ترقب وخوف ووفاة.. حكاية أسرتين مع ثلاثية “كورونا”
كتب – أحمد جمعة:
تصوير – روجيه أنيس:
رسوم – سحر عيسى:
خرج روماني فوزي من منزله خائفًا يترقب. كانت وجهته مستشفى حميات العباسية بعدما شعر وابنه بارتفاع درجة حرارتهما وكحة، بينما لا تزال في ذاكرته ما آلت إليه أوضاع أسرته الصغيرة، حينما حط “كورونا” رحاله داخل منزلهم، فأصاب والده وأودى بحياته، وطال والدته وشقيقه ونُقلا تباعًا لمستشفى العزل.
تداخلت المشاعر في نفسه، كان قلقه مضاعفًا، فـ”مصيبة كورونا” لا تأتي فرادى، بل جماعات، كلما زاد تعرضهم للعدوى. في نفسه كان هاجس إصابته بالفيروس، لذا أعدَّ مستلزماته وملابسه ووضعها في حقيبة، لكي تكون الأمور جاهزة حال ثبوت إيجابية تحاليله، لينتقل على الفور إلى مستشفى العزل دونما انتظار. ارتدى “روماني” وابنه مينا الكمامة والجوانتي حتى لا ينقلا العدوى لشخص آخر أثناء طريقهما إلى المستشفى، وما إن وصلا حتى استقبلتهما إحدى الممرضات بـ”خيمة الفحص”، حيث اشتبهت في إصابتهما، فحولتهما إلى “قسم 7” مباشرة حيث يجرى مناظرة تلك الحالات.
بفعل زيادة التردد على مستشفى الحميات، انتظر روماني بعض الوقت في الاستراحة المخصصة أمام القسم. دار في خلده تلك الساعات التي اكتشف فيها إصابة والده بالفيروس، ورحلته بين المستشفيات لإنقاذه “بابا تعب السبت بليل، رحنا مستشفى خاص، فوجهنا إلى الحميات”. ظلّ روماني مع والده حتى صباح الأحد للحصول على “مسحة”، ليُبلغوا في اليوم التالي بإيجابية النتيجة، ونقله لمستشفى العزل ليلًا.
ظلّ والد روماني على حالته دون تحسن يُذكر، تزداد الأعراض يومًا بعد يوم حتى اشتدت بعد يومين، ومعها صعدت روحه إلى السماء “يوم الخميس الصبح المستشفى بلغني بوفاته”. تشتت تفكير الرجل الأربعيني بين إتمام إجراءات دفن والده والاطمئنان على باقي أسرته “عزلت نفسي أنا وعيالي وأخويا ووالدتي”.
في منتصف الأسبوع التالي عاد كورونا يطرق أبوابه مُجددًا بظهور أعراض الإصابة على والدته وشقيقه، لتتكرر الرحلة من جديد بنفس تسلسلها: “رحنا المستشفى تاني وخدوا مسحة، وفي المساء بلغونا بإيجابية تحاليل أخويا ووالدتي”، وعقب ساعات جرى نقلهما إلى مستشفى 15 مايو للعزل.
على أية حال؛ لا يعرف روماني إلى الآن المصدر المباشر لعدوى كورونا وتسللها إلى أسرته “بابا مكنش بينزل من البيت غير مرّة كان بيقبض”، ثم يتذكر ذلك الجار الذي زارهم بعد عودته من إيطاليا “خبط على بابا وسلم عليه”، لكن الأعراض لم تظهر إلا بعد 20 يومًا من هذا اللقاء “الدكتورة اللي كانت بتابع معانا استبعدت أن يكون هوّ مصدر الإصابة”.
