الأدب
ثمود وعاد عرفهما سيدنا موسى ولم تعرفهما “التوراة”.. ما قاله التراث الإسلامى
تاريخ القبائل والأنبياء تشكل تاريخ الإنسان عبر عصوره الطويلة، وقد رصدت كتب التراث الكثير من الحكايات المختلفة، ومن هذه القبائل ثمود وعاد ومن الكتب “البداية والنهاية” للحافظ ابن كثير.
ويقول الكتاب تحت عنوان “قصة صالح نبى ثمود عليه السلام”:
وهم قبيلة مشهورة يقال ثمود باسم جدهم ثمود أخى جديس، وهما ابنا عابر بن ارم بن سام بن نوح، وكانوا عربًا من العاربة يسكنون الحجر الذى بين الحجاز وتبوك، وقد مرَّ به رسول الله ﷺ وهو ذاهب إلى تبوك.
وكانوا بعد قوم عاد، وكانوا يعبدون الأصنام كأولئك، فبعث الله فيهم رجلًا منهم، وهو عبد الله ورسوله صالح بن عبد بن ماسح بن عبيد بن حاجر بن ثمود بن عابر بن ارم بن سام بن نوح، فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأن يخلعوا الأصنام والأنداد، ولا يشركوا به شيئًا، فآمنت به طائفة منهم، وكفر جمهورهم، ونالوا منه بالمقال والفعال وهموا بقتله، وقتلوا الناقة التى جعلها الله حجة عليهم، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
وكثيرًا ما يقرن الله فى كتابه بين ذكر عاد وثمود، كما فى سورة براءة وإبراهيم، والفرقان، وسورة (ص) وسورة (ق) والنجم، والفجر.
ويقال إن هاتين الأمتين لا يعرف خبرهما أهل الكتاب، وليس لهما ذكر فى كتابهم التوراة، ولكن فى القرآن ما يدل على أن موسى أخبر عنهما، كما قال تعالى فى سورة إبراهيم: { وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِى حَمِيدٌ * أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ… } [إبراهيم: 8-9] الآية.
الظاهر أن هذا من تمام كلام موسى مع قومه، ولكن لما كان هاتان الأمتان من العرب، لم يضبطوا خبرهما جيدًا ولا اعتنوا بحفظه، وإن كان خبرهما كان مشهورًا فى زمان موسى عليه السلام، وقد تكلمنا على هذا كله فى التفسير متقصيًا، ولله الحمد والمنة.
والمقصود الآن ذكر قصتهم، وما كان من أمرهم، وكيف نجى الله نبيه صالحًا عليه السلام، ومن آمن به، وكيف قطع دابر القوم الذين ظلموا بكفرهم، وعتوهم ومخالفتهم رسولهم عليه السلام.
قد قدمنا أنهم كانوا عربًا وكانوا بعد عاد، ولم يعتبروا بما كان من أمرهم، ولهذا قال لهم نبيهم عليه السلام:
“وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِى الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِى الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ” [الأعراف: 73-74] .
أي: إنما جعلكم خلفاء من بعدهم، لتعتبروا بما كان أمرهم، وتعملوا بخلاف عملهم، وأباح لكم هذه الأرض تبنون فى سهولها القصور، وتنحتون من الجبال بيوتًا فارهين، أي: حاذقين فى صنعتها واتقانها وإحكامها، فقابلوا نعمة الله بالشكر والعمل الصالح، والعبادة له وحده لا شريك له، وإياكم ومخالفته، والعدول عن طاعته، فإن عاقبة ذلك وخيمة.
ولهذا وعظهم بقوله: “أَتُتْرَكُونَ فِى مَا هَاهُنَا آمِنِينَ * فِى جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ” [الشعراء: 146-148] .
أي: متراكم، كثير، حسن، بهي، ناضج.
“وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِى الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ” [الشعراء: 149-152] .
وقال لهم أيضًا: {… قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا… } [هود: 61] .
أى: هو الذى خلقكم، فأنشأكم من الأرض، وجعلكم عمارها: أى أعطاكموها بما فيها من الزروع والثمار، فهو الخالق الرزاق، فهو الذى يستحق العبادة وحده لا سواه.
“فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ” أي: أقلعوا عما أنتم فيه، وأقبلوا على عبادته فإنه يقبل منكم، ويتجاوز عنكم.
“إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُجِيبٌ * قَالُوا يَاصَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا” أى: قد كنا نرجو أن يكون عقلك كاملًا قبل هذه المقالة، وهى دعاؤك إيانا إلى إفراد العبادة، وترك ما كنا نعبده من الأنداد، والعدول عن دين الآباء والأجداد.
ولهذا قالوا: “… أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِى شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ * قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّى وَآتَانِى مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِى مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فما تزيدوننى غير تخسير” [هود: 62 – 63] .
وهذا تلطف منه لهم فى العبارة، ولين الجانب، وحسن تأت فى الدعوة لهم إلى الخير، أي: فما ظنكم إن كان الأمر كما أقول لكم، وأدعوكم إليه، ماذا عذركم عند الله، وماذا يخلصكم بين يديه، وأنتم تطلبون منى أن أترك دعائكم إلى طاعته.
وأنا لا يمكننى هذا لأنه واجب علي، ولو تركته لما قدر أحد منكم، ولا من غيركم، أن يجيرنى منه ولا ينصرني، فأنا لا أزال أدعوكم إلى الله وحده لا شريك له، حتى يحكم الله بينى وبينكم.