مدير “صدر العباسية”: لاحظنا تدهورًا لحالات “التهاب رئوي” قبل ظهور “كورونا” (حوار)
كتب – أحمد جمعة:
تصوير – نادر نبيل:
فيديو – كريم أحمد:
في مكتب الدكتور محمد عيد، مدير مستشفى الصدر بالعباسية، غرفة صغيرة أعدها كاستراحة في ظل حالة الطوارئ التي تعيشها المستشفيات للتعامل مع وباء “كورونا المستجد.. كوفيد 19″، إذ لا يترك المستشفى إلا يومين في الأسبوع بعد عمله يعود فيهما سريعًا إلى منزله، قبل أن يدخل إقامته مجددًا. يقول إنه اعتاد على مثل هذه الظروف، فإبان العملية العسكرية الشاملة كان مديرًا لمستشفى نِخل المركزي بشمال سيناء وظل هناك أطول مدة قضاها خارج منزله.
يعتبر “عيد” نفسه في معركة جديدة “يجب أن يعرف كل واحد مسؤولياته، وأن يكون على قدر المسؤولية”.
وكشف “عيد” في حواره مع “مصراوي”، أن مستشفى صدر العباسية رفع درجة استعداده مبكرًا لهذه الجائحة، ففي بداية فصل الشتاء، لاحظ أطباء الأمراض الصدرية وجود التهابات رئوية لبعض المرضى وتطورًا لحالتها لأسباب غير معروفة، ووجود مرضى يعانون من كحة لا تستجيب للعلاج، الأمر الذي دفعهم لزيادة احتياطاتهم للتعامل مع مثل هذه الحالات، قبل أن تعلن الصين عن وجود فيروس “كورونا”، ومعها رفع العالم إجراءاته الاحترازية.. وإلى نص الحوار:
* ما تجهيزات مستشفى الصدر للتعامل مع “كورونا”؟
مستشفى صدر العباسية أعرق مستشفيات الصدر في مصر، إذ أنشئ عام 1936، وبدأ عمله فعليًا عام 1938، وهو مبنيٌ ليكون خط الدفاع الأخير لأعراض الأمراض التنفسية بالنسبة للدولة، بمعنى أن المواطن مكانه يذهب إلى مركز طبي أو مستشفى عام وإن لم يجد علاجه يأتي إلى أحد مستشفيات الصدر، وهو المكان الأخير الذي يتعامل مع المريض ولا يحوله لأي جهة أخرى لتلقي العلاج.
المستشفى يحتوي على 448 سريرًا بالوضع الحالي نتيجة العجز في القوى البشرية سواء الأطباء أو التمريض أو العمالة بشكل عام، رغم أنه يسع لأكثر من ذلك بما قد يصل إلى 650 سريرًا.
يوجد بالمستشفى مبنى لاستقبال الحالات المشتبه بإصابتها بـ”كورونا” يضم 28 سريرًا بقسم السيدات، و45 سريرًا بقسم الرجال، كما أن الحالات الإيجابية يتم تحويلها إلى مبنى خاص يشمل 30 سريرًا، بخلاف مبنى خالٍ حاليًا يجري تخصيصه للحالات الإيجابية، ليشمل 100 سرير لزيادة السعة السريرية.
· متى بدأ الاستعداد لمواجهة الجائحة؟
في أوساط الأمراض الصدرية عمومًا، وكذلك مع تعاملنا مع أساتذة الجامعات المصرية في الأمراض الصدرية، لاحظنا وجود التهابات رئوية لبعض المرضى وتطورًا لحالتها غير معلوم السبب من بداية فصل الشتاء، وبعض المرضى كانوا يعانون من كحة لا تستجيب للعلاج، وهذا كان بادرة أزمة قد تحدث، حتى أعلنت الصين أواخر العام الماضي بوجود فيروس “كورونا المستجد”.
الفيروس ليس جديدًا علينا وهو مُكتشف منذ 1937 وانتشر بين البشر عام 1960، وتحور في 2003 وكان السارس، ثم الميرس في 2014، وفيروس “كورونا” متطور ومتحور من فترة لأخرى.
· يعني ذلك أنكم كنتم تتوقعون هذه الوباء؟
من خلال إدارة الأمراض الصدرية بوزارة الصحة، هناك خطط استعداد على أساس وجود جائحة كل 10 سنوات، وكان من المنتظر أن تكون هذه الجائحة خلال 2019، لكنها ظهرت في بداية 2020 وهذا هو المتوقع لوجود جائحات في مجال الأمراض الصدرية.
دعني أقول لك إنه عندما ظهر “كورونا” كانت لدينا حالة لمواطن مصري في 2014 كان مقيمًا مع عمه في السعودية الذي أصيب بـ”كورونا” وتوفي هناك، وطلب المواطن أن يتم علاجه في مصر، ظنًا منه أنه يرغب في الوفاة والدفن في أرض بلده، وجرى استقباله في حميات العباسية ثم تم نقله لمستشفى صدر العباسية، وكان لدينا في قسم الرعاية المركزة ثم عزلناه حتى خروجه بعد استجابته للعلاج.
