الأدب
لوحات فنية وموكب الطاعون.. كيف واجهت البشرية الأوبئة الفتاكة بالفنون؟
الفن منذ البدايات الأولى للبشرية استطاع وحده أن يوثق اليوميات والانتصارات البسيطة، والصراعات البشرية، كيف كانت أفراح البشر وكيف كانت أحزانهم، كيف عاشوا وكيف لم تهزمهم الأوبئة، ويتضح من آثار رسومات الكهوف والرسوم الصخرية علاقة الفنون بأنواعه بتوثيق الانتصارات والأزمات والأحداث الكبرى عبر العصور فى الحضارات الإنسانية.
وعلى مدار التاريخ الإنسانى كان الوباء حاضرا فى مواجهة الحياة البشرية، وحصد الكثير من أرواح البشر، لكن الإنسان واجهه بكل الطرق، بالعلاج وبالفن أيضا، وكان للأخير حضورا قويا فى أوقات الأزمات، وأثبت على مدار التاريخ أنه علاج الروح، وأنه خير صديق للإنسان فى مواجهة الأزمات، آخرها كانت مواجهة الإيطاليين للوباء بالغناء والعزف فى الشرفات، وهو ما قلده المصريون أيضا، خلال أزمة تفشى فيروس كورونا الأخيرة.
ومن الأمثلة التى واجه فيها الإنسان الأوبئة مثل الطواعين والكوليرا، بالفن والموسيقى، وجسدها فى اللوحات الفنية:
فى إيطاليا خلال العصور الوسطى، وقبل انتشار عدوى الطاعون، كان هناك ما يسمى بـ”موكب الطاعون” مشهدًا متكرراً في شوارع أوروبا، حيث قامت مدن بأكملها بالمسيرات الطويلة، مصحوبة بغناء وصلوات وأيقونات للقديسين المحليين، مع دعوات مكتوبة لتشجيع الناس للمشاركة.
وعندما اقترب الطاعون من إنجلترا، اختار هنرى الثامن عازف الأورجن كواحد من الرجال الخمسة الذين عزلهم معه، يصف أيضاً بوكامسيو فى رائعته الأشهر عن وباء الطاعون “ديكاميرون”، دائرة من الأرستقراطيين الإيطاليين الذين يتوارون عن الظهور على الملأ، منعكفين لأيام لممارسة الجنس والموسيقى والشرب.
وكما كتب الدكتور كريس ماكلين، أستاذ الموسيقولوجيا السابق فى جامعة ميرسر وهو مرجعية معرفية عن ممارسة الموسيقى فى أزمنة الطاعون، كتب فى منشور له، أن المؤلف “جيوم دى ماشو” فى القرن الرابع عشر كان منزعجًا بشدة من الموت الأسود (الطاعون)، ولكن لم يشر إليه فى أى من مؤلفاته، لماذا؟ كتب “لأن الموسيقى علم يدعو إلى الضحك والغناء والرقص”، “إنها لا تهتم بالكآبة، ولا للرجل الكئيب”.
كما رسم الفنان البلجيكى “انتوان وارتز” لوحة الكوليرا الوباء الأسود الذى انتشر في أوروبا عام 1845 الذى كانوا يدفنون المرضى قبل وفاتهم بفترات، ويظهر فى اللوحة شخص يخرج يده من تابوته مثبتا بفزع بقائه على قيد الحياة.
وقام رئيس أساقفة ميلانو، كارلو بوروميو، خلال موجة أخرى من تفشى الطاعون فى القرن السادس عشر، بدعوة المرضى والمواطنين الموجودين قيد الحجر الصحى إلى مشاهدة مراسم القداس من نوافذ منازلهم، ويقول المؤرخ الطبى كارل هاينز ليفين: “نرى اليوم صورا من إيطاليا يظهر فيها مواطنون يرددون الأغانى من شرفات منازلهم”.