إنتصارات العاشر من رمضان وذكرياتنا النابضة
بقلم / سهام عزالدين جبريل
تمر السنوات سريعا وتبقى ذكريات البطولة والصمود هى رصيد لنا نلوذ به ونتزود منه فنسترجع خلاصة العبر والتجارب ، قد يكون الحدث اختلف شكلا وموضوعا ، فلا الزمان هوالزمان ، ولا الاشخاص هم الاشخاص ،
ولكن يبق المكان والرمز والعبرة والتجربة الإنسانية تتواصل وتنتقل للأجيال من خلال ذاكرة التاريخ الحى فينا والذى ينبض بوجداننا ، نستخلص منها الخبرة التى تعيننا على إدارة كثير من المواقف التى قد نقف أمامها كثيرا وتتطلب إدارتها من خلال الرؤية والخبرة معا ، تلك هى مسيرة الحياة والتى يمكن ان تكون مرجع لنا ولابنائنا من بعدنا ، ونبراسا يضئ لنا المستقبل ، فما بالكم لو كان الحديث عن تاريخ مفعم بالبطولة والوطنية والصمود فبالتأكيد هنا يستحب الحديث ،،،
واعود لذلك الفيض المختزن فى الذاكرة والذى تفجرة مناسباتنا الوطنية والتى تأتى كل عام لتذكرنا وتعيذ إشعال جذوة الاحداث العظيمة التى عاشها جيل االاباء والاجداد وعايشناها نحن فى طفولتنا ومع إطلالة شبابنا ،
فما أروع الذكريات عندما تمس الوجدان وتعيد إحياء ذلك التاريخ النابض فينا نعيشها مع احياء ذكرى العاشر من رمضان وحديث نابض عن الدور الوطنى العظيم وسرد ذكريات إنطلاقة تحرير الارض واسترداد التراب الوطنى وملاحم البطولة والصمود ،،،
قصص وحكايا لم تسجلها الكتب ولكن سجلتها ذاكرة سيناء من خلال عيون ابنائها وذاكرتنا الثرية بما لايحصى ولايعد من مشاهد و ملاحم المقاومة الوطنية على أرضنا الصامدة ،
ومنظومة النسيج الوطنى التى صنعتها ارادة اهل سيناء فى اصعب سنوات المعاناة خلف خطوط العدو وملحمة التعاون والتلاحم مع قواتنا المسلحة رمز العزة والكرامة ،،،
وعند الحديث عن ذكرى العبور تشدنى الذركريات إلى الحديث عن سنوات المعاناة خلال الفترة من ( 1967م وحتى 1982م )وكما اُسميها أنا وكما أطلق عليها والدى أحد أبطال المقاومة الوطنية في سيناء “السنوات العجاف” ، فلايفوتنى هنا أن اسجل في ذاكرة سيناء عن ذلك الدور الوطنى لنا والذى كان واحدا من أدوارنا نحن كطلاب فى معركة المواجهة الشرسة لقوات الإحتلال ومحاولة إختراقة لثقافتنا وأساليب التعليم في مدارسنا وأدواته الملتوية للتدخل في المناهج التي أصررنا أن تكون مصرية خالصة ولم ندع لأى بصمة من بصمات قوات العدو ومحاولاته المستميتة لإختراقها ، وكما أشرت فى مقالات سابقة أننا ، كنا ندرس في المدارس نفس المنهج الذى أصر على تطبيقه أبائنا وأساتذتنا وهو نفس المنهج الذى كان يدرس في كافة مدارس مصر ، وإستعنا بذلك بهيئة الصليب الأحمر الدولى كهيئة دولية لنا عندها حق الحماية المدنية والإنسانية ، وبرغم تعنت سلطات الإحتلال على ذلك ، ورفضها دخول أي كتب أو ملخصات مصرية ، حيث كانت سلطات الإحتلال تقوم بحرق كل الكتب المدونة فيها المناهج المصرية ، ورغم ذلك كنا ندرس مناهجنا من خلال ذاكرة مدرسينا حيث كنا نكتب المناهج في كراساتنا الخاصة من خلال المعلومات التي كان يمليها إلينا أساتذتنا الأفاضل ، ونحتفظ بها ونهديها إلى زملائنا الأخرين الذين يأتون من بعدنا ،،،
