مصير ابو بكر البغدادي وبن لادن.. كيف نجح ترامب فى تقويض إنجاز أوباما الوحيد فى الحرب على الإرهاب؟.. رئيس أمريكا يقضى على داعش بـ”الضربة القاضية”.. ويعرقل زعم الديمقراطيين حول إحياء التنظيم بالانسحاب من سوريا
“شىء كبير للغاية حدث للتو”.. هكذا استبق الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الاحتفال بمقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابى، أبو بكر البغدادي، فى تغريدة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعى، ليثير فضول وسائل الإعلام العالمية، قبل الإعلان عن مقتل الرجل الذى تصنفه كافة أجهزة الاستخبارات العالمية، بأنه ربما يكون الأخطر فى العالم، ليتحول المشهد إلى ما يمكننا تسميته بـ”فلاش باك” بلغة السينما، لذلك المشهد الاحتفالى الذى سبق وأن قاده الرئيس السابق باراك أوباما قبل 8 أعوام، عندما أعلن أمام العالم مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، فى عملية استخباراتية فى مدينة أبوتاباد الباكستانية، وتحديدا فى مايو 2011، والذى اعتبرتها الإدارة الأمريكية السابقة بمثابة انتصارا تاريخيا للولايات المتحدة، التى نجحت بقتل الزعيم التاريخى للقاعدة، فى الثأر لدماء الألاف الذين قتلوا فى أحداث 11 سبتمبر، والتى اعتبرت واشنطن أنه المدبر لها.
التشابهات بين حالتى بن لادن والبغدادي، لا تقتصر على مجرد خطاب النصر الأمريكى، والذى يقوم فى الأساس على الترويج إلى فكرة نجاح الإدارة، سواء السابقة أو الحالية، فى الثأر لدماء ألاف الأمريكيين الذين راحوا ضحايا الإرهاب، وإنما امتدت إلى شكل العملية، والتى قامت بهما قوات أمريكية خاصة، أو حتى المكان الذى تمت فيه العملية سواء فى باكستان (فى حالة بن لادن)، أو سوريا (فى حالة البغدادي)، حيث لم يكن للقوات الأمريكية وجود رسميا فى أى منهما، بالإضافة إلى توقيتهما، وكذلك الظروف السياسية فى الداخل الأمريكى، وإن كانت الظروف الحالية، والتحديات التى يواجهها الرئيس ترامب، تبدو أكثر زخما، فى ظل تزامنها مع العديد من المستجدات، سواء فيما يتعلق بالحملات التى يشنها ضده خصومه الديمقراطيون، على خلفية العديد من الخطوات التى اتخذتها الإدارة، وعلى رأسها الانسحاب الأمريكى من سوريا.
مفهوم الثأر.. مقتل البغدادي يضرب أكثر من عصفور بحجر
فلو نظرنا إلى توقيت مقتل زعيمى الإرهاب الأبرز فى التاريخ، نجد أنهما ارتبطا إلى حد كبير بالداخل الأمريكى، حيث كان مقتل بن لادن، فى مايو 2011، انتصارا مهما لإدارة أوباما، حيث تزامن مع انطلاق الحملات الانتخابية استعدادا للسباق الرئاسى الأمريكى فى 2012، والتى كان يسعى خلالها أوباما، للفوز بفترة رئاسية ثانية، وهو ما ينطبق إلى حد كبير مع حالة البغدادي، وإن كانت المنافسة تبدو أكثر شراسة فى الوقت الحالى، فى ظل حملات كبيرة تدعو إلى عزل ترامب، على خلفية دعوته إلى أوكرانيا، للتحقيق فى قضايا فساد تورط بها نجل منافسه الأقوى جو بايدن، من ناحية، أو انتقادات كبيرة لقراره بالانسحاب من الأراضى السورية، باعتباره ليس فقط فرصة غير مسبوقة لموسكو للهيمنة بشكل كامل على سوريا، على حساب واشنطن، وإنما كذلك خطوة لإعادة إحياء تنظيم داعش، بعد دحضه على يد الأكراد بمساندة واشنطن.
