الأدب
الطاهر بن جلون يتعافى من فيروس كورونا ويوجه رسالة لقرائه.. اعرف التفاصيل
خاض الكاتب الشهير الطاهر بن جلون تجربة صعبة فى الأيام القليلة الماضية بعدما أصيب بفيروس كورونا، لكنه شفى منه مؤخرا، وخرج على قرائه برسالة يوضح فيها هذه التجربة وكيف أن الحياة منحته فرصة جديدة مؤكدا أنه نجا بفضل أنه يحب الحياة.
ونشر الكاتب المغربى الطاهر بن جلون رسالة بالفرنسية فى موقع “فرانس انتير” يعلن فيها شفاءه من مرض كورونا، بعد قضائه فترة فى الحجر الصحى تحت رعاية طبية.
ونقلا عن موقع ” إندبندنت عربية” لم ينشر الطاهر بن جلون خبر إصابته بالفيروس وظل سرياً، فهو كما بدا، لم يُعلم أحداً بالعدوى، لئلا يحدث إرباكاً فى حياة أسرته أولاً، وكيلا يجعل من خبر إصابته وحجره مادة إعلامية تتبادلها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى، لكنه ما إن تعافى واجتاز فترة الحجر متخلصاً تماماً من آثار المرض، كتب هذه الرسالة واختار لها عنواناً ملتبساً هو “رسالة إلى الصديق البعيد”.
فى هذه الرسالة يرسم الكاتب صورة هذا الصديق بألفة تامة، ويسترجع معه ذكريات جميلة ولحظات من الفرح قضياها معاً فى المغرب، ويتحدث حتى عن حياة الزهو التى عاشاها، بين المطاعم والمعارض، لكنّ الرسالة لا تخلو من الألم الذى عاناه فى عزلته، مواجهاً الخطر والخوف من المجهول، ويعترف فيها كيف أن الجمال والفن والصداقة كانت هى منطلقه للهروب من لحظات الحجر المريرة، ويعبر عن الأمر الإيجابى الذى تركه فيه المرض وشفاؤه منه.
يقول الطاهر بن جلون فى رسالته:
“منذ أن حُجرنا، كل واحد فى بلاد، أشعر بأن الوقت الذى كان يجمعنا، يفصل بيننا الآن.
ولئن انقطعت أخبارى خلال أسبوعين، فلأننى كنت قد أصبت بالعدوى، وإنى الآن لسعيد فى أن أعلن لك أننى شفيت. أجل كنت أنتمى إلى شريحة الـ95 فى المائة من الأشخاص الذين أصابهم فيروس كورونا، والذين حالفهم الحظ فى القضاء عليه.
كان صمتى مجبولاً بالقلق والأمل. ولم أشأ أن أضفى مزيداً من الاضطراب على الكرب الذى كنت تعيشه.
بدأت العدوى كحال رشح بسيط، ألم فى الرأس، فقدان حاسّتى الشم والمذاق، ثم حل على تعب مضن، عزلت نفسى فى البيت، لم أخرج بتاتاً، لم أر أحداً، ورحت أنتظر، اتصلت بأصدقائنا المشتركين لأعلمهم بأن العيد، كل الأعياد أجّلت، عشت أوقاتاً من العزلة الشديدة، وخلالها حاولت جاهداً ألا أرى صورتى فى المستقبل، لكننى تمكنت عبر المثابرة، من أن أتعلق بالفرح، بفكرة السعادة، بالأوقات الرائعة التى حملتنا نحو صداقة جميلة.
كنت متعباً ولكن غير مهدود، استمعت إلى جون كولتران وطرت على أجنحة عبقريته، ثم انتقلت إلى شارلى باركر وسمحت لنفسى بأن أمضى إلى ليله، “ليل فى تونس”، سافرت، اندفعت بقوة، وفكرت بك، فكرت بنا، وكم ساعدتنى مخيلتى فى الابتعاد عن المرض،وفى أعماق نفسى، صارعت بصمت، لأمنع الفيروس من أن يصيب رئتيّ.
فتحت من ثمّ كتاباً كبيراً عن هنرى ماتيس، ووجدت نفسى فى طنجة عام 1912 برفقة زهرة التى كانت موديلاً له، دخلت رؤيا الفردوس كما رسمها فى لوحته “المغاربة”، لوحة ملغزة أعجبنا بها كثيراً عندما شاهدناها معاً فى معرض له فى مركز بوبور، كان يوماً من مايو 2012.
