متى ظهر الإرجاء.. ومن هو مؤسس “المرجئة” وسبب اعتبارها بدعة؟
من بين الفرق الكلامية المثيرة للجدل طوال التاريخ الإسلامى، كانت فرقة المرجئة، التى اعتبرها كثير من أهل السنة والجماعة من فرق البدع، وكانت “المرجئة” فى آخر القرن الأول تطلق على فئتين، الأولى قوم أرجأوا أمر الإمام على وعثمان، والثانية تقول: الإيمان قول بلا عمل، وظهرت “المرجئة” فى أواخر عصر الصحابة، قال الفقيه ابن تيمية “ثُمَّ فِى أَوَاخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ حَدَثَتْ الْقَدَرِيَّةُ فِى آخِرِ عَصْرِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَجَابِرٍ؛ وَأَمْثَالِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَحَدَثَتْ الْمُرْجِئَةُ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْجَهْمِيَّة فَإِنَّمَا حَدَثُوا فِى أَوَاخِرِ عَصْرِ التَّابِعِينَ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ”.
واختلف الباحثون في تحديد أول من أظهر مذهب المرجئة، والفقهاء على أقوال، فقيل هو: ذر بن عبدالله الهمدانى، وهو تابعى متعبد توفى في نهاية القرن الأول، وقال إسحاق ابن إبراهيم: ” قلت لأبى عبد الله – يعنى الإمام أحمد: أول من تكلم فى الإيمان من هـو؟ قال: يقولون: أول من تكلم فيه ذر “(مسائل الإمام أحمد لإسحاق ابن إبراهيم؛ قال سلمة بن كهيل: “وصف ذر الإرجاء و هو أول من تكلم فيه، ثم قال أنى أخاف أن يتخذ هذا دينا ، فلما أتـتـه الكتب فى الآفاق ، قال: فسمعته يقول :وهـل أمر غير هذا ” (السنة لعبد الله بن أحمد ، ص81).
وبحسب موسوعة “الدرر السنية” استقر المعنى الاصطلاحى للمرجئة عند السلف على المعنى الثاني “إرجاء الفقهاء”، وهو القول بأن: الإيمان هو التصديق أو التصديق والقول، أو الإيمان قول بلا عمل، “أي إخراج الأعمال من مسمى الإيمان”، وعليه فإن: من قال الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأنه لا يجوز الاستثناء في الإيمان من قال بهذه الأمور أو بعضها فهو مرجئ.
ووفقا لبعض المصادر الإسلامية، لهذه الطائفة اعتقادات كثيرة ، خالفوا بها أهل السنة والجماعة، منها: تعريف الإيمان بأنه التصديق بالقلب، أو التصديق بالقلب والنطق باللسان فقط، وأن العمل ليس داخلاً في حقيقة الإيمان، ولا هو جزء منه، وأن تركه بالكلية لا ينفى الإيمان بالكلية، وأن أصحاب المعاصى مؤمنون كاملو الإيمان بكمال تصديقهم ، فالأعمال عندهم من فرائض الإيمان وشرائعه وثمراته، وليست من حقيقته فى شىء، وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ لأن التصديق بالشىء والجزم به لا يدخله زيادة ولا نقصان عندهم.
والمرجئة ليسوا على مذهب واحد ، وإنما هم طوائف ومذاهب، حيث يقول الشيخ صالح الفوزان: “المرجئة طوائف، ما هم بطائفة واحدة، بعضهم يقول الإيمان هو المعرفة كما يقوله الجهم بن صفوان، وهذا أخطر الأقوال، هذا كفر؛ لأن فرعون يعرف فى قرارة نفسه، قال له موسى: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) الإسراء/ 102 ، فهو يعرف في قلبه ، فيكون مؤمناً؛ لأنه يعرف بقلبه!، ومنهم من يقول الإيمان هو الإقرار باللسان ولو لم يعتقد بقلبه -قول الكرّامية-، وهذا قول باطل؛ لأن المنافقين يقولون بألسنتهم، والله حكم أنهم في الدرك الأسفل من النار، معنى هذا أنهم مؤمنون.
وهناك من يقسم المرجئة لطائفين، الأولى مرجئة الفقهاء: وهم الذين يرون أن الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالقلب، لا يزيد ولا ينقص، والأعمال الصالحة ثمرات الإيمان وشرائعه، قال الإمام الطحاوى في بيان هذا المذهب: “والإيمان هو الإقـرار باللسان والتصديق بالجنان، وجميع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرع والبيان كله حق، والإيمان واحد، وأهـله فى أصله سواء، والتفاضل بينهم بالخشية والتقى ومخالفة الهوى، ملازمة الأولى (العقيدة الطحاوية).
الثانية مرجئة المتكلمين: وهم الجهمية ومن تابعهم من الماتريدية والأشاعرة، يقول الفضيل بن عياض: ” أهـل الإرجاء – إرجاء الفقهاء – يقولون: الإيمان قول بلا عمل، وتقول الجهمية: الإيمان المعرفة بلا قول ولا عمل، ويقول أهل السنة: الإيمان المعرفة والقول والعمل ( تهذيب الآثار الطبري 2/182)، ويقول وكيع بن الجراح: ليس بين كلام الجهمية والمرجئة كبير فرق؛ قالت الجهمية: الإيمان المعرفة بالقلب، وقال المرجئة: الإقرار باللسان أي مع اعتقاد القلب.