· متى استقبلتم أول حالة اشتباه.. وما عدد من تعاملتم معهم حتى الآن؟
كان بداية استقبال الحالات، لمواطنة مصرية تدرس في الصين قدمت إلى المستشفى في أول فبراير، وتم حجزها والحصول على مسحة وخرجت النتيجة سلبية، وتوالت الحجوزات والعزل للمرضى تباعًا.
تعاملنا (حتى الأسبوع الماضي) مع أكثر من 500 حالة اشتباه في إصابتها بـ”كورونا”، ظهر منها 133 حالة إيجابية.
· كيف بدأ الاستعداد لمواجهة زيادة عدد حالات الاشتباه والمصابين؟
عن نفسي أخذت على عاتقي من منتصف مارس أن أقيم في المستشفى بصفة دائمة على مدار 24 ساعة لكي أكون مواجهًا لأي مشكلة تحدث على مدار اليوم، خاصة أننا نتعامل مع مواطنين من مستويات مختلفة، وبعضهم من مستويات اجتماعية مرتفعة وقد يغضب من مستوى الخدمة؛ لأنه اعتاد على مستوى معيّن، لكن الحالة التي تعيشها البلاد يجعل الناس تأتي لدينا في مستشفيات الحميات والصدر على اختلافها.
بدأنا بتخصيص القسم الاقتصادي لعزل حالات الاشتباه؛ لأنه القسم الوحيد به غرف منفصلة بدورات مياه لكل غرفة، وكان المكان الآمن لعزل جميع المرضى، وهناك فرق عمل موجودة ومنوط بها متابعة حالتهم الصحية.
تباعًا مع ازدهار الجائحة وظهور عدد كبير من حالات الاشتباه والالتهاب الرئوي، بدأنا تباعًا عملية إحلال للأسرة من خلال خروج حالات الأمراض الصدرية العادية التي تستطيع الخروج والعودة إلى منزلها مثل الانسكاب البلوري، والاشتباه في أورام أو الحساسية أو التليف الرئوي وما شابه ذلك من الأمراض الصدرية، ما عدا الدرن الرئوي واحتفظنا بالمبنى كاملاً لاستكمال علاج المرضى؛ لأنهم لن يعالجوا سوى في مستشفيات الصدر، وتم الاحتفاظ بهم في مبنى كامل مع مباشرة علاجهم مع أطبائهم.
· وماذا عن عمل باقي أقسام المستشفى؟
بالنسبة لباقي الأقسام في المستشفى، قمنا بعملية إحلال بخروج جميع المرضى الذين استكملوا فترة علاجهم، ومن احتاج لاستكمال العلاج تم التنسيق مع الجامعات المصرية لنقلهم، وأخص وأشكر أساتذتنا في قسم الصدر بجامعة عين شمس، والذين تولوا الأمر معنا وكان هناك بروتوكول لنقل الحالات التي تحتاج لمناظير صدرية أو استكمال العلاج إلى هناك.
تباعًا، بدأنا عزل المرضى المشتبه في إصابتهم بـ”كورونا”، إلى أن أصبح المستشفى عزلاً تامًا لهؤلاء المرضى مع احتفاظنا بمبنى علاج الدرن الرئوي، ونقلنا الحالات إلى الغرف التي كانت في البداية تسع لـ8 مرضى، أصبحنا نضع حالتي اشتباه بكورونا فقط، الأول في بداية الغرفة والآخر في نهايتها، ولو احتاج الأمر نعزل الحالة الثالثة في المنتصف بالتنسيق مع مكافحة العدوى.
ومن يثبت إيجابية تحاليله يتم إبلاغ وزارة الصحة وتحويل الحالة إلى مستشفيات العزل أو أماكن الحجر حتى تعافيها.
· كيف تجهزون المستشفى ليصبح مستشفى للعزل؟
الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة والسكان أجرت زيارة للمستشفى يوم السبت للوقوف على أعمال التطوير ورفع كفاءة البنية التحتية والأعمال الإنشائية لكل منهما، ضمن استراتيجية تجهيز وتأهيل 34 مستشفى حميات وصدر على مستوى الجمهورية لتصبح مستشفيات عزل لمصابي فيروس “كورونا” بشكل تدريجي؛ لنقدم كافة الخدمات الطبية بداية من إجراء الفحوصات اللازمة وتشخيص الحالة وحتى العزل، وتقديم العلاج.
الحالات الإيجابية يتم تحويلها حاليًا إلى مبنى خاص يشمل 30 سريرًا، ومن المقرر تخيص مبنى للحالات الإيجابية ليشمل 100 سرير لزيادة السعة السريرية.
· ما وضع الفريق الطبي المخصص للتعامل مع “كورونا” حاليًا؟
منذ بداية الجائحة، كان القرار الداخلي أن ننظم العمل إلى فريقين، وإتمام إجراءات الحماية لجميع الأطقم الطبية والعاملين، وتوفير مستلزمات كافية للمحافظة على الفريق كله.