الفن، الجمال، الصداقة، هذه كلها ساعدتنى فى القضاء على هاجس الموت. نعم، أعترف بأننى شعرت بالموت يطوف حول البيت. لكننى قاومت متمسكاً بطقوس حياتي، كنت أحلق ذقنى كل يوم، على عادتى، أغتسل، وأرتدى ثياباً ذات ألوان وكأننى ذاهب للالتقاء بك من أجل غداء فى أحد مطاعمنا المفضلة. وكنت أجلس إلى طاولتى محاولاً المضى فى العمل.
اكتشفت أن الحجر ليس مناسباً للكتابة. الوقت، الممتد كثيراً، يحيط بى مثل السراب، مانعاً إياى من الحركة. هكذا، كنت أنهض مستعيدا ذكرياتنا المعاندة. ذكريات زمن الحبور وخلو البال.
منذ أن شفيت، أشعر بأن هذه التجربة منحتنى طاقة جديدة، إننى حى، وكما تعلم، أننى أحب الحياة، أنظر إلى السماء والشمس بطريقة أخرى، إننى أشد انتباهاً إلى زقزقة العصافير، وإلى صحة الآخرين، إلى أقاربى وإلى جيرانى أيضاً، سأضع كفوفاً وكمامة قبل أن أذهب لشراء حاجياتى الصغيرة، وسأمر على جارتى فى الطابق الثاني، المسنّة جداً، التى تحيا وحيدة، وآخذ منها لائحة مشترياتها. ثم سأنتظر أن تُفتح الحدود كى نلتقى معاً”.
ولد الطاهر بن جلون فى 1 ديسمبر 1944، فى مدينة فاس، ينتمى إلى الجيل الثانى من الكتاب المغاربة الذين يكتبون باللغة الفرنسية وله إصدارات كثيرة فى الشعر والرواية والقصة، وتتميز أعماله بالطابع الفولكلورى والعجائبي. هو حاصل على جائزة جونكور الفرنسية عن رواية “ليلة القدر”.
انتقل الطاهر بن جلون إلى طنجة مع أسرته سنة 1955 حيث التحق بمدرسة فرنسية. وكان قد اعتقل عام 1966 مع 94 طالبا آخر لتنظيمهم ومشاركتهم فى مظاهرات 1965 الطلابية، فتخلى عن الحراك السياسى ولجأ للكتابة.
ودَرَّسَ الفلسفة فى الرباط حتى عام 1971 حين إعلان الحكومة المغربية عزمها تعريب تعليم الفلسفة. ورداً على هذه الخطوة، غادر المدرّس الفرنكوفونى المغرب صوب فرنسا حيث حصل على شهادة عليا فى علم النفس. وبدأت مسيرته فى الكتابة بعد فترة قصيرة من وصوله إلى باريس حيث عمل كاتبا مستقلا لصحيفة لوموند وبدأ ينشر الشعر والرواية.
مؤلفاته: بدأ الكتابة شعرا مع مجموعة أنفاس بالمغرب ثم انتقل إلى الرواية والقصة، فصدرت له العديد من الأعمال الأدبية منذ السبعينات منها روايات: حرودة عن دار دونويل سنة 1973، وواية موحى الأحمق، موحى العاقل عن دار لوسوى سنة 1981، وصلاة الغائب عن دار لوسوى سنة 1981، وطفل الرمال عن دار لوسوى سنة1985، وليلة القدر عن دار لوسوى سنة 1987، وهى الرواية التى حصل من خلالها على جائزة الكونكور الفرنسية فى نفس السنة.
كما أصدر مجموعة من النصوص القصصية والدواوين الشعرية والأنطلوجيات منها: ذاكرة المستقبل وهى انطلوجيا حول القصيدة الجديدة بالمغرب عام 1976، ديوان فى غياب الذاكرة عام 1980، والمجموعة القصصية الحب الأول هو دائما الأخير عام 1995. من أعماله الأخيرة رواية «ليلة الخطأ» 1997، رواية مأوى الفقراء 1999، ورواية تلك العتمة الباهرة سنة 2001، التى أثارت حفيظة معتقلى تازمامارت لعدم إثارة قضيتهم من قبل واستفادته منها الآن لكسب أرباح على حسابهم.
أهم اعماله: طفل الرمال 1985، ليلة القدر 1987 (حصل عنها على جائزة غونكور سنة 1987)، ليلة الغلطة. 1996، تلك العتمة الباهرة 2001، الإستئصال 2014.