الأدب

المرضعة.. مهنة قديمة أصلها فرعونى وانتشار الأمراض سبب اختفائها

لعل مهنة المرضعة واحدة من أقدم المهن فى التاريخ وكانت المرضعة تقوم بإرضاع الأطفال لنساء أخريات، وتعمل المرضعات عندما تكون الأم غير قادرة أو تختار عدم إرضاع الطفل بنفسها، وأطفال المرضعة يُعرفون باسم “الأخوة فى الرضاعة”، وهى المهنة التى اختفت بفعل الزمان والتطور العلمى الذى سهل على الأم استخدام بعض الألبان المصنعة واللائقة طبيا لاستخدام الطفل.

وكانت المرضعة أو كما عرفت بالمصرية القديمة (منعت) أحد أهم الأعمال التى شغلتها المرأة فى مصر القديمة، حيث كانت الرضاعة الطبيعية من أهم الأشياء التى حرص المصرى القديم عليها سواء كانت بواسطة الأم أو المرضعات، وكما جاء فى كتابات الحكيم فتاح محب: “إن الإله سخر لك أمًا كابدت كل مشقة حين حملتك وولدتك وأرضعتك..”، التمثال التالى يُرجح أنه كان لإناء يجمع فيه لبن ارضاعة على هيئة امرأة جاثية وخلف ظهرها طفل وليد، محفوظ بالمتحف البريطانى.

المرضعة
 
ومهنة المرضعة هى المهنة ذات الأصول التاريخية بالنسبة للعرب والمسلمين، خاصة أن النبى محمد “ص” توفيت أمه وهو صغير، وتولى أمره جدّه عبد المطلب، الذى اعتنى به وشمله بعطفه واهتمامه، وكانت أول من أرضعته ثويبة أَمَة عمه أبى لهب، فمن حديث زينب ابنة أبى سلمة أن أم حبيبة، ومن مرضعاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ حليمة بنت أبى ذؤيب السعدية من بنى سعد، شأنه شأن سادات قريش، يرضعون أولادهم في البوادي ليقووا أجساما ، ويفصحوا لسانا .

وبحسب عدد من الباحثين، كانت فكرة الرضاعة الطبيعية نفسها تعتبر شائعة؛ وشائعة جداً لدرجة أن تقوم بها الأسر الملكية، حتى فى المجتمعات القديمة حيث كان يتم توظيف مرضعة من قبل الأسر الحاكمة لترضع أطفالهم، كانت هناك محاولات فى القرن الخامس عشر لاستخدام حليب الأبقار والأغنام كبديل للرضاعة الطبيعية؛ لكن هذه المحاولات لم تنجح، وفي القرن الثامن عشر قُدم خليط الدقيق أو الحبوب مع المرق على أنه بديل للرضاعة الطبيعية ولكن هذا أيضًا لم ينجح، حتى منتصف القرن التاسع عشر حين ظهر الحليب الصناعى المطور وأصبح بديلًا عن المرضعة وعن الرضاعة الطبيعية.

مرضعة توت
 
وفى بدايات القرن العشرين أصبح ينظر إلى الرضاعة الطبيعية بصورة سلبية، حيث كانت تعتبر ممارسة متدنية الطبقة وغير حضارية، ولهذا تزايد استخدام الحليب الصناعى وتسارعت وتيرته بعد الحرب العالمية الثانية.

وذهبت الكاتبة عبير إبراهيم قمرة فى كتابها “المرأة والمدينة الكوزموبوليتانية.. تاريخ الجندرية في المجتمع السكندرى”، أن من أسباب اختفاء مهنة المرضعة أيضا، أنه مع تغير شكل المجتمع التقليدى القديم وسيادة مفاهيم ترتبط بتحديث المجتمع أصبحت المهنة غير ملائمة ومنتقدة، حيث سادت الدعوة إلى اهتمام المرأة بأولادها فرأت ملك حفنى ناصف فى خطبتها عن “المقارنة بين المرأة المصرية والغربية” أن المرأة الغربية مسئولة عن أطفالها وعن تربيتهم وأن النساء العاملات الفقيرات هن من يتركن أطفالهن للمراضع والمربيات أما فى المجتمع المصرى فكان الغنى أو ادعاء الغنى هو الذى يجعل الأسر تستخدم المرضعات.

مرضعات
 
كما اعتبرت المرضعة سببا رئيسيا فى انتشار الأمراض ونقلها للأطفال، فمع انتشار مرض الكوليرا سنة 1903، فى مدينة الإسكندرية، طرح مراسل جريدة الأهرام حينها استنكارا لأن يكون من بين المصابن أطفال وتساءل عن كيفية انتقال المرض إليهم بدون أن يكون آباؤهم مرضى، وانتقد بشدة ترك الأمهات وظائفهم للمراضع والخادمات ورجح أن يكون هذا سبب مرضى الأطفال لأن تلك المرضعات يأتين من بيئة غير نظيفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *