قرأت لك.. “نظرية الفوضى” سؤال مهم: إلى أين يتجه العالم؟
فى كتاب “نظرية الفوضى.. مقدمة قصيرة جدًّا” لـ ليونارد سميث، ترجمة محمد سعد طنطاوى مراجعة علا عبد الفتاح يس مراجعة علمية انتصارات محمد حسن الشبكى، رؤية تنطلق من كون مفهوم “الفوضى” يعكس بعضَ الظواهر فى الرياضيات والعلوم، على أساس أنها النظم التى يكون فيها للفروق الصغيرة فى الطريقة التى تكون عليها الأشياء فى الوقت الحالى آثارٌ كبيرة على الطريقة التى ستكون عليها الأشياء فى المستقبل.
ويستقصى الكتاب أثر الثراء اللافت الذى ينتج عن ثلاثة محددات بسيطة، سنطلق عليها “الحساسية”، و”الحتمية”، و”التكرار”، تسمح هذه المحددات بالفوضى الرياضية: سلوك يبدو عشوائيًّا، لكنه ليس كذلك، فعندما سُمِح فى هذه الفوضى بقدرٍ قليلٍ من «عدم اليقين» وافتُرض أنها المكون النَّشِط للتوقُّع، أثارت جدلًا عمره مئات السنين حول طبيعة العالم.
ويحاول هذا الكتاب تقديم هذه المصطلحات للقارئ، وهدفه هو بيان ماهية الفوضى، ومواضعها، وكيفياتها؛ متجاوزًا أى موضوعاتٍ تدور حول أسبابها التى تتطلب خلفية رياضية متقدمة، لحسن الحظ، يصلح وصف الفوضى والتوقُّع لفهمٍ بصرى هندسى، سيكشف تناولُنا للفوضى القابليةَ للتوقُّع دون معادلات، مُزِيحًا الستار عن تساؤلاتٍ مفتوحةٍ للبحث العلمى النَّشِط فى مجالات الطقس، والمناخ، والظواهر الواقعية الأخرى ذات الأهمية.
وتطوَّر الاهتمام الحديث الواسع بعلم الفوضى على نحوٍ مختلفٍ عمَّا حدث من الاهتمام الكبير بالعلوم الذى ظهر منذ قرن، عندما لامست النسبية الخاصة عصبًا مألوفًا كان مفترضًا أن ينبض لعقود.
لماذا كان رد الفعل العام تجاه تبنِّى العلم للفوضى الرياضية مختلفًا؟ ربما يتمثَّل أحد الأسباب فى أن معظمنا يعرف بالفعل أنه فى بعض الأحيان قد يترتَّب على الفروق الصغيرة جدًّا آثار هائلة. ترجع أصول المفهوم الذى بات يُعرَف الآن باسم «الفوضى» إلى الخيال العلمي، كما ترجع إلى حقائق العلم. فى حقيقة الأمر، نَمَتْ جذور هذه الأفكار فى تربة الخيال قبل أن تُقبَل كحقائق؛ فلعل العامة كانوا بالفعل على وعى بتداعيات الفوضى، بينما ظل العلماء فى حالة إنكار.
وتوافر لدى كبار العلماء وعلماء الرياضيات الشجاعةُ والاستبصارُ الكافيان لتوقُّع ظهور مفهوم الفوضى، لكن حتى وقتٍ قريبٍ اشترط الاتجاه السائد فى العلم على الحلول حتى تكون صالحةً ضرورةَ أن تكون متساوقة؛ فالأشكال الكسرية والمنحنيات الفوضوية لم تكن تُعَدُّ شذوذًا فحسب، بل كانت تُعَدُّ أيضًا أمارةً على مسائل أُسِيء طرحها.
بالنسبة إلى أى عالم رياضيات، قلما تجد اتهامًا يجعله يشعر بالخزى أكثر من طرح فكرة أنه أضاع حياته المهنية فى مسألة أُسِيء طرحها.
ولا يزال بعض العلماء يكرهون المسائل التى يُتوقَّع أن تكون نتائجها غير قابلةٍ للتكرار، ولو من الناحية النظرية. لم تصبح الحلول التى تتطلبها الفوضى مقبولةً على نطاقٍ واسعٍ فى الدوائر العلمية إلا مؤخرًا، واستمتع المتابعون من العامة بالتشفِّى الذى بَدَا من عبارة «لقد قلنا لكم ذلك» التى يقولها «الخبراء» عادةً.
يشير ذلك أيضًا إلى سبب شيوع دراسة الفوضى فى العلوم التطبيقية مثل علم الأرصاد الجوية وعلم الفلك، على الرغم من دراستها بقوةٍ فى الرياضيات والعلوم؛ فالعلوم التطبيقية تُحرِّكها رغبة فى فهم الحقيقة وتوقُّعها، وهى رغبة تتجاوز التفصيلات الدقيقة فى صور الرياضيات السائدة فى وقتٍ ما.
تطلَّبَ ذلك أفرادًا فريدين من نوعهم استطاعوا رأب الفجوة بين نماذجنا للعالم والعالم الواقعى دون الخلط بين الاثنين، أولئك الذين استطاعوا تمييز الرياضيات عن الواقع؛ ومن ثَمَّ وسَّعوا دائرة الرياضيات.
كما هى الحال فى جميع كتب سلسلة «مقدمة قصيرة جدًّا»، تتطلب قيود المساحة اختصار عرض أو حذف بعض الموضوعات؛ لذلك فإننى أكتفى هنا بعرض بعض الموضوعات الرئيسية بشكلٍ مفصل، بدلًا من عرض شروحٍ ضحلةٍ لعددٍ كبيرٍ من الموضوعات؛ لذلك أعتذر إلى مَن لم أُشر إلى أفكارهم وأعمالهم، وأتوجَّه بالشكر إلى لوسيانا أوفلاهيرتى (محررة كتبي)، ووندى باركر، ولين جروف لمساعدتى فى التمييز بين أهم الموضوعات من وجهة نظرى وما قد يهم القارئ.