من يوميات هيفاء ١ “سجينتك”
أهمسُ باسمِكَ فإنْ سمعتَ فأجبْني بصوتٍ لا يُسْمَعُ ، فأنا أحتاجُ إلى كلمةٍ ترنُّ في أذني فأحسبها كلمَةً وردَتْ منْ عالمٍ آخرَ لا تسمعُهَا ولكنْ تحسُّ بها في أحاسيسَ وأشواقٍ تمشي إليكَ في الفضاءِ الذي لا نهايةَ لهُ ، كلمةً تموتُ إنْ كتبتْ وتحترقُ إنْ قبلتْ وإنْ كساها سكونُ الكونِ كلها شيءٌ من الرهبَةِ ، فهي مرت بحياةٍ وحياة تملكُ وتجرحُ وترجو وتمنحُ وإن سكتتْ في يوم فهي تبشرُ بقربِ هبوبِ العاصفَةِ تلكَ التي لا تبقى ولا تذرُ وإنْ تكلمتُ بحدةٍ فاسمحْ لي سيدي فقد مَلَلْتُ السكونَ والرهبةَ ، فكم كنتُ أشعرُ أنكَ سجاني وجلادي وأحبُّكَ ، فإن
همسْتُ بكلمةٍ فهي سيدي من أحبكَ فتاةٌ سجينَةٌ في قصركَ المنيفِ ، أم فتاة تحبُّكَ متى أرادَتْ ، ألا تحبُّ الثانيَةَ ؟!
فهي تحبكَ بلا خوفٍ وتفكرُ فيكَ بلا شفقةٍ ، فإن فتحتَ قلبَها تجدُ فيها كلماتِ توسُّلٍ وحزمٍ وكسرَةٍ وعزمٍ فهي لا تحبكَ كما تحبكَ بقيَّةُ النساءِ ، بلْ تعشقُكَ وترددُ اسمَكَ في ملكوتها فتشدُّكَ إليها بحب لم تعرفْهُ كلُّ النساءِ ، فهلْ تحبُّ النساءُ في صمْتٍ ، فإنَّ النساءَ إذا أحببنَ أعلنَّ وإذا كرهنَ أعلنَّ ، فهن صويحبات يوسِفَ فلا يصبرنَ على عَتَبٍ ولا يردهن حسَبٌ
فما إن تحبَّ حتى تشقى السماءَ بحبها فهي تحبُّ وتريدُ أن تحبَّ السماواتُ معها ، فلا تحترْ في أمورِ النساءِ ، فكلهن شوقٌ إلى من يحببنَ وإن كنَّ في أشد الحاجةِ إلى كلماتِ رفق يشعرن بعدها بأنهن ملكنَ كوناً لا حدودَ لهُ ، ويرددن لحناً فيه كلُّ معاني الحبِّ والشوقِ ، ولا تسلْ عن كلماتهن وهن في كسرة فكلُّ حبوة فيها صفاءٌ وكلُّ ثورة فيها حياءٌ ، وإن شعرن بدفءٍ ومشاعرَ وقربِ حبوة فإنهن يفتحن لحبهن بابًا لا يُفتَحُ إلا لمن شئنَ ، فحبهن كشئ حرام ، فيه كلُّ فاكهَةٍ محرمَةٍ وفيهِ كلُّ أنواعِ العذابِ وحتى تشفى من ذلكَ الحبِّ تمرُّ بحبٍّ
آخرَ ، وتحبُّ مرة أخرى ، فكيف تفرُّ من سجنٍ لا يرحبُ بمنْ يأتي إليهِ ، ولا يفتحُ أبوابَهُ لمنْ يريدُ الخروجَ فلا تدخلْ سيدي فإني كفيتُكَ مؤونَةَ الدخولِ ، فلقدْ دخلت ولا تحسبني أحبُّ ذلكَ ، فأنا سجينةُ حبٍّ وبراءتي توجدُ في سجلٍّ أنتَ أردتَّ أن تحرقَهُ وتمزقَهُ وتحمله كذراتِ رمادٍ في يومٍ عاصفٍ ، فأنا سجينَتُكَ التي لا تريدُ الخروجَ ، وأنتَ الحلمُ الذي لا يجتمعُ مع الرجاءِ ، فمتى تصفحُ عن سجينتكَ وتفتحُ لها بابًا أنتَ أغلقتَهُ بحبٍّ وصفحتَهُ بشوقٍ ، فمتى أراكَ خارجَ جدار حُبٍّ صمتُهُ فتنَني وأشقاني سيدي ؟!