المذهب الفقهى بمثابة المرجعية التى نعود إليها فى حالات التعبد أو الإشكاليات الاجتماعية التى تطرأ على الفرد والمجتمع طوال الوقت، وقد اشتهر فى العالم الإسلامى أربعة من المذاهب، اعتمدها أهل السنة والجماعة، ومما يحسب للأزهر الشريف أنه لم يكن مغلقا أمام الأفكار الأخرى والمذاهب الأخرى فاعتمد أيضا المذهب الجعفرى.. لكن ما القصة؟
فى البداية نتعرف على المذاهب الأربعة:
المذهب الحنفى
نسبة إلى الإمام أبى حنيفة النعمان الذى عاش فى الفترة بين عامى (80 – 150 هجرية)،وإن كان المذهب الحنفي يشتمل على تحقيق مناهج شيوخ المذهب كأبى حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، ولم يكن قاصرا على منهج أبى حنيفة بالذات.
ونشأ المذهب الحنفي في الكوفة ونما في بغداد، واتسع بمؤازرة الدولة العباسية له.
وكان مذهبه يعتمد”بالإضافة إلى الأصول النقلية المتفق عليها- على القياس والاستحسان والعرف وقول الصحابي وشرع من قبلنا، فتوسع المذهب في اعتماد الأصول العقلية وتشدد فى ضوابط الأخذ بالحديث بسبب تعقد الحياة وتطور المدنية في البيئة العراقية”.
ومن أهم كتب المذهب الحنفى كتب” ظاهر الرواية” الستة، وكتب “النوادر” للإمام محمد بن الحسن، وكتاب “الكافى” للحاكم الشهيد، وكتاب “المبسوط” للسرخسى، وكتاب “بدائع الصنائع” للكاسانى، وكتاب حاشية ابن عابدين المسماة “رد المحتار على الدر المختار” وغير ذلك.
المذهب المالكى
ينسب إلى الإمام مالك الذى عاش فى الفترة ما بين (93 – 179 هجرية) ويعتمد المذهب إضافة إلى الأصول المتفق عليها بين جميع الأئمة من الكتاب والسنة والقياس وإجماع الصحابة، على عمل أهل المدينة والاستصلاح.
ومن أبرز المؤلفات فى هذا المذهب “الموطأ” للإمام مالك، و”المدونة الكبرى” وهي آراء الإمام مالك الفقهية جمعها ودونها سحنون بن سعيد التنوخي.
انتشر المذهب المالكى أكثر ما انتشر فى شمال إفريقية ومصر والأندلس، وقام علماء كثيرون بنشره فى العراق وبلاد خراسان.
المذهب الشافعى
ينسب إلى الإمام محمد بن إدريس الشافعى الذى عاش فى الفترة بين عامى (150 – 204 هجرية)، عاش فى مكة ثم رحل إلى العراق حيث تعلم في بغداد فقه “أبى حنيفة” قبل رحيله واستقراره قي مصر.
وجاء مذهبه وسطاً بين مذهب “أبى حنيفة” المتوسع فى الرأى، ومذهب “مالك بن أنس” المعتمد على الحديث.
ويعتمد المذهب الشافعى فى استنباطاته وطرائق استدلاله على الأصول التى وضعها الإمام الشافعى ودونها فى كتابه الشهير “بالرسالة”، بحيث يعد أول من دون كتاباً متكاملاً في علم أصول الفقه.
ومن أبرز علماء الشافعية فى حياة الشافعى هم تلامذته: الربيع بن سليمان الجيزي والربيع بن سليمان المرادي، والبوطى.
ومن أشهر كتب مذهبه إضافة إلى كتب الشافعى نفسه كتاب “فتح العزيز في شرح الوجيز” للرافعي، و”روضة الطالبين” و”المجموع” للنووي، و”المهذب” و”التنبيه” للشيرازي، و”تحفة المحتاج” لابن حجر الهيثمى.
المذهب الحنبلى
صاحبه الإمام أحمد بن حنبل الذى عاش فى الفترة بين (164 – 241 هجرية)، وهو آخر المذاهب الأربعة من الناحية الزمنية، وكان ابن حنبل يرى أن يقوم الفقه على النص من الكتاب أو الحديث، وأنكر على أستاذه “الشافعى” أخذه بالرأى، واعتبر الحديث أفضل من الرأى، لذلك عد في نظر كثير من العلماء من رجال الحديث لا من الفقهاء.
ومن أشهر كتبه “المسند” الذى يعتبر موسوعة لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي يحوى أربعين ألف حديث.
ومن أشهر رجال الحنابلة الذين قاموا بنشر المذهب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية، وأهم تلاميذه صالح ابن الإمام أحمد، وابنه الآخر عبد الله وأبو بكر الأثرم والمروذى وأحمد بن محمد بن الحجاج وإبراهيم الحربى، وأهم كتب مذهبه “مختصر الخرقى”، الذي شرحه ابن قدامه في كتابه “المغني” وكتاب “كشاف القناع” للبهوتي، و”الفروع” لابن مفلح، و”الروض المربع” للحجاوي.
المذهب الجعفرى
مما يحسب للأزهر الشريف ما يعرف بـ “فتوى شلتوت” وهى فتوى تُنسب إلى شيخ الأزهر محمود شلتوت، قيل إنها صدرت فى 17 ربيع الأول 1378 هـ / 1959 م، أجاز فيها التعبّد بالمذهب الجعفرى باعتباره مذهباً إسلامياً كالمذاهب السنية الأربعة (الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية).
وشلتوت هو أحد الأعضاء المؤسسين لدار التقريب بين المذاهب الإسلامية التي كانت تعمل على التقريب بين السنة والشيعة.
وكان السؤال الذى وجه إلى الشيخ “شلتوت”:
“إن بعض الناس يرى أنه يجب علي المسلم لکى تقع عباداته ومعاملاته على وجه صحيح أن يقلد أحد المذاهب الأربعة المعروفة وليس من بينها مذهب الشيعة الإمامية ولا الشيعة الزيدية، فهل توافقون فضيلتکم علي هذا الرآي علي إطلاقه فتمنعون تقليد مذهب الشيعة الإمامية الإثنا عشرية مثلاً»
وكانت إجابة الشيخ شلتوت:
إن الإسلام لا يوجب علي أحد من أتباعه اتباع مذهب معين بل نقول: إن لکل مسلم الحق فى أن يقلد بادئ ذى بدء أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحاً والمدونة أحکامها في کتبها الخاصة، ولمن قلد مذهباً من هذه المذاهب أن ينتقل الي غيره أي مذهب کان ولا حرج عليه في شيء من ذلك”.
وأضاف “إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الإمامية الإثنى عشرية، مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة، فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير حق لمذاهب معينة، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة على مذهب، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى، يجوز لمن ليس أهلا للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقررونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات”.
والإمام جعفر الصادق من أئمة الفقه، حتى قال عنه أبو حنيفة: ما رأيت أحدا أفقه منه، وذكره ابن حبان فى كتاب الثقات وقال: كان من سادات أهل البيت فقهًا وعلمًا.
وقال الذهبى فى الكاشف: صدوق فقيه إمام.
ولكن جرى لفقهه ما جرى لفقه الأئمة المتقدمين، فحفظت منه مسائل، ولكن لم يدون بكامله، كما حصل مع مذاهب الأئمة الأربعة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد.