الأدب
من هم “الظاهرية” وما سبب اندثار فكرهم وهل يجوز الأخذ بآرائهم الآن؟
من بين الفرق الكلامية الإسلامية السنية الشهيرة، فرقة “الظاهرية”، وهى مذهب فقهى، وقيل منهج فكرى وفقهى، نشأت فى بغداد فى منتصف القرن الثالث الهجرى، سميت نسبة إلى إمامهم داود بن على الظاهرى ثم تزعمهم وأظهر شأنهم وأمرهم الإمام على بن حزم الأندلسى، وتعد بعض المصادر أن الظاهرية هو المذهب السنى الخامس.
وبحسب الباحث الشيخ محمد الأمين، يقوم هذا المذهب على أن المصدر الفقهى هو ظواهر النصوص من الكتاب والسنة، فلا رأى ولا إعمال للعقل فى حكم من أحكام الشرع، فليس فى هذا المذهب قياس، ولا استحسان، ولا ذرائع، ولا مصالح مرسلة، وإن لم يكن من نص، فيؤخذ بحكم الاستصحاب الذى هو الإباحة الأصلية، ولا شك أن بعض المذاهب فيها ظاهرية أكثر من بعضها الآخر، فأشد المذاهب اعتناء بالرأى مذاهب الكوفة (أبو حنيفة، والثورى) بينما مذهب مالك وشيخه ربيعة الرأى.
وكثير من أهل الحديث عنده ظاهرية، لكن ليس فيهم من هو ظاهرى خالص، وهناك مذاهب تمزج بين الأمرين مثل مذاهب الشافعى والليث والأوزاعى وغيرهم، ومن الملاحظ أن كثيراً من الظاهريين أصله شافعى، مع أن مذهب الليث أميل لمذهب الظاهر من مذهب الشافعى، ويظهر أن السبب هو جودة رد الشافعى على من يستحسن برأيه.
انتشر المذهب الظاهرى في عهد مؤسسه، برغم المعارضة الشديدة لهذا المذهب، وكان انتشار المذهب بما قام به داود من كثرة التأليف، فقد ألف كتبًا كلها سنن وآثار مشتملة على أدلته التى أثبت بها مذهبه، وبالرغم من اهتمام تلاميذه بنشر كتبه، فإن عدم تبنى السلطان للمذهب يعنى عدم انتشاره، ومما ساهم فى اندثاره: عدم اعتماده على المصادر الاجتهادية المرنة التى تعطى للفقه الإسلامى قابلية التطور والنمو.
وبدء المذهب الظاهرى يتلاشى بعد داود وابنه شيئاً فشيئاً، لكن لما ظهر ابن حزم الأندلسى فى القرن الخامس الهجرى، تهيأت بجهوده واجتهاداته الظروف لانتشار المذهب الظاهرى من جديد، فقد خدم ابن حزم المذهب الظاهرى بما قام به من وضع لأصوله وتدوينها فى كتب عديدة، تضمنت بجانب ذلك دفاعه عن المذهب.
ويعد المذهب الظاهرى من مذاهب أهل السنة ولا مانع من تقليده – على القول الراجح – فى بعض الأمور بشرط تحقيق مذهبهم فى المسألة المراد تقليدهم فيها، كما أنه – كغيره من المذاهب – لا يجوز تقليده تتبعا للرخص.