم.
وذكرهم إياه بجوارحهم معناه: أن تكون جوارحهم وحواسهم مستغرقة فى الأعمال التى أمروا بها، منصرفة عن الأفعال التى نهوا عنها، ولكون الصلاة مشتملة على هذه الثلاثة سماها الله- تعالى- ذكرا فى قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِى لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ….
وقوله: فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ أمر وجوابه، وفيه معنى المجازاة فلذلك جزم.
والمعنى: اذكرونى بالطاعة والاستجابة لما أمرتكم به والبعد عما نهيتكم عنه أذكركم بالرعاية، والنصرة، وصلاح الأحوال فى الدنيا، وبالرحمة وجزيل الثواب فى الآخرة. فالذكر فى قوله «أذكركم» مستعمل فيما يترتب على الذكر من المجازاة بما هو أوفى وأبقى، كما أن قوله «فاذكروني» المراد به: اذكروا عظمتى وجلالى ونعمى عليكم، لأن هذا التذكر هو الذى يبعث على استفراغ الوسع فى الأقوال والأعمال التى ترضى الله.