الأدب

فساد الهواء أم عقاب إلهى؟.. كيف اختلف علماء وفقهاء المسلمين على سبب الأوبئة

منذ أن تفشى جائحة فيروس كورونا المستجد على العالم، اختلف أهل العلم وأهل الفقه إن كان الوباء جاء لأسباب دينية وأخلاقية أم أنه جاء لأسباب بيئية ومناخية كما فسر الأطباء والعلماء، وهو الخلاف الذى لم يظهر مع الفيروس فقط، بل إنه أحد أبرز ثنائيات الحياة الفكرية.

منذ القدم كانت الأوبئة التى تضرب العالم خاصة ممالك المسلمين، يبرز خلالها الاختلاف الثنائى كما ذكرنا سلفا، ووقف الأطباء والعلماء المسلمين وجها لوجه فى مقابل فقهاء المسلمين الذين اجتهدوا وحاولوا تفسير تلك الظاهرة التى لم تنته مع مرور الزمن.

وبحسب المؤرخ الإسلامى الدكتور راغب السرجانى، كان التفسير العلمى للأطباء المسلمين يعتمد على نظرية طبيبة للطبيب اليونانى القديم جالينوس، فى سبب انتشار الأوبئة، واعتمد تفسير الأخير إلى أن الرطوبة وفساد الهواء يؤدى إلى فساد الأمزجة والأبدان، فيما ذهب أطباء المسلمون على أن التوسع العمرانى يؤدى إلى إحداث العفن والرطوبة الفاسدة فى الجو، وهو ما يسبب انتشار الأمراض المهلكة كالطواعين والحميات.

واستنادًا إلى تلك النظرية فسر ابن خلدون ظهور الأوبئة الناجمة عن كثرة السكان وانتشار العمران، وما يصاحبه من كثرة العفن والرطوبة الفاسدة، فإذا اشتد فساد الهواء وقع المرض في الرئة، في حين أنَّ ابن سينا من دون التخلي عن نظرية جالينوس ألمح إلى أنّ فساد الهواء هو السبب المباشر للوباء، بينما ربط ابن النفيس حدوث الوباء ببعض المسببات الأرضية والسماوية، أما الأرضية فمنها كثرة وجود البرك والمستنقعات، أو ما سماه الماء الآسن في المدن مع انتشار الجيف الكثيرة، وأما السماوية: فكثرة الشهب والرجوم في آخر الصيف وفي الخريف، وهبوب ريحي الجنوب والصبا في شهري ديسمبر ويناير، مع ندرة المطر في الشتاء.

أما مذهب الفقهاء والمحدثين في سبب تمكن الطواعين من الناس وفتكها بهم، فيرجع إلى كونه وخزة من وخزات الجن، وذلك اعتمادًا على الحديث الذي ورد في مسند أبي يعلى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ذُكر الطاعون، فذكرتُ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” وَخْزَة تُصيب أمتي من أعدائهم من الجن”.

ورد جمهور الفقهاء على مزاعم الأطباء بأن فساد الهواء هو المسبب المباشر للطواعين، مستدلين بأن الطاعون يقع في أعدل الفصول وفي أفسح البلاد وأطيبها هواءً وماءً، ولو كان سببه الهواء لعم الناس جميعًا، والحيوانات كلها، فالمشاهد والمعاين والمحقق من أخباره أنه يصيب بعض الناس والحيوانات ولا يصيب بعضهم الآخر، وربما يأخذ أهل بيت بأجمعهم، ولا يدخل بيتا مجاورا لهم أصلا، أو يدخل بيتا ولا يصيب إلا بعض أهل البيت فحسب.

كما جادل الأطباء الفقهاء والمحدثين بأن لو كان مبدأ الطاعون وخز الجن، فلم يقع أحيانًا في شهر رمضان، حيث الجن والشياطين مصفدة في أغلالها، لا تسطيع نفعًا لغيرها ولا ضرًا، وبعيدًا عن الجدل بين الأطباء والفقهاء شاع بين العوام الاعتقاد بأن الطاعون هو عقاب إلهي جماعي يصيب الناس جراء انشغالهم بالدنيا وانهماكهم في اللذات والمعاصي وإهمالهم الفروض والطاعات، وبسبب المنكرات التي يقترفونها: يقول ابن إياس أثناء طاعون عام 841ه= 1437م، لما اجتمع القضاة ومشايخ العلم وشكا لهم السلطان من أمر تزايد الطاعون بالقاهرة، فقالوا له: إنما يظهر الطاعون في قوم إذا فشا فيهم الزنا، وأن النساء قد تزايد خروجهن في الطرقات، وهن متبرجات ليلًا ونهارًا في الأسواق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *