الأدب

التعايش مع كورونا.. كيف تأقلم العالم قديما مع انتشار الأوبئة؟

على مر تاريخها، اضطرت البشرية لمواجهة العديد من الأوبئة الفتاكة التى أسفرت عن سقوط أعداد هائلة من الموتى، بداية من الطاعون الأنطونى وطاعون جستنيان والطاعون الأسود والأنفلونزا الإسبانية مرورا بالجدرى والحصبة السل، وصولا إلى فيروس كورونا المستجد المسبب لإصابة بـ”كوفيد-19″، وكان يضطر العالم فى بعض الأوقات للتعايش مع الوباء بسبب استمراريته وعدم انحصاره وعدم وجود علاج أو لقاح.

الأضرار الاقتصادية والاجتماعية التى تتسبب فيها الإجراءات الاحترازية التى تقوم بها الحكومات منذ القدم لمواجهة انتشار الاوبئة كالحجر والعزل الصحى، وحظر التجوال، ومنع السفر والتنقل، كانت له أثاره العنيفة على المجتمعات، مما أضطرها للتعايش مع الأوبئة طالما إنها مستمرة، ولا سبيل قريب للخلاص منهما، مع اتخاذ الأفراد الإجراءات الصحية بعين الاعتبار والإرشادات التى تقدمها الحكومات والهيئات الصحية.

وربما النداء بضرورة التعايش مع “كورونا” ليس وليد الأزمة الحديث، فالعالم قديما تعايش مع الطاعون، الكاتب جيوفانى بوكاتشيو، تحدث فى روايته ” ديكاميرون” عن كيفية التعامل مع الطاعون الأسود الذى أرعب الأجيال التالية فقد ظهر بالصين عام 1331 لينتقل منها نحو بقية الدول بفضل الطرق التجارية وتحركات الجيوش ليقتل ما بين عامى 1347 و1351 ما يقارب ثلث سكان أوروبا، مشيرا إلى  أنه على الرغم من ظهور وسائل كعزل المصابين والحجر الصحى، حاول سكان عدد من المدن التأقلم مع الوباء، وتكيف الأهالى مع المرض حيث كانت مشاهد الموت عادية للجميع وعوملت الجثث البشرية كجثث حيوانية واستخدمت طرق كالحفر الجماعية والحرق للتخلص منها فضلا عن ذلك رفض كثيرون المرض وتهديده فلجأوا لعيش حياة عادية وأقاموا الحفلات وصنفوا الطاعون كأضحوكة.

وكتب جيوفانى بوكاتشيو فى فلورنسا: “لم يعد هناك مزيد من الاحترام الممنوح للموتى هذه الأيام أكثر مما كان سيمنح للماعز الميت، واختبأ البعض في منازلهم، ورفض آخرون الخضوع للتهديد” وتابع “بوكاتشيو” أن طريقتهم فى التأقلم كانت “شرب الخمور بكثافة، والاستمتاع بالحياة إلى أقصى حد، والغناء والمرح، وإشباع جميع رغبات المرء كلما أتيحت الفرصة، وتجاهل الأمر برمته كأنه مزحة هائلة”.

قادت مراحل انتشار الطاعون الكبرى إلى “ردود فعل ذات طابع أبيقورى” – الفيلسوف اليوناني أبيقور-بمعنى البحث عن اللذة واستباق الأمور وصرف الأموال بدون حساب. ويشير الباحثان وليام نافى وأندرو سبايسر في كتابهما “الطاعون الأسود 1345-1730″، إلى أن الناس فى تلك المراحل “اختاروا التوجه إلى الملاهى والحانات، وعاشوا كل يوم كما لو أنه الأخير”.

وفى كتابه “الموت الأسود” قدم جوزيف بيرن، صورة للحياة اليومية أثناء اجتياح الطاعون أو كما يطلق عليه “الموت الأسود” للعالم حيث استمر لما يزيد على ثلاثة قرون في العالم الإسلامى والمسيحى، ولم ينحسر عن أوروبا إلا فى القرن 17، بينما استمر فى شمال أفريقيا والشرق الأدنى حتى منتصف القرن 19، وكيف تعامل العالم معه.

وأكد الكاتب أن الناس والأفراد عمدوا إلى التكيف مع الوضع، حيث كان الوباء يتكرر مرة كل عقد من الزمن تقريباً، ويظهر فى الربيع ثم يشتد فى الصيف ليبدأ في الانحسار مع قدوم الخريف والشتاء، وفي كل مرة يفرض على السكان حصاراً يصل لعدة سنوات، ومن ثم لم يكن هناك مفر من التكيف مع الأوضاع الاستثنائية، من هنا عدل الناس اهتماماتهم وعاداتهم، وحافظت الكنائس والمساجد والمدارس والمستشفيات بالطبع على قدر من حيويتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *