الأدب
رؤيا صادقة وحرب نفسية.. قصة الحلم النبوى فى غزوة بدر الكبرى
تمر اليوم ذكرى غزوة بدر الكبرى، التى تعد أبرز الأحداث فى التاريخ الإسلامى، وأول صدام مباشر بين المسلمين المهاجرين إلى المدينة ومشركى قريش، وبانتصار المؤمنين فى هذه المعركة وضعوا أول لبنة حقيقية فى دولتهم الإسلامية، لكن ما قصة “رؤيا النبى” عليه الصلاة والسلام قبل هذه المعركة؟
وقعت غزوة بدر فى اليوم السابع عشر من شهر رمضان من العام الثانى الهجرى، فعندما علم المسلمون بأن أبا سفيان بن حرب يقود قافلة لقريش خرجوا لاعتراض طريقها، لكن أبا سفيان غير طريقه، غير أن مشركى قريش عندما علموا بخروج المسلمين اعتبروا الأمر فرصة للقضاء على محمد وأصحابه فخرجوا فى قرابة الألف رجل يريدون القضاء على ثلاثمائة مؤمن، ولم يجد المسلمون بدًا من المواجهة، وقد أراد الله أن يهون على المؤمنين ويبشرهم فجعل النبى الكريم يرى رؤيا صادقة.
كانت رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم بشرى وسبباً من أسباب النصر، فقد رأى صلى الله عليه وسلم فى منامه المشركين فى حالة قلة، قال تعالى: “إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِى مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِى الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ”.
يقول الطبرى فى تفسيره لهذه الآية:
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإن الله، يا محمد، سميع لما يقول أصحابك، عليم بما يضمرونه، إذ يريك الله عدوك وعدوهم “فى منامك قليلا”، يقول: يريكهم فى نومك قليلا فتخبرهم بذلك، حتى قويت قلوبهم، واجترأوا على حرب عدوهم ولو أراك ربك عدوك وعدوهم كثيرًا، لفشل أصحابك فجبنوا وخاموا، ولم يقدروا على حرب القوم، ولتنازعوا فى ذلك، ولكن الله سلمهم من ذلك بما أراك فى منامك من الرؤيا، إنه عليم بما تُجنُّه الصدور، لا يخفى عليه شيء مما تضمره القلوب.
وقد زعم بعضهم أن معنى قوله: “إذ يريكهم الله فى منامك قليلا” أى: فى عينك التى تنام بها، فصيّر ” المنام “، هو العين، كأنه أراد: إذ يريكهم الله فى عينك قليلا.
وبنحو الذى قلنا فى ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد: “إذ يريكهم الله فى منامك قليلا”، قال: أراه الله إياهم فى منامه قليلا فأخبر النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك، فكان تثبيتًا لهم.
حدثنى المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
وقال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: “إذ يريكهم الله فى منامك قليلا”، الآية، فكان أول ما أراه من ذلك نعمةً من نعمه عليهم، شجعهم بها على عدوهم، وكفَّ بها ما تُخُوِّف عليهم من ضعفهم، لعلمه بما فيهم.
واختلف أهل التأويل فى تأويل قوله: “ولكن الله سلم”.
فقال بعضهم: معناه: ولكن الله سلم للمؤمنين أمرهم، حتى أظهرهم على عدوهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنى محمد بن سعد قال، حدثنى أبى قال، حدثنى عمى قال، حدثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: “ولكن الله سلم”، يقول: سلم الله لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولكن الله سلم أمره فيهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة: “ولكن الله سلم”، قال: سلم أمره فيهم.
قال أبو جعفر: وأولى القولين فى ذلك بالصواب عندى ما قاله ابن عباس، وهو أن الله سلم القوم، بما أرى نبيه صلى الله عليه وسلم فى منامه من الفشل والتنازع، حتى قويت قلوبهم، واجترأوا على حرب عدوهم، وذلك أن قوله: “ولكن الله سلم” عَقِيب قوله: “ولو أراكهم كثيرًا لفشلتم ولتنازعتم فى الأمر”، فالذى هو أولى بالخبر عنه، أنه سلمهم منه جل ثناؤه، ما كان مخوفًا منه لو لم يُرِ نبيه صلى الله عليه وسلم من قلة القوم فى منامه.