آية و5 تفسيرات.. الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء
نواصل اليوم “آية و5 تفسيرات” وما زلنا فى سورة البقرة، نقرأ معا الجزء الثالث من القرآن الكريم ونتوقف عند قول الله سبحانه وتعالى “الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” وهى الآية التى حملت رقم 268 من السورة المباركة.
تفسير ابن كثير
(الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم) قال ابن أبى حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا هناد بن السرى، حدثنا أبو الأحوص، عن عطاء بن السائب، عن مرة الهمدانى، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن للشيطان للمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله، فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان”، ثم قرأ (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا) الآية .
وهكذا رواه الترمذى والنسائى فى كتابى التفسير من سننيهما جميعا، عن هناد بن السرى.
وأخرجه ابن حبان فى صحيحه، عن أبى يعلى الموصلى، عن هناد، به. وقال الترمذي: حسن غريب، وهو حديث أبى الأحوص يعنى سلام بن سليم لا نعرفه مرفوعا إلا من حديثه. كذا قال. وقد رواه أبو بكر بن مردويه فى تفسيره، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن عبد الله بن رسته، عن هارون الفروى، عن أبى ضمرة عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن مسعود، مرفوعا نحوه .
ومعنى قوله تعالى: (الشيطان يعدكم الفقر) أي: يخوفكم الفقر، لتمسكوا ما بأيديكم فلا تنفقوه فى مرضاة الله، (ويأمركم بالفحشاء) أي: مع نهيه إياكم عن الإنفاق خشية الإملاق، يأمركم بالمعاصى والمآثم والمحارم ومخالفة الخلاق، قال [ الله ] تعالى: (والله يعدكم مغفرة منه) أي: فى مقابلة ما أمركم الشيطان بالفحشاء) وفضلا) أي: فى مقابلة ما خوفكم الشيطان من الفقر) والله واسع عليم ).
تفسير الطبرى
القول فى تأويل قوله: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا
قال أبو جعفر: يعنى بذلك تعالى ذكره: ” الشيطان يعدكم “، أيها الناس- بالصدقة وأدائكم الزكاة الواجبة عليكم فى أموالكم – أن تفتقروا “ويأمركم بالفحشاء”، يعني: ويأمركم بمعاصى الله عز وجل، وترك طاعته ” والله يعدكم مغفرة منه” يعنى أن الله عز وجل يعدكم أيها المؤمنون، أن يستر عليكم فحشاءكم، بصفحه لكم عن عقوبتكم عليها، فيغفر لكم ذنوبكم بالصدقة التى تتصدقون”وفضلا” يعنى: ويعدكم أن يخلف عليكم من صدقتكم، فيتفضل عليكم من عطاياه ويسبغ عليكم فى أرزاقكم.
تفسير البغوى
(الشيطان يعدكم الفقر) أى يخوفكم بالفقر يقال وعدته خيرا ووعدته شرا قال الله تعالى فى الخير ” وعدكم الله مغانم كثيرة ” (20 – الفتح) وقال فى الشر “النار وعدها الله الذين كفروا ” (72 – الحج) فإذا لم يذكر الخير والشر قلت فى الخير: وعدته وفى الشر أوعدته والفقر سوء الحال وقلة ذات اليد وأصله من كسر الفقار ومعنى الآية: أن الشيطان يخوفكم بالفقر ويقول للرجل أمسك عليك مالك فإنك إذا تصدقت به افتقرت (ويأمركم بالفحشاء) أى بالبخل ومنع الزكاة وقال الكلبي: كل الفحشاء فى القرآن فهو الزنا إلا هذا (والله يعدكم مغفرة منه) أى لذنوبكم (فضلا) أى رزقا خلفا (والله واسع) غنى (عليم )
تفسير الجلالين
«الشيطان يعدكم الفقر» يخوفكم به إن تصدقتم فتمسكوا «ويأمركم بالفحشاء» البخل ومنع الزكاة «والله يعدكم» على الإنفاق «مغفرة منه» لذنوبكم «وفضلا» رزقا خلفا منه «والله واسع» فضله «عليم» بالمنفق.
التفسير الوسيط لطنطاوى
قال الجمل: وفى هذه الآية لطيفة وهى أن الشيطان يخوف الرجل أولا بالفقر ثم يتوصل بهذا التجويف إلى أن يأمره بالفحشاء وهو البخل، وذلك لأن البخل صفة مذمومة عند كل أحد فلا يستطيع الشيطان أن يحسن له البخل إلا بتلك المقدمة وهى التخويف من الفقر فلهذا قال .
{ الشيطان يَعِدُكُمُ الفقر وَيَأْمُرُكُم بالفحشاء } .
وروى الترمذى عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة – أى همة وخطرة تقع فى القلب – فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان ثم قرأ { الشيطان يَعِدُكُمُ الفقر وَيَأْمُرُكُم بالفحشآء } ” .
هذا ما يعده الشيطان للإِنسان، فما الذى يعده الله – تعالى – لعباده؟ لقد بين – سبحانه – ذلك فقال: { والله يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ } .
أي: إذا كان الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء، فالله – تعالى – يعدكم مغفرة منه لذنوبكم على ما تنفقونه من أموالكم فى سبيله ففى الحديث الشريف ” الصدقة تطفئ الخطيئة ” ويعدكم – أيضاً – { وَفَضْلاً } أى نماء وزيادة فى أموالكم، فإن الصدقات تزيد البركة فى البرزق فيصير القليل منه فى يد السخى كثيراً بتوفيق الله وتأييده.