من قلب الأزهر.. صلاة التراويح على وقع كورونا (معايشة)
كتب – أحمد جمعة ومحمود مصطفى:
تصوير – محمود بكار وعلاء أحمد:
لامست الفرحة قلب الدكتور أحمد الصباغ حينما علم باختياره ضمن عدد محدود للمشاركة في صلاة التراويح والتهجد بالجامع الأزهر، بعد 20 يومًا وأكثر من أدائها داخل منزله مع أسرته. ارتدى زيَّه الأزهري، واختار أفضل ما عنده من “العمة والكاكولا”، وذهب إلى هناك حيث عقد النيّة على الاعتكاف الجزئي. بحلول الثامنة والربع صدح صوت المؤذن يرفع آذان العشاء، كان وقعه خاص على الحاضرين الذين منعتهم الإجراءات الاحترازية لكورونا من أداء الشعائر التي اعتادوا عليها لسنوات طويلة.
لم تكن الأعداد التي حضرت صلاة العشاء كالتالي اعتاد عليها “الصباغ” وقتما ذهب إلى الأزهر، على الأكثر 50 شخصًا يقفون في صفوف متباعدة، لم يسدوا الفرج، وبالكاد حاذوا بين المناكب، وتركوا ما لا يقل عن متر بين بعضهم البعض، وكانت الكمامات سمة أساسية، في مشهد لم يره الواعظ الأربعيني من قبل.
أقام المؤذن لصلاة العشاء، وتقدم الشيخ أحمد نعينع يتلو من آيات الذكر الحكيم في تآن كعادته، وبصوت خاشع، لم يقطعه إلا صوت كاميرات التصوير التي حرصت على توثيق وقت الصلاة في زمن الكورونا.
يشعر “الصباغ” في نفسه بالتشريف لحضور هذا اليوم، بالنظر إلى إغلاق جميع المساجد على مستوى الجمهورية “نفرح بالصلاة والعودة إلى المساجد. شرف ما بعده شرف أن نكون ممن اصطفاهم الله بالصلاة حاليا مع هذه الإجراءات المشددة في شتى بقاع الأرض.. هذا فضل ومنة من الله تعالى”، بعد أن انتابه الحزن منذ أكثر من الشهر على إغلاق المساجد وتوقف تردده عليها “انتاب الإنسان حالة من القلق والحزن على فراق المساجد ومقابلة العلماء والوعاظ”.
ظلَّ الحاضرون ينتظرون لدقائق إقامة صلاة التراويح، إلى أن تقدم الشيخ محمد البربري يتلو برواية حفص عن عاصم. عاد الجميع لصفوفهم الأولى، لم يتخلف أحد منهم، لم يُطل في التلاوة كما اعتاد في السنوات الماضية، اقتصر في الآيات، والركوع والسجود، وشاركه في ذلك الشيخ محمد عليوة، إلى أن جاء وقت الدعاء في الركعة الأخيرة فعلا الصوت خلفه مرددين “اللهم ارفع عنا الوباء”.
كان بين الحضور كذلك الشيخ شريف السعيد، مدير الدعوة بمنطقة وعظ القاهرة، والذي اختار معه عدد من الوعاظ بالمنطقة لحضور صلاة التراويح والتهجد، ويعتبرها مثل مكافأة للمجيدين والملتزمين “لدينا من المنطقة 10 مشاركين، واخترناهم ممن يعملون ويجدون، ونعتبر هذا بمثابة منحة كوفئ بها الإنسان من قبل الله قبل أن يكافئ بها منا”.
يجلس الحضور بين صلاتي التراويح والتهجد التي تبدأ بعد الـ 12 مساء، في بقاع شتى داخل الأزهر، فهناك فناء المسجد على اتساعه، وداخل الجامع، تراهم جماعات محددة يتحدثون في أمور دينهم ودنياهم، فيما كان بعضهم ملتزمًا بقراءة القرآن حتى إقامة الصلاة.
لا ينكر سعادته بحضوره العشر الأواخر من رمضان داخل الأزهر “فرحة كبيرة، فالقلوب تشتاق دائما وأبدا للاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان”، فالفارق بين بين ما فعله طوال 20 يومًا بالصلاة داخل منزله، وباقي الأيام التي صلى فيها بالأزهر “قضينا 20 يوما كنا نصلي في منازلنا. الصلاة لها طعم آخر ولها روحانيات ما بالنا في الأزهر الشريف خاصة ونحن نستمع إلى هذه الكوكبة من القراء الذين يجيدون القرآن ويتنقلون بنا بين القراءات المختلفة”
للأزهر مكانة خاصة في قلب جميع الأزاهرة وباقي الناس على حد سواء، قبل أن تمنع إجراءات مواجهة كورونا الكثير منهم من حضور صلوات الجماعة منذ قرار الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب يوم 21 مارس الماضي، واستمر التطبيق خلال الـ 20 يومًا الأولى من رمضان، قبل أن يعود ليخفف هذا القرار بالسماح بأداء صلاة العشاء والتراويح والتهجد بعدد محدود من العاملين وبثها عبر حسابات الأزهر على مواقع التواصل الاجتماعي.