وإستمرت مظاهر التحدى والصمود الكثيرة في هذا المجال ومنها محاولات لإجبار تدريس اللغة العبرية في مدارسنا والتي رفضناها نحن كتلاميذ ومحاولات جلب مدرسين من عرب 1948م ومن الضفة الغربية خريجى معهد بيرزيت لتدريس لنا بعض المواد والتي رفضناها أيضا ،،،
وأذكر أن الإمتحانات كانت تتم بالمدارس من خلال مايضعه مدرسينا بأنفسهم ، إلا أن إمتحان شهادة الثانوية العامة ، الذى خاطبنا بشأنه وزارة التربية والتعليم في القاهرة وذلك عن طريق هيئة الصليب الأحمر الدولى ، والتي وافقت وإعتمدة الوزارة بالقاهرة ، حيث كان يتم إرسال الإمتحانات من القاهرة عن طريق هيئة الصليب الأخمر وكانت الهيئة تقوم بالإشراف على لجان الإمتحانات في مدينة العريش المحتلة حينها ثم يتم إرسال الإجابات عن طريق الهيئة التي تقوم بتسليمها لإدارة الإمتحانات بالقاهرة ، والتي تقوم بالتصحيح ثم يتم إرسال النتائج والشهادات لتسليمها للناجحين ، وأذكر أن النتيجة كان والمجموع كان يتم إعلانها عن طريق “البرنامج الموجه لأهل سيناء ” عبر إذاعة صوت العرب والمسمى برنامج ” ياعرب “، كما كانت الحكومة المصرية تتكفل بعمل كافة الإجراءات اللأزمة للتنسيق الطلبة الناجحين وتسهيل إجراءات إلتحاقهم بالجامعات المصرية وذلك عن طريق هيئة الصليب الأحمر أيضا ، بالتعاون مع الهلال الأحمر المصرى حيث كانت تنظم رحلة السفر للقاهرة من خلال أفواج الطلبة الخاصة بأبناء سيناء ورحلات ذهابهم إلى الجامعات المصرية ، حيث بدأ عمل هذه الرحلات عام 1972م ، وفى الحقيقة أن أدوارنا كطلبة لم يقتصر على موضوع الإلتحاق بالجامعات والتعليم والتحصيل بل كان هناك دور وطنى أخر كنا نقوم به ، حيث كنا نقوم بتوصيل ونقل الرسائل والمعلومات ، حيث لى أنا وزملائى وزميلاتى أيضا العديد من المواقف والاحداث ، والتي سوف يرد ذكرها فيما بعد ،،،
وإمتلآت جامعات القاهرة والاسكندرية والمنصورة والزقازيق وأسيوط بنخبة من شباب وفتيات سيناء الجامعيات المتميزات فى العديد من كليات القمة والتخصصات المتميزة ، حيث تم تسكينهم فى المدن الجامعية برعاية القائمين على الطلاب فى المقر المؤقت لمحافظة سيناء بالقاهرة الذى كان لها دورها النشط فى عملية إيواء الطلبة ورعايتهم ومساهمة إدارة شئون الطلاب بالجامعات المصرية وكلياتها المتعددة فى صرف مكافئات للطلاب وتسكينهم مجانى على نفقة وزارة الشئون الاجتماعية بالمدن الجامعية وبيوت الطلبة والطالبات .
