بعد حرب يونيو 1967م عاشت سيناء اقسى سنواتها حيث وقعت اسيرة إحتلال إسرائيلى استمر حوالى 15 عاما حتى إكتمال تحريرها،
فمنذ إنتصار اكتوبرعام 1973م وعبور أبطال جيشنا العظيم الضفة الشرقية لقناة السويس ، وسيطرة الجيش المصرى على المداخل الإستراتيجية لشبه جزيرة سيناء ، وزلزلت الإرض تحت أقدام جيش الاحتلال الإسرائيلى وإستغاثة جولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل حينها ، وتغير موازين القوة على أرض المواجهة ، حيث كل أبرز ذلك مقومات القوة المصرية وعزيمتها القوية لإستعادة الأرض وتحريرها خاصة إمتلاكها قوة الدفاع وقوة الخصم الذى يدعى للتفاوض ، ومن هنا الحركة المكوكية للتفاوض والتى تدخلت فيها الولايات المتحدة مباشرة ، والتى اجبرت العدو الى الجلوس لمائدة التفاوض بالشروط المصرية وتنفيذ مبادرة السلام وينود إتفاقية كامب ديفيد والمراحل الزمنية لخطة تسليم الأرض، وإكتمال تحرير كامل تراب الاراضى المصرية فى25 ابريل1982م ، وعادت سيناء المحررة بعد سنوات مريرة من الاحتلال عاشتها فى ظل إباء ومقاومة مستمرة ،،،
ولذا وجدت من الهام جدا ان نلقى نظرة على احوال سيناء فى ظل الاحتلال (1967-1982) : وكيف عاش اهلنا صامدون مرابطون رافضون التعامل مع قوات الإحتلال فى ظل سنوات الاحتلال المظلمة وكيف أدارت سلطات الإحتلال سيناء وكيف تعاملت من قضايا هامة تتعلق بالتعليم والصحة وغيرها من شئون الحياة المدنية التى كانتلا شبه متوقف ، وهو ماأطلقت علية أسلوب :
(الإدارة المدنية لسلطات الإحتلال لسيناء )
حقيقى هو سؤال يطرحة الكثيرين من اخوة وزملاء وكان يطرح علينا كثير كيف تعايشنا وتحملنا ذلك الإحتلال البغيض وكيف تعاملت قوات الإحتلال الإسرائيلى مع أهل سيناء ، وكانت دائما علامات الدهشة تعلو على وجوه البعض كيف تعامل هؤلاء وكانت نظرات الريبة من قبل البغض الذين لم يعرفوا سيناء وأهلها ولم يع أحد منهم معنى الاحتلال ومفهومه وذاق مراراته ومنهم من كان يلق التهم جزافا على أهل سيناء لدرجة غريبة ، تنم عن ضيق الأفق والثقافة والاغرب أن مصر بالذات عايشت تجربة وجود اليهود في مصر قبل ثورة 1952م ، ولم يتطرق أحد إلى تلك المرحلة في التاريخ المصرى التي عاصرت وجود جاليات يهودية بل من يحملون الجنسية المصرية من اليهود !!!
