شخصيات و رموز مصرية”محمد زكي العشماوي”
وليد عزت
سليل عائلة العشماوي باشا وزير المعارف العمومية كما كانت تسمي آنذاك بوزارة اسماعيل باشا صدقي.
محمد زكي العشماوي أحد أقطاب النقد الأدبي و أستاذ اللغه العربية و مؤسس و رئيس قسم اللغة العربية بجامعة الإسكندرية و عميد كلية الآداب بجامعة بيروت- لبنان، شاعر الاسكندرية الاول. ولد بمحافظة دمياط مركز فارسكور في عام ١٩٢١.
و في الحقيقة، إن أردت أن تكتب عن محمد زكي العشماوي، فأنت بحاجة إلي أيام عديدة و ليالي طويلة كي تعرف القليل عن هذا الأسطورة، فأنت بحاجة إلي زيارات عدة إلي المكتبات الحكومية و العامة و دور النشر و تغوص في بحر دواوين أشعاره و مجلدات النقد الأدبي و مؤلفات أصول اللغة العربية.
و قد يلحظ القارئ أنني لم أتناول محمد زكي العشماوي بأي لقب، لأنه لا يوجد لقب يعبر عن قيمة هذا الرجل و مقامه، بل أن الألقاب تزداد قيمة عندما تلتصق بإسمه.
و مثلما ذكرت من قبل، فلن أتطرق إلي إنجازاته العديدة من مقالات و أبحاث و رسائل دكتوراه منحها، و دواوين شعر سطرها. ولكنني سوف أتناول في أسطر قليلة محمد زكي العشماوي الإنسان، المرهف الحس، ومكمن التواضع. و مالمسته من خلال علاقتي به رغم فارق العمر، حيث كانت تربطني به علاقة قرابه عن جدتي أمينة العشماوي، و علاقة جيره حيث كان يسكن بمنطقة ثروت بالإسكندرية، و التي لا تبعد كثيرا عن منزل والدي.
محمد زكي العشماوي الأستاذ و الناقد الأدبي و الشاعر و رمز الحس المرهف و التواضع المطلق و التفاؤل اللامحدود، كان يتريض كل يوم من الساعة السادسة الي السادسة و النصف مساءآ، ثم يعود إلي منزله كي يبدأ في إستقبال مريديه في صالونه الخاص، و ذلك من الساعة السابعة و حتي العاشرة.
و ذات يوم شرفت بإتصال علي هاتف منزلنا حيث لم تكن آنذاك هواتف نقالة، ذلك في عام ١٩٨٢ و قال لي ( اليوم إنتهيت من قصيدة كنت قد بدأتها منذ أكثر من عام و إنت أول واحد هتسمعها، هستناك النهاردة الساعة سبعة وأنهي مكالمته بضحكته الهادئه الرخيمة المليئة بالباشوية).
أغمرتني السعادة و لم أكن أتخيل مكانتي عند هذا الرجل، ذهبت بالموعد، و بدأ يتلو عليا القصيدة بعد أن قص عليا سبب كتابتها، حيث كان يشغل منصب عميد كلية الآداب جامعة بيروت بلبنان،و قد عاصر بضع سنوات من الحرب الأهلية و تأثر كثيرا لما آلت إليه البلد و شعبها فبدأ بكتابة قصيدة التي استغرقت أكثر من عام و نصف علي ارض لبنان و أنتهي من كتابتها بالإسكندرية، و كانت القصيدة بعنوان، الصيف الأخضر و دعني و كتب فيها
الصيف الأخضر ودعني…. وتواري الخير تواري الليل تواري الإنسان
من كان يصدق أن الأرض ستفقد كل خصوبتها…. … حتي الصفصاف الغافي فوق مياه الأنهار…… إحترقت كل ضفائره و انقطعت عنا الامطار ……لا نجم يتلألأ لا أقمار….
أبحث عن شبر من أرض لا توجد تحته قنبلة ناسفة أو لغم متفجر…..أبحث عن ركن متحضر.
الصيف الأخضر ودعني….و تواري الليل تواري الخير تواري الإنسان…
إلي أخر القصيدة. و كان رحمه الله شديد التأثر و هو يتلوها بكل إحساس مرهف، بعد ذلك بدأ يتوافد أعضاء الصالون، يتبادلون أبيات الشعر و ينقضها و يصحح أماكن الضعف و يشيد بمواطن الجمال فيها.
استمر رحمه الله في عملقة مسيرته الأدبية إلي أذن الله بأن يقبض الموت روح إبنه الدكتور أحمد محمد زكي العشماوي الأستاذ بكلية طب الأسنان جامعة الإسكندرية، فما كان أن كتب قصيدة يرثوه فيها بعنوان (ولدى)
و يقول فيها
ولدي
لو أسعدني حظي ….
و طرقت الباب علي…..
فسأمتلك مفاتيح الدنيا …..
أتحول مجنونآ و خرافيآ..!!!.
وأضحك بين ذراعيا،،، و أحدق فيك مليا….
كي أتأكد أنك فبس من عيني….
و أقول أطلوا ،،، هذا ولدي
قد أرجعه الله إليا!!!
و سأطبق عيني عليك كي لا تخرج من بين الأجفان!!!
و ستشعل الفرحة بين أرجاء الكون….
تدفق كالطوفان
و سأسجد لله و أشكره….
كم ربي أنصفني.!!!
إلي أخر القصيدة.
و أستمر عملاق النقد الأدبي و أستاذ اللغه العربية في مسيرة عطاءه
الأدبية و الانسانية إلي أن فارق عالمنا في مارس ٢٠٠٥ تاركا وراءه موروث لا ينضب ورافدآ للمعرفة تنهل منه أجيال و أجيال.
رحمك الله يا من بقت ذكراه عطره في ذاكرة كل من رآك و من لم يراك، فأنت في القلب مادام في القلب نبض..
رحمك الله و جعل مثواك الجنه…
وليد عزت