“اللحية التايواني”.. حلمي القاعود يعود للرواية بعد نصف قرن
يواصل الأستاذ الدكتور حلمي محمد القاعود، نشر رواياته بعد فترة توقف امتدت لما يقرب من نصف قرن، انشغل فيها بالنقد الأدبي والقضايا العامة، وأصدر في خلالها ما يقرب من مائة كتاب بعضها مرجع في بابه، وعلى مدى الأعوام القليلة الماضية نشر سيرته الذاتية الطويلة (ثلاثة أجزاء) ومجموعة من الروايات من بينها: الحب يأتي مصادفة، ورائحة الحبيب، وشغفها حبا، ومحضر غش، وشكوى مجهولة، والرجل الأناني.
وتأتي روايته الجديدة ( اللحية التايواني) تعبيرا عن طريقته الفنية في تقديم موضوعات جديدة وقضايا مختلفة من خلال رصد لبيئة مغايرة لم يتناولها الكتاب من قبل أو أشاروا إليها عرضا.
في اللحية التايواني نعيش بيئة ساحلية فقيرة تعتمد على الصيد وبيع الملح ومنتجات النخيل، ومقايضتها بالحبوب الزراعية من قمح وذرة وأرز، والسفر من أجل ذلك إلى القرى البعيدة ثم العودة بعد أسابيع لتوفير الخزين الغذائي السنوي.
نرى على امتداد الرواية نماذج بشرية تشقى من أجل لقمة الخبز، وأخرى تؤثر الطرق السهلة للوصول إلى غاياتها، فتفرط في أشياء كثيرة، وثالثة تفهم الأمور وفقا لمقتضيات الشهرة وحب المال وأشياء أخرى، وتتنكب الطريق الصواب فتضع نفسها موضع الاختبار القاسي.
يقدم الكاتب أسلوبا خاصا به يعتمد الفصحى الدقيقة التي تعبر عن الفكرة في اقتصاد ملموس، وتساعد الحوار ليكشف عن ثراء يسهم في تعميق الدلالة والإيحاء بالمستقبل، فضلا عن كشف جوانب الماضي.
بناء الرواية يبدو قائما على فكرة بسيطة شائقة ولكنها عميقة بما تحمل من رؤى وأفكار وأحداث.
روايات القاعود تعيد للغة العربية اعتبارها واحترامها، وتذكرنا بأسلوب نجيب محفوظ في صياغته العربية الراقية المتأثرة بالقرآن الكريم، وهي خطوة في مقاومة الابتذال اللغوي أو القبح التعبيري الذي ساد الحياة الأدبية في العقود الأخيرة.
في دراسته المطولة عن الرواية يقول الناقد البارز الدكتور إبراهيم عوض: “والملاحظ أيضا أن الكاتب خبير فى الحديث عن منطقة بلطيم وقرية الصيادين المقابلة لها على الناحية الأخرى من البحر، وكيفية معيشة الناس هناك وتفاصيل حياتهم وخباياها، فهو من قرية تقع على بحر كبير هو “بحر سيدى إبراهيم الدسوقي” كما كنا نسميه ونحن صغار، ويبرع فى إدارة الحوار بين أبطال الرواية على اختلاف طبقاتهم وميولهم ومهنهم، وفى تصوير شخصياتهم…”.