وقد كانت سيناء كأرض محتلة هناك إلتزامات تفرضها القوانين والقواعد الدولية لحماية المدنيين أثناء الحروب وعند إحتلال الأقاليم ، تفرض القوانين الدولية على سلطات الإحتلال إادارتها من شئون الحياة المدنية التى كانت شبه متوقفة فى وجود الإحتلال ، حيث توقف التعليم واغلقت المدارس لمدة عامين ، توقف الخدمات الصحية ، حيث طالب الأهالى بوجود هيئة دولية لحمايتهم وكوسيط دولى مدنى لإدارة شئون حياتهم اليومية ، ورغم ذلك فقد اشتدت ممارسات القمع على الإهالى مما أدى بعد حرب 67 إلى هجرة أعداد كثيرة من سكان سيناء تحت ضغط الارهاب الاسرائيلى واستغلت قوات الاحتلال ذلك أسوأ إستغلال حيث استولت على بيوت واملاك الأهالى ، وتحت ضغوط الهيئات الدولية بالتعاون مع إجهزة المخابرات المصرية التى كانت تتابع ذلك من بعد وعن طريق تواصلها الوثيق مع الاهالى ونماذج المقاومة الوطنية الذين كانوا ينقلون الصورة الحقيقية عن حالة سيناء ، حيث كان أسلوبها فى أدارة سيناء كالتالى :
قامت قوات الإحتلال باخذ إجراءات تفرضها المواثيق الدولية ، حيث تم تشكيل إدارة اسرائيلية تحت مسمى “إدارة املاك الغائبين ” كما استولت أيضاً على كل المقرات الحكومية لتدير من خلالها سيناء مثل مبنى محافظة سيناء القديم حيث كانت سيناء وقتها محافظه بأكملها وجعلته اسرائيل مقرا لقيادتها العسكرية ومدرسة الصنايع الى جوارها جعلتها للادارة المدنية وكذلك مبنى الهلال الأحمر الذى كان من المزمع افتتاحة صباح يوم 5يونيو 1967م وكانت يرأس الإدارة المدنية ضابط برتبة لفتنانت كولونيل ومعه فريق من المساعدين يتكون من ضباط إداريين . ويقوم هذا الفريق بالتنسيق بين الخدمات التى تقدم للسكان وفقًا لخطة عمل سنوية تنفذها الوزارات كل فى مجال اختصاصها . وبالإضافة إلى هذه الوظائف توجد إدارة خاصة تبحث مطالب السكان ، وكانت تطلق على أراضى سيناء التي إحتلتها بمصطلح “المناطق المدارة ” ويهمنى هنا التركيز على ألألية التي إتبعتها قوات الاحتلال ومحولاتها لإختراق مجتمع سيناء الذى فشلت فىه تماما ومثل حائط صلب امام كافة محاولاتها ، حيث ركزت على عدة مجالات وهى :
1- التعليم
كان ينطبق نظام التعليم الالزامى فى سيناء على المراحل الابتدائية والاعدادية والثانوية . لكن بعض السكان لا يستفيدون من هذا ، وبالإضافة إلى المدارس كانت توجد كلية للمعلمين كان يدرس بها مائة طالب من المنطقة . وخريجو المدارس الثانوية الراغبين فى أن يكملوا تعليمهم فى الجامعة يذهبون إلى مصر ، وللدراسة فى جامعاتها ، وكانت توجد فى شبه جزيرة سيناء 19 مدرسة كان يتولى التدريس فيها 391 معلمًا منهم مائتان فى قطاع غزة كما أضيفت إلى هذه المدارس أخيرًا مدرسة حديثة تضم 24 فصلاً ، وتقوم بتنسيق العمل فى النظام التعليمي إدارة التعليم تحت إشراف مسئول حكومى من غزة مدير عام يقيم فى العريش وأربعة مراقبين مساعدين ، وتقوم وزارة التعليم المصرية بوضع وتحديد المناهج بما فى ذلك الكتب المقررة.
الرعاية الاجتماعية
وكان يدير مكتب الرعاية الاجتماعية مسئول يعمل بالتنسيق مع مكتب الرعاية الاجتماعية بسيناء فى غزة ، كما يساعده فريق من الموظفين العرب (وعددهم 31 موظفًا) معظمهم من خريجى قسم الاجتماع بجامعة عين شمس وكان مكتب الرعاية الاجتماعي فى العريش يقوم بتقديم اعانات كاملة أو جزئية لـ 15% من سكان المدينة ، ويقوم المكتب بأعماله بالتعاون مع المنظمات الدولية مثل الصليب الأحمر والهلال الأحمر المصرى ، وتقدم وزارة الشئون الاجتماعية إعانات لجميع سكان وسط وجنوب سيناء ولأسر المحتاجين ، وكانت هذه المساعدات تأتى من منظمات الإعاثة الدولية عن طريق هيئة الصليب الأحمر ،،،
وقد أنشأت إدارة الشئون الاجتماعية عام 1978 بالتعاون مع وزارة التعليم مدرسة للتدريب المهنى فى العريش ليلتحق بها الشبان الذين يتسربون من التعليم العام ، وتقوم المدرسة بتدريب الطلبة على حرف مثل النجارة وغيرها من الأعمال اليدوية والفنية.