استقبل الدكتور هاني عودة مدير عام الجامع الأزهر، قرار إقامة الصلاة جماعة بعدد محدود بالكثير من الترحيب “الناس تشتاق إلى هذه الروحانيات في رمضان واعتادت أن تسمع القرآن وتصلي التراويح، وهذه الأمور تبعث في نفس الإنسان الطمأنينة والأمل والبشرى ولعلها أن تكون بادرة خير”، وحرص مع ذلك على تطبيق الإجراءات الإحترازية في إقامة الصلاة “فلا يوجد شخص بدون كمامة، والمسافة بين المصلي والآخر لا تقل عن متر كحد أدنى والعدد محدود وهم من العاملين بالجامع الأزهر”.
لكن عودة يفتقد هذا الشعور بامتلاء المسجد بالمصلين، وترديد الدعاء بصوت خاشع “وجود الناس بعدد كبير في الجامع أمر لا يختلف عنه اثنان، فمنهم من بينه وبين الله سر ومنهم من يكون أقرب إلى الله مني وهذا أمر يدعو إلى انتشار الروح المؤمنة”، لكنه يُدرك يقينًا أن الأمر أكبر من ذلك، مستندًا إلى القاعدة الشرعية بأن المحافظة على النفس البشرية من أولى مقاصد الشريعة الإسلامية.
يُقيم عودة هذه الأيام بصفة شبه دائمة داخل الأزهر، فهناك الكثير من البرامج العلمية والمحاضرات التي تحتاج إلى تنسيق، فضلًا عن ضرورة متابعة الأمور داخل المسجد “نحرص كذلك على العمالة ومتابعة أعمالها، خاصة مع تخفيف العدد والالتزام بقرار مجلس الوزراء، وكل هذه الأمور يُرفع بها تقرير يومي إلى مشيخة الأزهر”، معتبرًا أن فتح المسجد في العشر أيام الأخيرة من رمضان “بُشرى طيبة لعل الله يزيح عن الأمة هذه الغُمة”.
بعد دقائق أخرى، كانت هناك احتفالية أعدها الأزهر بدأتها الطالبة الزهراء حلمي بمجموعة من الأناشيد الدينية، ثم كلمة للدكتور أحمد عُمر هاشم، تحدث خلالها عن فضل العشر الأواخر من رمضان، والتماس ليلة القدر فيها، فيما حرص الحضور على الاستماع مُطبقين كذلك إجراءات التباعد الجسدي، إذ لاحظ القائمون على تنسيق الصلاة وجود 3 مُصلين إلى جوار بعضهم، فأمروهم بالانتقال إلى مكان آخر داخل المسجد.
يوضح الدكتور عبد المنعم فؤاد، المشرف على الرواق الأزهري، اختلاف رمضان داخل الأزهر هذا العام عن غيره من السنوات الماضية، بالقول إن “المسلمين عندما تتعلق قلوبهم من المساجد فمن الصعب أن يبتعدون عنها”، وبالتالي كان واجبا تبيان الأمر بطرق شرعية لأن هناك ضرورة، والضرورات تُبيح المحظورات، وقد أثبتت وزارة الصحة والهئات الصحية أن ثقافة التباعد هي الثقافة التي يمكن من خلالها مواجهة المرض.
ومع ذلك يشعر “فؤاد” بالألم وهو يرى المساجد فارغة في أيام النفحات، لكنه يتساءل: “ماذا نفعل؟ هذه ضرورات، والله لم يأمرنا أن نقتل أنفسنا، وما نفعله أننا نزداد تضرعا أن يرفع هذا الوباء في كل سجدة”، مشددًا على أن حفاظ الإنسان على نفسه من أهم مقاصد الشريعة “الله الذي أمرنا أن نعمر مساجد الله هو نفسه الذي قال لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة”، ومن هذا المنطلق نادى الأزهر الشريف في المسلمين بمصر والعالم أن يأخذوا حذرهم ويتبعوا الإرشادات الصحية.
“الصلاة لايف”
أبُلغ عمر جمال، أحد الُمنتجين العاملين بمجلس حكماء المسلمين، بإذاعة صلاة العشاء والتراويح والتهجد على الحسابات الرسمية للأزهر، قبل يوم واحد من دخول العشر الأواخر من رمضان، وسرعان ما ذهب إلى الجامع وأجرى معاينة لمكان البث “عملنا معاينة من الساعة واحدة حتى بداية صلاة العشاء في أول يوم، ثم التراويح والتهجد”.
رغم عمله يحرص “جمال” على المشاركة في الصلاة كُلما أتيحت له الفرصة “كل ما أقدر بصلي ركعتين لما الشغل يكون مظبوط”، ومع ذلك يشعر بالفخر لدوره “قدرنا نخلي الناس تشوف الصلاة وتكون مبسوطة، ويكون هناك روح لشهر رمضان”، وهذا ما يتضح من خلال الإقبال الكبير الذي لاحظه على حساباتهم عبر السوشيال ميديا أثناء إذاعة الصلاة “الإقبال كبير ورد الفعل عظيم للغاية”.