فنيو المعمل أكثر الناس عرضة لمواجهة المرضى بشكل مباشر حين يحصلون على العينات، وكذلك أطباء الاستقبال وفنيو الأشعة وهيئة التمريض والعمالة التي تتعامل مع المخلفات الخطرة أو غيرها، وبالتالي كل المنظومة تتعامل مباشرة مع العدوى، وكان أول إجراء اتخذناه بأن يتم استكفاء المستشفى من المستلزمات الطبية والواقيات الشخصية مع تقليل فترة مباشرة الطاقم الكامل للمرضى.
كما كان هناك قرار داخلي لتنظيم العمل “3 أيام و3 أيام” وأن يكون يوم الجمعة نوبات متكررة.
· هل يتعامل الفريق الطبي بشكل كامل لمواجهة “كورونا”؟
المستشفى به 582 موظفًا بين أطباء وتمريض وعمال وموظفين، وكلهم يعملون في الأزمة، “المريض من بداية دخوله يتعامل مع فرد الأمن وصولًا إلى الاستقبال والمعمل”.
· هل انخفض إقبال المرضى المترددين على المستشفى؟
في الأيام العادية كنا نستقبل نحو ألف مريض يوميًا، وبطبيعة الأحوال فالإقبال انخفض مؤخرًا نتيجة ساعات الحظر وعدم وجود المواصلات ليلًا، وانشغال الإسعاف في نقل الحالات الإيجابية وأعمال كثيرة.
الإقبال تقريبًا انخفض إلى الثلث، ولكن هناك الكثير من الضغوط على الأطباء المتواجدين بأن يكونوا على وعي كافٍ لكيفية الاشتباه في الحالات.
· هناك أطباء من أقسام مثل الأطفال يتعاملون مع حالات الاشتباه.. كيف تساعدوهم؟
هناك على سبيل المثال جروبات على “الواتسآب” كنوعٍ من أنواع التواصل، وأي طبيب يواجه بحالة ويريد رأي أو استشارة طبية يتواصل معي عبر الخط الداخلي، أو يرفع صور الأشعة على الجروب وهناك مناقشة على مدار الـ24 ساعة بين الأطباء منذ بداية الجائحة.
كما عينت استشاري الصدر الدكتور إيهاب ثابت مديرًا للأزمة، وتشكيل فريق عمل بشكل توعوي يقوم بعمل التوعية الصحية لجميع الفرق الطبية على مدار الشفتات.
كما وجهت مشرفات التمريض بالمرور على المباني وتقييمها من ناحية إتمام إجراءات مكافحة العدوى الداخلية سواءً من العمالة أو الأطقم الطبية أو الفنيين.
المنظومة كاملة تعمل بشكل احترافي تؤدي في النهاية إلى تقليل نسب العدوى بين الفرق الطبية.
· هل أصيب أحد الفريق الطبي بـ”كورونا”؟
ممرضة واحدة أصيبت في عملها الخارجي، وتم حجزها وأصبحت عينتها سلبية حالياً.
· كيف يحصل المرضى على أدويتهم الدورية؟
اتخذت المديرية قرارًا بصرف الأدوية للمرضى لمدة 3 شهور كاملة، وفيما بعد ذلك لو استمر الوضع لفترة أطول، سيتم تجهيز الأدوية للمرضى وإيصالها إلى منازلهم في منظومة عمل، يقوم بها مجموعة من الموظفين التابعين للمستشفى.
· بخبرتك.. متى تعتقد أن ينتهي هذا الوباء؟
فيروس “كورونا المستجد” بشكله الموجود حالياً أصاب البشرية وسيستمر لفترة، لكن الأجسام ستكوّن أجسادًا مضادة ضده بما يكوّن مناعة من الإصابة، لكن كل عام ستكون هناك إصابات لكن الأعداد لن تكون بهذا الشكل.
زيادة الأعداد أمر طبيعي ولا يخوفنا ويجب أن يعرف الناس كيف يتعايشون مع الفيروس وتطبيق كافة الإجراءات الوقائية.
شاهدنا حالات كنا نستبعد أن تكون مصابة أو مشتبه بها، وحالات بدون أعراض وكانت إيجابية رغم سلامة الأشعة التي أجرتها، وبالتالي “مفيش حاجة ثابتة لهذا الفيروس”.
· أخيرًا.. كيف استقبلت أسرتك قرارك بالبقاء في المستشفى؟
كنت مديرًا لمستشفى نخل المركزي في فترة العملية العسكرية الشاملة، واتخذت قرارًا بأنه طالما عملي ومسؤولياتي تحتم عليا العمل على مدار الـ24 ساعة سأظل في المستشفى وهذا ما يحدث حاليًا.
أود أن أشكر زوجتي وأولادي على تفهمهم لهذا الأمر؛ لأن هناك صعوبة في اتخاذ القرار، وأنا في بيتي على عكس ما أكون في ساحة الحدث، إذ أذهب للمنزل بعد العمل يوم الثلاثاء والجمعة من كل أسبوع أتابع أحوال بيتي وأعود مرة أخرى.
نحن في معركة ويجب أن يعرف كل واحد مسؤولياته ويعرف كيف يكون على قدر المسؤولية.