إدارة الزراعة
وكانت هذه الإدارة هى المسئولة عن تقديم الخدمات الزراعية وخدمات الإرشاد الزراعى وتقوم بالرقابة وأعمال التصدير والتسويق وبالإشراف على شئون المياه ، مثل شئون المصايد وتوزيع المياه على البدو ، وأهم الاختصاصات الموكلة لهذه الإدارة فى المنطقة هى المصايد التى تمثل وسيلة العيش لثلاثة آلاف أسرة فى مناطق مرسى التلول وأبو صقل ، ويقوم تجار العريش بصفة دورية بتوزيع الفاكهة والخضروات حيث يشترون المحاصيل بأسعار زهيدة للغاية ويتعهدون ببيعها للسكان بأسعار محددة.
إدارة النقل
كانت تمارس إدارة النقل عملها فى مجال إصدار التراخيص وتنظيم المرور ووضع اللافتات على الطريق وتوفير الأمن وأداء خدمات النقل العام وإنشاء الجراجات وورش الإصلاح وتقديم الخدمات للسيارات والزوارق واستيراد وسائل النقل وقطع الغيار.
إدارة الأديان
كان هناك مايسمى بالإدارة المدنية فى الشئون الدينية التى تطبق مبدأ حماية حرية العقيدة والاحترام المتبادل والمراعاة الكاملة لرغبات وقيم كل طائفة وزعمائها الدينيين ويقتصر تدخل الإدارة المدنية على تقديم المعونات المادية والإدارية للمساعدة على تدعيم الحياة الدينية المستقلة لكل طائفة وضمان ممارستها الدينية وإقامة شعائرها بحرية ، حيث كان يوجد فى المنطقة 14 هيئة دينية يعمل بها 37 شخصًا.
المواصلات
كان ىيوجد فى مكتب البريد المركزى – الذى يؤدى الخدمات البريدية والتلغرافية – مكتب لصندوق التوفير ، ويعمل فى مكتب البريد كله سبعة اشخاص ، وتوجد تحت إدارة وزارة المواصلات خطوط اتصال تليفونى يشترك فيها مائتا مشترك من العريش.
التجارة والصناعة
كان يوجد فى العريش 590 متجرًا ومشروعًا تخضع أسعارها لرقابة وزارة التجارة والصناعة وتعمل الوزارة على توفير السلع الاستهلاكية بانتظام ، وبالإضافة إلى عملهم التجارى داخل المدينة فإن تجار العريش والمناطق المجاورة يذهبون إلى وسط وجنوب سيناء حيث يتاجرون اساسًا فى المواد الغذائية والملابس التى يبادلونها بالأغنام والخراف ، ويشترط فيمن يقومون بهذه المقايضة الحصول على تراخيص من الإدارة المدنية بذلك.
وتوجد فى العريش ستة مصانع انشئت برأسمال إسرائيلى ويدير العرب معظمها ، كما كانت توجد بالإضافة إلى ذلك محطتا بنزين اسرائيليتان.
الإدارة الصحية
تتولى إدارة الصحة الإشراف على تقديم الخدمات الصحية فى المنطقة من خلال مستشفى العريش الذى يضم الآن خمسين سريرًا بأقسامها المختلفة ، وهذا المستشفى الذى يعتبر مركزًا طبيًا إقليميًا يخضع لإشراف مهنى من غزة ويؤدى أيضًا خدمات كمركز استشارى طبى وكمركز لرعاية الأمومة والطفولة وتوجد فيه أيضًا مراكز للإسعاف وسيارات تعمل 24 ساعة يوميًا.
وكانت توجد سيارتا اسعاف وثلاث عيادات متنقلة تقدم خدماتها للبدو وتحمل كل عيادة متنقلة طبيبًا وممرضًا وأدوية للإسعافات الأولية ، وتتولى الادارة أيضًا وظيفة إحصاء السكان وتسجيل المواليد والوفيات واصدار البطاقات الشخصية.
هكذا مرت السنوات المريرة على أهلتا فى سيناء فى ظل أساليب القمع الممنهجة التى واجهها اهلنا فى سيناء بكل أدوات الصمود والمواجهة والمقاومة الوطنية التى يملكوها والتى صنعوها لمواجهة تلك السنوات القاسية . ومازال لحديثنا بقية
خالص تحياتى / سهام عزالدين جبريل
——————-