ترجم أحد دواوينه لكسر الملل فحصد نوبل.. تعرف على طاغور صديق أحمد شوقى
نموذج فريد للتعدد والمواهب، فهو شاعر ورسام وكاتب قصة، ومتبنى للأفكار العظيمة فى تاريخ الإنسانية التى ترفض التعصب وتقبل السلام، فهو روبندرونات طاغور شخصية رفيعة المستوى، وتحل اليوم ذكرى ميلاده الـ159، إذ ولد فى مثل هذا اليوم 7 مايو من عام 1861م، فى مدينة كالكوتا بالهند.
نشأ ظاغور فى أسرة ميسورة الحالى، حيث كان والده مصلحاً اجتماعياً ودينياً معروفاً وسياسياً ومفكراً بارزاً، وكانت أسرته معروفة بتراثها ورفعة نسبها، حيث كان جد طاغور قد أسس لنفسه إمبراطورية مالية ضخمة، وكان آل طاغور رواد حركة النهضة البنغالية إذ سعوا إلى الربط بين الثقافة الهندية التقليدية والأفكار والمفاهيم الغربية.
لم يعرف طاغور طريقا إلى المدرسة، حيث كان يتلقى تعاليمه فى المنزل، على أيدى معلمين خصوصين، وتحت إشراف مباشر من أسرته، التى كانت تهتم بالثقافة، حيث اطلع طاغور منذ الصغر على العديد من السير ودرس التاريخ والعلوم الحديثة وعلم الفلك واللغة السنسكريتية.
بدأ ينظم طاغور الشعر وهو فى سن الثامنة، حيث قرأ فى الشعر البنغالى ودرس قصائد كاليداسا، وعندما أتم السابعة عشر من العمر أرسله والده إلى إنجلترا لاستكمال دراسته فى الحقوق، حيث التحق بكلية لندن الجامعية، لكنه عاد مرة أخرى إلى الهند دون أن يكمل دراسته، ودون الحصول على أى شهادة.
فى فترة الثمانينيات من القرن التاسع عشر نضجت تجربة طاغور الشعرية، إذا نشر له عدد من الدواوين الشعرية، توجها فى عام 1890 بمجموعته “ماناسى” المثالى، التى شكلت قفزة نوعية، لا فى تجربة طاغور فقط وإنما فى الشعر البنغالى ككل.
وفى العام 1901 أسس طاغور مدرسة تجريبية فى شانتينكايتان، حيث سعى من خلالها إلى تطبيق نظرياته الجديدة فى التربية والتعليم، وذلك عبر مزج التقاليد الهندية العريقة بتلك الغربية الحديثة، والتى أصبحت فيما بعد جامعة.
كان طاغور متعدد المواهب، حيث قدم للتراث الإنسانى أكثر من 1000 قصيدة شعرية، وما يقرب من 25 مسرحية، و8 مجلدات قصصية و8 روايات، إلى جانب العديد من الكتب والمقالات والمحاضرات فى الفلسفة والدين والتربية والسياسة والقضايا الاجتماعية، كما كان يرسم حيث أنتج آلاف اللوحات، وهو فى الستين من عمره، وأقام عدة معارض ناجحة أحدها في باريس، بالإضافة إلى مقطوعات موسيقية، تبلغ عددها 2000 أغنية، اثنتان منها أضحتا النشيد الوطني للهند وبنجلاديش.
كان طاغور فى سن الخمسين، ورغم غزارة إنتاجه الأدبى إلا أنه كان لا يعرف إلا على المستوى المحلى فقط، إلى أن سافر مع ابنه ذات يوم إلى إنجلترا، وخلال السفر وللقضاء على الممل وللتسلية، قام بترجمة أحد دواوينه الشعرية، إلى اللغة الإنجليزية، حيث كانت مؤلفاته تكتب باللغة البنغالية.
وفى إنجلترا تقابل مع صديق له ويدعى روثنستاين، وهو رسام شهير التقاه طاغور في الهند، وعندما علم صديقة بترجمة ديوانه، طلب منه الإطلاع عليه، وبالفعل قرأ الديون واندهش ولم يصدق عينيه، حيث وصف الأشعار بأنها أكثر من رائعة، وعليه فاتصل بصديقه الشاعر دبليو.بي بيتس الذي دهش بتجربة طاغور، فنقح الترجمة وكتب مقدمة لها بنفسه، وتوالت بعد ذلك الترجمات وأعجب بها الغربيون للغاية، وفي العام 1913 نال طاغور جائزة نوبل للآداب، ليكون بذلك أول أديب شرقى ينالها، وفي العام 1915 نال وسام الفارس من قبل ملك بريطانيا جورج الخامس، لكنه خلعه فى العام 1919 في أعقاب مجزرة أمريتسار سيئة الصيت، والتي قتلت فيها القوات البريطانية أكثر من 400 متظاهر هندي.
كان طاغور على اطلاع بالثقافة المصرية، حيث كان على معرفة كاملة بمصر لاتصاله القوى بأمير الشعراء أحمد شوقى والصداقة التى كانت تجمعهما، كما قام طاغور بزيارة الإسكندرية والأهرامات، وعند المغادرة إلى الهند كتب فى مفكرته عن مصر، وارتباط شعبها بالنيل العظيم والعلاقة القوية بينهم، وأن الثقافة المصرية منفتحة، كما كتب عن كواليس الحفل الذى نظمه الملك فؤاد خلال زيارته للقاهرة، حسب ما ذكر سفير الهند فى القاهرة، خلال الاحتفال بالشاعر والفيلسوف طاغور بالمجلس الأعلى للثقافة.
ورحل طاغور عن عالمنا في أغسطس من العام 1941 في أعقاب فشل عملية جراحية أجريت له في كالكوتا، وقد توفى طاغور عن عمر ناهز 80 عاماً.