منبوذون ويخاف الناس من العدوى .. تعرف على حال أطباء الأوبئة فى العصور الوسطى
المؤكد أن “الجيش الأبيض” من الطواقم الطبية، يقوم بمجهودات ضخمة فى الوقت الحالى، تصل إلى حد التضحية بحياتهم من أجل علاج المرضى وإنقاذ المصابين بفيروس كورونا المستجد “كوفيد – 19” من الموت الذى أصبح يهدد الجميع الآن بعد تفشى الجائحة عالميا.
يواجه الأطباء، الآن، أزمة فى كثرة عدد المرضى، وتحاول الحكومات من جانبها توفير كافة الاحتياجات الطبية للفرق الطبية فى حربها ضد الفيروس القاتل، وبالنظر إلى الوضع الحالى للأزمة الصحية العالمية، نتساءل عن وضع الأطباء فى المجتمعات القديمة، وكيف عانوا فى وظائفهم خلال معالجة الطواعين، ليثبت لنا التاريخ أن الحقيقة الثابتة هى أن الطبيعة البشرية لا تتغير، وأنه يمكننا توقع تصرف البشر بنفس الطريقة التى تصرف بها أسلافهم عندما مروا بنفس التجارب والأحداث.
وبحسب “جاكى روزينيك” فى مقال بموقع “doctorsreview” أن صورة الطبيب خلال عصور الطاعون كانت سيئة السمعة خاصة فى العصور الوسطى كما كانت مخيف للعامة، وغالباً ما كان أطباء الطاعون يفتقرون للتدريب الطبى وكان يشار إليهم فى فرنسا وهولندا بلقب “المجربون”، وفى إحدى الحالات، كان أحد أطباء الطاعون بائعا للفاكهة قبل أن يعمل طبيبا.
وكان الأطباء خلال تلك الفترة يعالجون مرضى الطاعون بموجب العهد على أنفسهم وكانوا يُعرفون باسم “أطباء المجتمع” أو “أطباء البلديات”، فى حين أن “الأطباء العاديين” كانوا أطباء مستقلين وقد يتواجد كلا النوعين من الأطباء فى نفس المدينة أو البلدة فى نفس الوقت.
ومن المفترض أن المهمة الرئيسية لأطباء الطاعون هى المساعدة فى علاج ضحايا الطاعون، لكن فى الواقع كانت هناك واجبات أكبر من المهام الطبية كانوا يقومون بها، مثل إحصاء عدد الضحايا وتسجيل الوفيات فى دفاتر السجلات.
كما طلب من أطباء الطاعون أحيانًا المشاركة فى تشريح الجثث، وغالبًا ما يُطلب منهم الإدلاء بشهادة وشهاد الوصايا وغيرها من الوثائق المهمة للموتى.
وليس من المستغرب أن العديد من الأشخاص غير النزيهة استفادت من العائلات الثكلى، حيث أعطوهم أملا زائفا فى العلاج وفرض رسوم إضافية (على الرغم من أنه كان من المفترض أن تدفع لهم الحكومة وليس مرضاهم).
وفى بعض الأحيان كان يواجه بعض رجال الخدمات الصحية مواقف عصيبة، بغض النظر عن نواياهم، حيث كان يتم أطباء الطاعون على أنهم أغنياء، فيتم اختطاف بعضهم واحتجازهم مقابل فدية.
ووفقا لدراسة نشرت بمجلة تاريخ الطب والعلوم عام 1965، كانت المدن التى تعانى من هذا الوباء تقوم بتعيين ذلك النوع من الأطباء لعلاج أهل المدينة مجاناً (وإن كان بعضهم كان يطلب أموال إضافية من الأغنياء)، لم يكن أطباء الطاعون ذوى خبرة، وكثير منهم لم يكن طبيباً من الأساس، ففى أحسن الأحوال يكون طبيب حديث العمل ويعمل تحت التدريب، وذلك لرفض الأطباء ذوى الخبرة التعرض لخطر العدوى، خاصةً أن كان فى أغلب الأوقات يستحيل علاج هذا المرض، فكان أطباء الطاعون يستخدمون طرق علاج غير علمية، ولكن كانت مهمتهم الحقيقية هى حصر أعداد المصابين والمتوفين من الطاعون بكل مدينة.
كان أطباء الطاعون منبوذين من المجتمع، نظراً لخوف الناس من خطر العدوى منهم، وكان بالفعل الكثير منهم يصاب بالمرض أثناء علاج المصابين ويتم وضعهم فى الحجر الصحى فوراً، لذلك كان يرتدى أطباء الطاعون زيا معينا ظناً منهم أنه كان يحميهم من العدوى.
والخدمات العلاجية لم تكن وظيفة الأطباء فقط فى عصر الطاعون خلال العصور الوسطى، حيث خدم الأطباء كموظفين حكوميين فى زمن الأوبئة بدءا من جائحة الموت الأسود فى أوروبا فى القرن الرابع عشر، وكان من ضمن مهامهم الرئيسية، إلى جانب رعاية ضحايا الطاعون، هى تسجيل الوفيات بسبب الطاعون فى السجلات العامة، فى بعض المدن الأوروبية مثل فلورنسا وبيروجيا، طلب من الأطباء الطاعون إجراء عمليات التشريح للمساعدة فى تحديد سبب الوفاة وكيف لعب الطاعون دوراً فيها.
وأصبح أطباء الطاعون شهودًا على العديد من الوصايا فى تلك الأوقات، كما قدم أطباء الطاعون نصائح لمرضاهم حول سلوكهم قبل الوفاة، واختلفت هذه النصيحة تبعا للمريض، وأصبحت العلاقة بين الطبيب والمريض بعد العصور الوسطى محكومة بقانون أخلاقى أكثر تعقيدا.