ابن تيمية ظالم أم ظلمه التكفيريون.. إمام مجدد أم فقيه متطرف وسبب الجدل حوله؟
عاد مجددا الجدل والخلاف حول شخص الإمام تقى الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام النميرى الحرانى، الشهير تاريخيا باسم “ابن تيمية”، حول إن كان هو كما يسميه محبوه وأتباعه “شيخ الإسلام” المجتهد الذى حاول توضيح تعاليم الدين الصحيح ويصفونه بأسد الدعوة وإمام أئمة السنة، أم كما يصوره البعض بـ”شيخ الإرهاب” الذى تستقى الجماعات المتطرفة من فتواه قبل أن ترتكب جرائمها فى حق الدين والإنسانية.
وأثار تناول مسلسل “الاختيار” من بطولة النجم أمير كرارة، وإخراج بيتر ميمى، إنتاج شركة سينرجى، عن سيرة بطل الصاعقة المصرية الشهيد أحمد منسى، أثار الأمر بعض تناول اسم الإمام ابن تيمية فى أكثر من حلقة، ما بين تردد فتواه على ألسنة المتطرفين، وما بين الدفاع عنه من الشيخ رمضان عبد المعز أحد علماء الأزهر الشريف، أثناء تقديمه محاضرة دينية لأحد كتائب الصاعقة المصرية.
وقال عبد المعز: “هم يستندون لفتاوى ابن تيمية، والله ظلموا الرجل معهم وهو منهم بريء، وفتواه صدرت في وقت كان فيه هجوم عنيف على الإسلام والمسلمين، فكان يجب الدفاع عنه”.
واستطرد: “عندما ذهب ابن تيمية إلى التتار لرد الأسرى، قال له قائد التتار سنرد إليك أسرى المسلمين، فقال له ابن تيمية سنأخذ أسرى المسيحيين واليهود قبل المسلمين، هكذا دافع ابن تيمية عن أهل الكتاب”.
وأوضح عبد المعز، أن هناك ما يسمى بـ”بيئة الفتوى”، أي الفتاوى التي تخرج في أوقات معينة تحت ظروف معينة، وهكذا فتاوى ابن تيمية صدرت في ظروف معينة كان فيها أعداء كثيرة تهاجم الإسلام والمسلمين لذلك خرجت هذه الفتاوى منه، لذلك لابد أن نأخذ في الاعتبار أن هذه الفتاوى كانت لظروف بعينها.
ويستند أغلب المهاجمين لفتوى الفقيه ابن تيمية، مقولته الشهيرة “يُسْتَتاب، فإن تاب؛ وإلا قُتِل”، موضحين أن جملة “يُسْتَتاب، فإن تاب؛ وإلا قُتِل” تتكرر كثيرا، حتى أحصى بعض الباحثين أكثر من 400 موضع تكررت فيه هذه الجملة نصا أو معنى. والغريب أنها تأتي في كثير من الأحيان في مسائل فرعية، كاستحلال أكل الحيات والعقارب، أو الجهر بالنية مع اعتقاد وجوبها، أو في مسائل لاهوتية تأويلية اختلفت فيها كثير من مذاهب الإسلام.
كذلك فتواه المتشددة للفقيه السلفى، حيث يرى أنه من يصلى الجمعة فقط يُقتل، من لا يصلى السنة الراتبة يُقتل، المعتقد بعدم وجوب الصلاة يُقتل، وإذا كنت فى دولة لا تطبق شريعة من شرائع الإسلام وفقًا لمنظور ابن تيمية وفقهه، كأن تكون قد سمحت ببيع الخمور لغير المسلمين مثلًا، أو الإقراض بالفائدة البنكية التى يرى البعض أنها ربا، أو لم تأخذ الجزية من غير المسلمين، فإنك يجب أن تُقاتل تلك الدولة.
بينما ترى أغلب المصادر الإسلامية، أن “ابن تيمية” هو مجدد القرن السابع بحسب ما أجمع عليه علماء الأمة ولم يطعن فيه سوى خصومه، فقد جدّد في الأصول والتفسير والحديث والفقه والفلسفة وأضاف إلى ذلك خصلتين فذّتين هما ممارسته الجهاد بالنفس بل وقيادة الجيوش لصدّ هجوم التتار على الشام بعد فرار الحُكام الجبناء، والإنكار على هؤلاء الحكام وهم في سدة الحكم حيث كان في صف الشعب ضد ظلمهم وانحرافهم، وسلوكُه لطريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تطفح به سيرته، لا يخاف في الله لومة لائم.
وعموما يستند المدافعين عن الإمام الراحل، فيما يعرف ببيئة الفتوى مؤكدين أن عدد كبير من فتواه تحمل تطرفا ولكن الفترة التى عاش فيها وظروف البلاد سمحت له بذلك، مستشهدين بزيارة “ابن تيمية” لسلطان التتار والتى كانت سببا فيما بعد لفتوى قتلهم مع العلم أن جزءا كبيرا من التتار مسلمون بمن فيهم السلطان نفسه، ووصف الفقيه الراحل فى فتواه هؤلاء بالفئة الباغية والطائفة الممتنعة، وهى عبارات يرددها عدد من عناصر الجماعات المتشددة حاليا، ولكن الهدف منها كما تبين هو حث الناس على جهاد العدو حتى ولو كان مسلم.
ووفقا لكتاب “مرجعيات العقل الإرهابى: المصادر والأفكار” الصادر عن مركز المسبار فى نهاية عام 2018 بعض المصادر النظرية التى يستند إليها “الجهاديون المتطرفون والتنظيمات الإرهابية والسلفية الجهادية”، ومن ذلك أفكار ابن تيمية الذى تمّ استعادة تراثه مجزأً من قبل الجماعات الإسلامية، ونزعت أفكاره عن سياقها التاريخى المرتبط بمغالبة المد المغولى، وسيادة التتر على محاضن الثقافة الإسلامية آنذاك، هذه الاستعادة جعلت أفكار تطبيق الشريعة والحكم بغير ما أُنزِل وتكفير الحكام وأعوانهم، تقف على خط واحد مع أفكار تكفير المجتمع وتجهيله، وتخلق من الجماعة التى تصدر الأحكام أصلاً متعالياً ينعزل عن المجتمع والحاكم ويتفرّغ لإصدار قرارات التكفير، وما إن تمت عملية الأدلجة باستغلال الظروف السياسية والاجتماعية حتى بدأت رحلة العنف.