في تلك الأثناء، كان دور روماني قد حان لإجراء الفحوصات داخل “قسم 7”. أخبر الطبيبة بالأعراض التي يشعر بها وكذلك نجله “حرارتي مرتفعة، وابني كحة وإسهال وبيسخن”، ثم شرح ملابسات إصابة أسرته بالفيروس ومخالطته لهم، وبعد دقائق من مناظرته وجهت الطبيبة بأخذ مسحة له إذ بات مشتبهًا في إصابته بنسبة كبيرة، ومعه نجله.
في اليوم التالي تأكد روماني من إصابته مع سلامة مينا من كورونا “طلعت إيحابي، لكن ابني ميكروب في الدم وشوية التهابات”. نصحه الطبيب بأن يحصل ابنه على علاجه في منزله على أن يكون في عزل منفرد عن باقي المتواجدين في الشقة، قبل أن ينتقل روماني إلى 15 مايو للعزل، وحينها كان شقيقه قد تعافى وغادر المستشفى “أخويا خرج وأنا دخلت”، فيما كانت والدته لا تزال تتلقى العلاج.
بتحويله إلى مستشفى العزل، لم يُخبر روماني والدته بوجوده في الطابق الأول بينما كانت في الأعلى، خشي عليها أن تتفاقم حالتها الصحية والنفسية “بطمن عليها من بعيد لبعيد، ومش معرفها إننا هنا”. وبعد 9 أيام تم تحويله إلى أحد مقار الحجر الصحي “كان نفسي أكمل الفترة دي معاها”.
بعد أيام، عاد لقاء الأسرة مجددًا في منزلهم بعد التعافي من كورونا، لتلتئم أوجاعهم، ويعود شملهم، باستثناء فقد “رب الأسرة”.
على الغرار كانت والدة (كمال عاطف)، إحدى ضحايا كورونا، في رحلة مرض تركت ندبات في نفوس أسرتها التي كانت في طليعة المصابين بالفيروس بالدقهلية. لا يعرف على وجه الدقة مصدر العدوى للسيدة الخمسينية “أمي مريضة سكر ومبتتحركش كتير بره البيت، بالذات في الفترة اللي حست بشوية تعب”، وحينها استقرت أسرتها على عرضها على طبيب “إداها علاج وقالها معدل حرق السكر عالي”.
ظلت والدة كمال تعاني من أوجاعها، حتى خاطبت أسرتها طبيب الباطنة مجددا ووجههم بتحويلها إلى مستشفى الصدر بالمنصورة لإجراء أشعة مقطعية “يوم الخميس دخلت المستشفى ماشية على رجليها”، وجرى حجزها عدَّة أيام حتى الأربعاء، ويومها أبلغوهم بإيجابية تحاليل لكورونا وتجهيزها للتحويل إلى مستشفى أبوخليفة للعزل بالإسماعيلية “كنت بجري مش عارف أعمل ايه”.
لم تصمد والدة كمال في مواجهة الفيروس، وتوفت عقب ساعات قليلة من نقلها إلى الحجر “لقيت ابن خالي بيقولي البقاء لله والدتك ماتت وهنروح نستلمها”، ضاقت عليه الأرض بما رحبت، بينما كان منتظرا صدمة جديدة بعدها بساعات.
فما إن أتموا إجراءات الغسل والدفن حتى بدأت فرق التقصي في تتبع المخالطين لها “خدوا بياناتنا وعملوا تحليل لأخواتي”، حتى أظهرت تلك التحاليل إصابة 3 جدد من الأسرة “خدوا أخواتي الاتنين البنات ومرات أخويا للعزل”.
عاش كمال وأسرته 14 يومًا من القلق “خايفين على أخواتنا اللي في الحجر وعلى نفسنا وباقي أهلنا”، وعلى هذا النحو ظلوا يتابعون العلامات الحيوية، ومنعوا التزاور والاختلاط، قبل أن تمضي أيام الخوف دون أن يُضاف مصابين جدد إلى القائمة، لتنطوي تلك الصفحة من سجل العائلة “بنقول ربنا يستمر والأزمة تعدي علينا وإحنا بخير”.