كلمه أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية في. جلسه مجلس الأمن
هناء السيد
السيد الرئيس
معالي الوزير فيليب جوفان ـ رئيس مجلس الأمن
فخامة الرئيس محمود عباس
السيد أنطونيو جوتيريش سكرتير عام الأمم المتحدة
السادة المندوبين الدائمين أعضاء المجلس الموقر
أتحدث أمامكم اليوم ممثلا لجامعة العرب بعد أن اجتمع مجلسها الوزاري واتخذ قرارا جماعياً في الأول من فبراير برفض خطة السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين والمطروحة من جانب الولايات المتحدة في 28 يناير الماضي.. وهو الرفض الذي لم يأت من فراغ أو بغير تفسير.
هناك معطيات معروفة ومستقرة في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في مقدمتها الخلل الكبير في توازن القوى علي الأرض بين طرف واقع تحت الاحتلال والآخر القائم به.. معادلة معروفة وتتكرس منذ عدة عقود لكنها ليست كل الصورة.. فالشرعية الدولية تقف الي جوار الفلسطينيين.. والقانون الدولي كما يُجسده ويُعبر عنه مجلسكم الموقر والأمم المتحدة عموماً هو السند الأول والأساسي للطرف الفلسطيني في هذا الصراع الطويل، حتي قبل دعم اخوتهم العرب.. لم يعد لدي الفلسطينيين من طريق للنضال سوى الصمود علي أرضهم أولاً ثم مناشدة حس العدالة والإنصاف لديكم.. فالمفاوضات المباشرة التي كان يفترض ان ترسم خريطة طريق للوصول إلى الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على أساس خطوط الرابع من يونيو 1967 منذ ستة وعشرين عاما لم تفض الي شيء مع الأسف.
لقد سبق طرح الخطة إجراءات استباقية عديدة من جانب الولايات المتحدة.. وكما استمعنا من الرئيس محمود عباس.. كلها من شأنها أن تؤثر تأثيراً مباشراً علي مصير القضايا التي اتفق في أوسلو أنها ستكون محل تفاوض مثل القدس واللاجئين.. إجراءات بات واضحاً أن الهدف منها هو حسم تلك القضايا لصالح الطرف الإسرائيلي قبل الجلوس علي أي مائدة تفاوض..
ثم جاء الطرح وكأنه خلاصة التفاوض بين الوسيط وإسرائيل.. لم يُستشر الفلسطينيون كما استمعنا.. بل لم يتم حتي إعلامهم بفحوى هذه الخطة التي تتعلق بمصيرهم.. واليوم يُطلب منهم إما الموافقة والإذعان … وإما مواجهة وضعٍ في المستقبل القريب يتم خلاله تطبيق مفردات هذه الخطة عليهم من جانب واحد.. وكأن الخطة قد صيغت بصورتها هذه لكي تٌرفض فلسطينياً وعربياً وإسلامياً.. ثم يتم فرضها من جانب واحد.. ونصبح أمام نسخة جديدة من خطط الإنسحاب الأحادي التي طالما روج لها اليمين الإسرائيلي.. ولكن تحت مُسمى الحل الدائم.. وكل هذا يجافي أساس الوساطة المحايدة.
السيد الرئيس
من ناحية المبدأ فإننا نرحب باهتمام الإدارة الأمريكية بالوصول الي تسوية سياسية لهذا النزاع وهو اهتمام أثنينا عليه في حينه بل ومازلنا.. ولكننا مع الاسف وجدنا أن الخطة المطروحة تخالف المبادئ التي طالما نادت بها الولايات المتحدة نفسها كأساسٍ للحل الدائم منذ دخولها علي خط التسوية السياسية للصراع العربي الإسرائيلي منذ أربعين عاماً.. وفي مقدمة تلك المبادئ المبدأ الذي وضعته الولايات المتحدة ذاتها وأعني به مبدأ الأرض مقابل السلام .. أي إنهاء الاحتلال وتوابعه مقابل الأمن والاعتراف وبدء علاقات سلام طبيعية.
لذلك فالخطة تطرح محددات أمريكية جديدة خلاصتها منح الأرض والمستوطنات والقدس والأمن لإسرائيل.. ثم التطبيع والسلام ايضاً لإسرائيل.. أما للفلسطينيين فتمنحهم أراضٍ مجزأة مقطعة أوصالها، بلا سيادة ولا قدس ولا حل مقبول لمشكلة اللاجئين.. باختصار هو شيء لا يرقى حتي لمرتبة الحكم الذاتي الكامل، ولا أقول دولة مستقلة بطبيعة الحال.
ان الخطة لا تعرض حل الدولتين وإن أطلقت عليه هذا الاسم .. بل تعرض ما دون ذلك.. عملياً هو طرح يُفضي إلى وضع أقرب إلى دولة واحدة تضم فئتين من البشر.. فئة كاملي المواطنة وأخري بلا حقوق.. هذا الوضع له اسم مشين نعرفه جميعاً.. وطالما تردد في أرجاء هذه القاعة مصحوباً بكل نعوت الاستنكار والاستهجان .. فهل يقبل المجتمع الدولي بـ “أبارتايد” جديد في الشرق الأوسط وفي الأرض المقدسة؟
السيد الرئيس..
ان المواقف العربية والفلسطينية ليست رفضاً لمجرد الرفض أو حباً في إضاعة الفرص كما يحلو للبعض أن يردد وكأننا نهوي العيش في صراعات وأزمات أبدية.. بل اننا نحن العرب لدينا مشروعنا للسلام..
لدينا مشروع سلام يقوم علي أساس مبادرة السلام العربية التي أُطلقت منذ 2002.
لقد حملت هذه المبادرة وعداً قاطعاً وواضحاً ومبسطاً لإسرائيل منذ ذلك التاريخ بالتطبيع مع 22 دولة عربية.. إن هي قامت بإنهاء الاحتلال وأتاحت للدولة الفلسطينية أن تري النور على أساس خطوط الرابع من يونيو 67 .. وعاصمتها القدس الشرقية.. مع حل متفق عليه لقضية اللاجئين .. تلك هي مبادئ الحل كما يراها العرب..
لا تطرح مبادرتنا تفاصيل الحل لأنها لا تسعى لفرض التفاصيل، بل إلى مساعدة الطرفين للوصول إلى هذا الحل عبر التفاوض.. أكرر عبر التفاوض بين الجانبين المعنيين.
أما الخطة الأمريكية فقد قوضت مغزي التفاوض برمته.. فلم يكن مطلوباً من الوسيط أن يخوض في تحديد صورة الحل النهائي بتفاصيله علي النحو المطروح الا بطلب من الطرفين معاً، وكثمرة لمفاوضاتهما المباشرة.
السيد الرئيس..
لقد عملت لعقود في أروقة صنع السلام في الشرق الأوسط.. وخرجتُ منها بدرسٍ رئيسيّ مهم .. ألا وهو أنه لا يُمكن أن يستقر سلامٌ بين طرفين أو يدوم إن لم يكن قائماً علي العدل.. لا يمكن أن يستقر سلامٌ في الشرق الأوسط إن هو جاء في صورة إقرار طرفٍ بالهزيمة ومن ثمّ إجباره على الاستسلام والإذعان ذلك سيمثل وصفة لاستمرار النزاع. وأقول هنا إن محو التطلعات القومية للشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال ومحاولة شطب روايته الوطنية من الوجود وحمله على الإذعان لتسوية مجحفة هو خطيئة دولية كبري ان سمح المجتمع الدولي لها بأن تحدث..
ربما يقود توازن القوى القائم اليوم لخروج أفكارٍ كهذه .. ولكن المؤكد أن مثل هذه الأفكار لا تؤسس لا لأمن حقيقي و لا لسلام مستدام و لا لتسوية تاريخية لنزاع مستمر منذ عقود..
ما نطالب المجتمع الدولي به اليوم هو الحفاظ على مصداقيته.. التمسك بالمبادئ التي سبق أن أقرها ودعا إليها الطرفين وصارت محدداتٍ مستقرة للتسوية .. هذه المبادئ آمن بها أغلب الفلسطينيين وناضلوا تحت سقفها عبر العقود الثلاثة الماضية .. والتفريط فيها يضرب مصداقية المجتمع الدولي في مقتل، ويضعف موقف الفلسطينيين الذين راهنوا على طريق السلام العادل والتسوية السياسية.. ولا أظنُ أن أحداً يسعى للوصول إلى مثل تلك النتيجة.
دهشت أن نستمع ـ كما حدث منذ قليل ـ إلى دعوة واضحة لإقصاء الرئيس أبو مازن ونعته بأنه ليس شريكاً في صنع السلام.. مثل هذا الحديث يكرس نوايا غير حميدة تجاه الرئيس الفلسطيني وهو أمر يدعو للقلق.
ثم أن هذا المنهج في التفكير يوضح بجلاء أن هناك مشكلة “شخصية” لأنني مؤمن تمام الإيمان بأنه ما لن يوقع عليه الرئيس أبو مازن فلن يوقع عليه أي فلسطيني آخر.. هذه طموحات وحقوق شعب وليست مشكلة زعامة.
وفي فترة ماضية كان هناك حديث يتعلق بالرئيس الفلسطيني السابق أنه ليس شريكاً للسلام… وكأن الوضع يتكرر مرة أخرى للأسف.
شكراً سيادة الرئيس