وهنا يمكننا القول بأن مقتل البغدادي على يد القوات الأمريكية فى سوريا، يمثل ضربا لأكثر من عصفور بحجر واحد، فهو من ناحية أعاد إحياء مفهوم الثأر، على غرار ما فعله أوباما قبل ثمانية أعوام، ليضيف إلى رصيده الكثير من النقاط بين المواطنين الأمريكيين، خاصة بعد نجاحه السابق فى القضاء على حمزة بن لادن، نجل الزعيم التاريخى للقاعدة، من ناحية، كما أنه يقدم دليلا دامغا على قدرته على دحض داعش، من خلال ضربته القاصمة التى قضت على رأس التنظيم المتطرف من جانب آخر، بالإضافة إلى كونه رسالة ضمنية إلى روسيا حول قدرته على تحقيق أهدافه فى الداخل السورى عبر عمليات نوعية، رغم قرار الانسحاب العسكرى، من جانب ثالث.
إطار دعائى.. مقتل بن لادن دعاية بدون نتائج
ولعل مقتل بن لادن على يد إدارة أوباما كان بمثابة نقطة ضوء فى تاريخ مظلم للرئيس الأمريكى السابق، والذى اعتمد استراتيجية، تقوم فى الأساس على دعم التيارات المتطرفة، إلى حد تمكينها من الوصول إلى السلطة فى العديد من دول الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تواطؤه مع تنظيم داعش، عبر دعم تركيا، والتى فتحت أراضيها لسنوات أمام العناصر المتطرفة التى أردات الانضمام إلى صفوف التنظيم فى سوريا والعراق، وكذلك تقاعسه فى الحرب على الإرهاب، وفشله فى دحضه، مما دفع إلى دخول موسكو على خط الأزمة عبر إرسال قواتها على الأرض فى سوريا، لتنهى سيطرة التنظيم المتطرف تماما على أجزاء كبيرة من الأراضى السورية.
يبدو أن مقتل بن لادن لم يخرج عن مجرد الإطار الدعائى للإدارة الأمريكية السابقة، خاصة وأنه لم يسفر عن أية نتائج ملموسة فى الحرب على الإرهاب، حيث استمر نشاط التنظيم، بل وظهر داعش بعد ذلك بعامين، ليصبح التنظيم الوليد بمثابة “الوحش” الذى هيمن بصورة كبيرة على ولاء كافة التنظيمات الإرهابية، فى ظل رؤيته الطموحة التى قامت فى الأساس على تأسيس دولته الخاصة، وتهديد كافة مناطق العالم باستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة، عبر استقطاب المؤيدين فى الدول الأخرى، خارج نطاقه الإقليمى، ليقوموا بعمليات إرهابية دامية فى دول الغرب، سواء أوروبا أو الولايات المتحدة.
بـ”الضربة القاضية”.. مقتل البغدادي ثمرة جهود تقويض داعش
وهنا يمكننا القول بأن مقتل البغدادي جاء بمثابة ثمرة لجهود كبيرة بذلتها إدارة ترامب، والتى لم تقتصر رؤيتها على استهداف شخص بعينه، وإنما امتدت لتقويض التنظيم بأكمله، عبر تقديم الدعم الجوى والعسكرى لأكراد سوريا لإنهاء وجوده فى منطقة الشمال السورى، دون أن تتكبد واشنطن خسائر كبيرة، ليصبح مقتل زعيم التنظيم المتطرف بمثابة “الضربة القاضية” له، فى الوقت الذى كانت تثور فيه المخاوف من عودة التنظيم للحياة بعد العدوان التركى الأخير على شمال سوريا، فى ظل رغبة أنقرة فى استخدامه لتحقيق أهدافها فى سوريا فى المرحلة المقبلة.
يبدو أن الرئيس الأمريكى نجح، فى العملية الأخيرة التى أودت بحياة البغدادي، فى تقويض ما يمكننا تسميته بـ”أسطورة أوباما”، والتى روج لها الديمقراطيون، وخصوم الإدارة الحالية، حول نجاح الإدارة السابقة فى قتل الرجل الأخطر فى العالم، حيث تمكن من قتل الرجل الأكثر خطورة، بينما تزامن مع ذلك استهداف أنشطة التنظيم، عبر عمليات شاملة، سواء عسكرية، على غرار دعم الأكراد فى شمال سوريا، أو سياسية، عبر القبول بالدور الروسى فى الحرب على داعش، بعد صعوده إلى البيت الأبيض، وهو الأمر الذى أدى إلى انتقادات كبيرة استهدفته فى الداخل الأمريكى.