وكون أبناء سيناء طلبة وطالبات حينها مجموعات متماسكة ومتألفة فيما بينهم وبين زملائهم وزميلاتهم من كافة اقاليم مصر، كذلك ضرب الجميع مثل أعلى فى التكافل والتعاون لكل طالب جديد يأتى من سيناء المحتلة أومن مناطق التهجير او حتى من يأتى من كافة أقاليم مصر لطلب العلم ، فكانت تلك المنظومة الطلابية بمثابة حلقة وصل بين أبناء مصر فى سيناء وبين أبنائها في كافة المحافظات حيث استطاع هؤلاء الطلبة والطالبات أن يزيلوا تلك الفجوة التي أحدثتها سنوات الاحتلال والغربة التى باعدت بين سيناء والام مصر،
وقد وفرت الدولة حق التعليم المجانى لكل ابناء سيناء فى المهجر فى كافة مراحلة بدأ من التعليم الاساسى وحتى الجامعة ووفرت لهم الدولة الإقامة المجانية في المدن الجامعية ، مما كان له الاثر الطيب على نهضة التعليم فى سيناء ،
فقد شهدت هذه الفترة نهضة علمية واسعة النطاق لأبناء سيناء وارتفعت مؤشرات الإقبال على التعليم الجامعى ونتيجة إهتمام الدولة ورعايتها لطلبة وطالبات سيناء شجع ذلك باقى العائلات على حث ودفع أبنائهم وبناتهن للتعليم الذى دعمته الدولة ووفرته بالمجان سواء كتب دراسية أو إقامة مجانية أو توفير مصروفات وتقديم مساعدات شهرية للطلبة .
والحق يقال فقد لعب هذا الجيل من الطلبة والطالبات من فتيات وفتيان سيناء دورا حيوى هام فى خلق التواصل بين ابناء مصر فى سيناء وابنائها فى الوادى ، كما إرتبط ابناء هذا الجيل بصداقات قوية وأصيلة من مختلف محافظات مصر فكانت صورة مشرقة ومشرفة لسيناء شمالها وجنوبها ، مازالت قائمة حتى يومنا هذا وإرتبطت كثير من العائلات بالوادى بعلاقات مصاهرة ونسب بينها وبين عائلات سيناء حيث أن كثير من أبناء سيناء فتيان وايضا فتيات استطعن ان يكسرن سلسلة من القيود القبلية البالية والتى كانت تحظر على الفتاة ان تتزوج من غير إبن عمها الى جانب انهن ضربن اروع الآمثلة فى التفوق والمثابرة وقوة الشخصية والقدرة الفائقة على التعبير والحوار إلى جانب حصيلة كبيرة من الثقافة والوعى بقضايا المجتمع وإحتياجاته بشفافية وصراحة مطلقة ،،،
وهكذا استمرت المسيرة التى توجتها بشائر النصر والعبور العظيم والتي شهد فيه اولى خطوات التحرير فى مايو 1979م ثم تلاها استعادت كافة أراضى مصر وترابها الغالى فى سيناء والذى توج برفع العلم المصرى على حدودها الشرقية فى25ابريل 82م حيث بدأت كتائب التعمير من أبناء هذا الجيل الجديد بفكره المستنير وقوة وصلابة إراده أبنائه التى الذين شاركوا في إرساء اسس ودعائم التنمية على أرض سيناء المحررة شارك فيه جيل المتعلمين والمتعلمات بكافة تخصصاتهم المختلفة وبقلوبهم الغضة النضرة النابضة بحب الوطن والوفاء له وأمانة مسئوليتة رد الجميل وكم من العطاء المخلص وتحقيق الأحلام التى كانت فيما قبل مستحيلة وتجسيد الأمال التى كان تراود الاباء والأجداد فى إدارة عجلة التنمية على هذه الارض المباركة التى رويت بدماء الشهداء وحفظت بجهد المخلصين الصامدين من ابناء هذا الوطن ،، ومازال للحديث بقية .
تحياتى / سهام عزالدين جبريل